سوريا.. الغموض يكتنف مصير أكاديمية اختطفت في حمص
لا يزال حادث اختطاف الأكاديمية والناقدة السورية، رشا العلي، في مدينة حمص، قبل أقل من أسبوعين، محل جدل واسع في الأوساط الثقافية والشعبية، فالغموض يكتنف مصيرها حتى الآن، مع تأكيد الجهات الرسمية سعيها لملاحقة الخاطفين والكشف عن ملابسات القضية.
والأكاديمية والناقدة رشا العلي، هي عضو هيئة تدريس في جامعة حمص وعضو اتحاد الكتاب العرب، وهي ابنة الحقوقي السوري المعارض ناصر العلي، المقيم في العاصمة الفرنسية باريس منذ عدة سنوات.
وليس حادث اختطاف الأكاديمية هو الأول من نوعه في محافظة حمص، فقد تم تسجيل عدة حالات بدوافع مختلفة منذ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي أجج المخاوف من العودة لسيناريوهات عامي 2011 و2012 في المحافظة، التي شهدت فوضى أمنية.
وفي وقت أكدت فيه الجهات الأمنية المكلفة بمتابعة حادثة الاختطاف، عدم التوصل لأي جديد، ينتظر ذويها وأهالي محافظة حمص عودتها سالمة، مع التأكيد على ضرورة المعالجة الأمنية لهذه الحوادث، والعمل على عدم تكرارها.
وسرت مخاوف من تزايد حوادث الاختطاف في المحافظة، بهدف الابتزاز المادي والحصول على فدية مالية، وذلك في ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتأثر عجلة الاقتصاد بالعقوبات الأميركية والغربية المفروضة على سوريا منذ عدة سنوات، وتدهور قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وشح فرص العمل، وسط انكماش الاقتصاد المحلي.
وكانت لجنة الأمم المتحدة المعنية بسوريا قد طالبت الإدارة الجديدة في منتصف يناير الماضي، بحماية المدنيين ومعاملة الذين ألقوا أسلحتهم معاملة إنسانية وحماية الأدلة على الجرائم للمساعدة في ضمان المساءلة في المستقبل.
غموض ومصير مجهول
وتتكتم عائلة العلي، تفاصيل حادث الاختطاف، خاصة بعد أنباء متداولة نفتها عائلتها وأجهزة الأمن واتحاد الكتاب، بشأن العثور على جثمانها.
وقالت الناشطة في مجال توثيق ملفات الانتهاكات في محافظة حمص، حنين أحمد، في تصريحات لـ “الشرق”، إنه “تم توثيق حادثة اختطاف الأستاذة الجامعية رشا العلي أثناء توجهها من منزلها باتجاه مقر عملها في الجامعة”.
وأضافت أن حادث الاختطاف يعد الأول لامرأة في مدينة حمص منذ سقوط الأسد قبل نحو شهرين، مشيرة إلى أنه “تم التأكد أنها ليست معتقلة لدى هيئة تحرير الشام، ومختطفة لدى جهة مجهولة لم تعلن عن نفسها أو عن دوافع الاختطاف حتى الآن”.
ولفتت حنين، إلى “قلق ومخاوف من تكرار حوادث الاختطاف والاعتداءات والسرقات في المحافظة، بسبب الوضع الأمني غير المستقر حتى الآن”، لكنها أكدت أن ” الوضع تحسن، ومدينة حمص لم تسجل انتهاكات إضافية منذ عدة أيام”، وأرجعت ذلك إلى تشديد الإجراءات الأمنية ونشر عدد من الحواجز في المدينة.
وتعد حمص أكبر المحافظات السورية من حيث المساحة، ويقطنها سكان من مختلف الأديان والمذاهب، إذ تعتبر حلقة وصل تربط المحافظات الساحلية والشمالية والشرقية بالعاصمة دمشق والمحافظات الجنوبية، وشهدت أحداثاً دامية مع بداية الثورة السورية، فقد تم تدمير عدد من أحيائها، نتيجة المعارك والقصف بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة.
