– عمر علاء الدين
خلال حديثه في مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض”، في 29 من تشرين الأول الماضي، اعتبر الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أن السعودية تشكل “مفتاح سوريا نحو العالم”.
هذا التصريح ورغم ما يحمله من دلالات على نوع وتوجهات العلاقة السورية- السعودية، فإنه يطرح أسئلة عن طبيعة علاقة سوريا الجديدة مع المملكة خصوصًا في ظل تنافس إقليمي حول الدور في سوريا بين تركيا وإسرائيل وأوروبا من ناحية، ومحاولة عودة إيران من ناحية أخرى.
تحاول في هذا التقرير تفكيك أبعاد العلاقات بين دمشق والرياض في ضوء الطموحات والإمكانيات والمعوقات.
دور قيادي ولاعب أساسي
فسر الباحث في مركز “جسور للدراسات” محمد سليمان، مقصد الشرع بجملة “عندما توجهنا للسعودية عرفنا أين المفتاح”، بأن السعودية هي إحدى الدول الرائدة سياسيًا، ولديها علاقات نافذة مع الدول الكبرى.
وفي حديث إلى، اعتبر الباحث أن “العلاقات الجيدة” مع السعودية تسهم في فتح خطوط التواصل مع الصين والولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة العربية وغيرها.
ويرى سليمان أن العلاقة بين دمشق والرياض “إيجابية جدًا”، ومن الواضح الاهتمام السعودي بسوريا، ومساعدتها لبناء نفسها والاندماج في المحيط العربي والإقليمي، وأن تكون سوريا جزءًا من استقرار المنطقة.
اجتثاث إيران من سوريا بالنسبة للسعودية هو”مكسب كبير”، وفق الباحث محمد سليمان، ويساعد الرياض على حل مشكلة اليمن وإضعاف الحوثي المدعوم من إيران، التي كانت تستخدم “الحوثيين” كأداة ابتزاز، عبر التحكم بمضيقي “باب المندب” و”هرمز”، ما يشكل تهديدًا على التجارة العالمية.
وأضاف، “لذلك السعودية مهتمة باستقرار سوريا لإعادة فتح خطوط التجارة ووصل الشرق بالغرب بريًا عبر الجسر السوري”.
ويتفق مع طرح الباحث سليمان، المحلل السوري علي تمّي، إذ اعتبر في حديث إلى، أن المملكة “باتت مفتاح الحل في الشرق الأوسط”، لما لها من دور عربي وإسلامي في قيادة المنطقة وحل قضاياها، إضافة إلى أنها أحد المنتجين الكبار للنفط في العالم.
واعتبر تمّي أن السعودية اليوم لاعب أساسي في الساحة السورية، بحكم العلاقة التاريخية بين البلدين.
ومن مصلحة السعودية، بحسب تمّي، أن تبقى سوريا “واحدة وموحدة”، ودعم بنيتها التحتية اقتصاديًا، وأن تكون مستقرة وآمنة باعتبار هذا الأمر جزءًا من الأمن القومي العربي.
المحلل السياسي السوري درويش خليفة، قال ل، إنه لا يمكن قراءة التقارب السوري السعودي من زاوية “الوحدة السنيّة” كما يروّج بعض المراقبين، بل في إطار أوسع يتمثل في عودة سوريا إلى عمقها العربي واستعادة دورها في قضايا المنطقة.
وتستعد شركات سعودية كبرى لتنفيذ استثمارات بمليارات الدولارات في سوريا، في إطار نهج سعودي موجه نحو الأعمال من أجل تعافي سوريا، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” في 31 من تشرين الأول الماضي.
وقال رجال أعمال سعوديون وسوريون للوكالة، إن الأموال السعودية قد تتدفق قريبًا أيضًا إلى قطاعات الطيران المدني والتعليم والطب في سوريا، كما تجري الرياض محادثات مع دمشق لإنشاء خط سكة حديد عبر الأردن.