الأمن السوري يتابع
ومع مرور أكثر من 10 أيام على الحادث، دون أن تتضح أي تفاصيل، أكد مصدر في الأمن السوري العام في حمص لـ “الشرق”، أن “الجهات الأمنية تبلغت عن حادث اختطاف الدكتورة الجامعية رشا ناصر العلي، وبدأت عمليات البحث والتحري عنها مع استمرار التحقيقات بالتنسيق مع أهل المختطفة، لمعرفة أفراد العصابة الإجرامية ومحاسبتهم”.
وأضاف المصدر أنه “بعد مرور أكثر من 10 أيام لا تتوافر معطيات كافية عن حادثة الاختطاف حتى الآن”، لافتاً إلى أن “العمل جارٍ لكشف كل ملابسات الحادث بهدف التوصل للفاعلين”، مشدداً على أن “الجهات الأمنية لن تتغاضى عن أي قضية أو تتركها دون ملاحقة”.
بدوره، بيّن مدير العلاقات العامة في محافظة حمص، حمزة قبلان لـ “الشرق”، أن “الجهات المختصة تتابع القضية وسيتم الكشف عن كافة التفاصيل المتعلقة بالحادث، حال توافرها”.
قلق في أوساط المثقفين
ومع غياب أي معلومات عن الجهة التي تقف وراء حادث الاختطاف والأسباب، ساد الجدل في الأوساط الشعبية والجامعية وامتد إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وسط اتهامات بأن رشا “سخرت من الفتيات المنقبات بالجامعة وأساءت لهن”، وهو أمر رفضه آخرون إذ أكدوا تعاملها الجيد مع كافة الطلاب والكوادر الإدارية والعلمية في الجامعة.
وقال مصدر صحافي في محافظة حمص، إن “الأكاديمية رشا العلي، معروفة بأخلاقها الحسنة”، مشيراً إلى أن “الأنباء عن تهكمها على الحجاب والنقاب غير صحيحة”، معتبراً أن مثل هذه الاتهامات “تعتبر حجة وذريعة لتبرير جريمة الاختطاف”.
وتوقع المصدر أن “يكون الحادث سببه عمل زوجها في الأمن السوري التابع للنظام السابق، أو على خلفية حساسيات من نتائج امتحانات للطلاب أو البحوث العلمية الخاصة ببعضهم”.
وأحدث اختطاف رشا ضجة في الأوساط الثقافية والأدبية، وسط مخاوف من تكرار هذه الحوادث، وهو ما استلزم تحركاً من عدة جهات ثقافية، بينها اتحاد الكتاب السوري.
وقالت رئيسة فرع “اتحاد الكتاب العرب” في محافظة حمص، أميمة إبراهيم، في تصريحات لـ”الشرق”: “منذ أكثر من 10 أيام علمنا باختطاف الدكتورة رشا ناصر العلي، وذلك في طريقها من بيتها الكائن في مساكن الإدخار بحمص إلى الجامعة وهي مسافة تُعتبر قريبة وفي وضح النهار”.
ولفتت إبراهيم إلى أنه “تم التواصل مع الجهات المعنية في حمص، حيث أبدت هذه الجهات تفهماً ووعدت بمتابعة القضية”، مؤكدة أنه “لا معلومات حول مصيرها حتى ولا تطمينات تذكر”، نافية “الأنباء عن العثور عليها مقتولة”، وهو ما أكدته عائلتها التي لا تزال تتابع مع الجهات المعنية.
وقبل أيام أصدر الاتحاد بياناً ناشد فيه “المساعدة بالإفراج عنها”، آملين تدخل القيادة العسكرية في هيئة تحرير الشام وبقيّة الفصائلِ الفاعلة في محافظة حمص للإفراج عن الزميلة المختطفة والمساعدة في عودتها إلى أهلها بأسرع وقت.