في 13 من أيار الماضي، وبطلب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خلال زيارته إلى الرياض، رفع العقوبات عن سوريا، وفي اليوم التالي توسطت السعودية لإجراء اللقاء الأول بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وبين ترامب، بحضور ابن سلمان.
عقب إعلان ترامب، رحب وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في تغريدة على حسابه بمنصة “إكس” برفع العقوبات قائلًا، إن الدبلوماسية السعودية أثبتت مجددًا أنها “صوت العقل والحكمة في محيطنا العربي”، معتبرًا أن مساهمتها الفاعلة في رفع العقوبات عن سوريا تعكس “حرصًا حقيقيًا على وحدة سوريا واستقرارها وعودة دورها الفاعل في الإقليم”.
سوريا خط دفاع سعودي
ورقة تحليلية للباحث السعودي غير المقيم في مركز “مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط” هشام الغنام، يرى فيها أن المصالح السعودية في سوريا تصل إلى أن تصبح سوريا خطًا أماميًا لحماية الأمن السعودي.
ويعزو الباحث ذلك إلى جملة من العوامل، أبرزها زوال النفوذ الإيراني في سوريا ومنع عودته، واحتواء التوسع الإسرائيلي، وتحجيم النفوذ التركي المتنامي في سوريا.
وتتوجّس المملكة، بحسب الغنام، من المخططات التركية والإسرائيلية والإيرانية في سوريا، وعلى الرغم من سعي كل من الرياض وأنقرة إلى مواجهة النفوذ الإيراني في البلاد، ثمّة تنافس بينهما أيضًا، كذلك، تعد تركيا حليفًا لقطر، التي كان تاريخها مع السعودية حافلًا بالخلافات، لذا تنظر الرياض بعين الريبة إلى مساعي توسيع النفوذ التركي أينما كان.
واتبعت السعودية نهجًا متعدد المسارات لتشكيل معالم المشهد السياسي في سوريا، وفق ورقة “كارنيغي”، ويتضمن ذلك مزيجًا من المساعي الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية الرامية إلى دعم النظام الجديد في دمشق وإعادة دمجه في محيطه العربي، ومنع أي محاولة إيرانية لاستئناف التدخل في الشؤون السورية، واحتواء التوسع الإسرائيلي في الأراضي السورية.
وتبرز استراتيجيتان تتبعهما السعودية لتحقيق أهدافها في سوريا، بحسب الباحث الغنام:
- الأولى: تستند إلى التعاون مع تركيا، التي تمارس نفوذًا واسعًا في سوريا عبر شبكة وكلائها.
- الثانية: تتمثل في استفادة الرياض من علاقاتها مع القبائل العربية في شمال شرقي سوريا المتعدد الأعراق.
وفي حال فشلت السعودية بوقف هذا التدخل، سيتعرض دورها الراسخ كقوة إقليمية وحامية للمصالح العربية لـ”انتكاسة كبيرة”، وفق الباحث السعودي هشام الغنام.
المحلل علي تمّي، يقدم رأيًا مختلفًا عما جاء في ورقة “كارنيغي”، ويعتقد أن المقصود في التوجه السعودي هو “تحجيم النفوذ الإيراني وليس التركي”، إذ يرى أنه كان هناك تنسيق محوري بين أنقرة والرياض لدعم عملية “ردع العدوان” التي أطاحت برئيس النظام السابق، بشار الأسد.
وأضاف أن تركيا تدعم دمشق “عسكريًا وأمنيًا”، بينما الرياض تدعم اقتصاديًا وإداريًا، وهناك تبادل للأدوار لا صراع على النفوذ، مشيرًا إلى أن التنسيق المتبادل جاء على خلفية دعم إيران لحزب “العمال الكردستاني” ضد تركيا و”الحوثيين” ضد السعودية.
الكاتب والباحث السوري درويش خليفة، أشار إلى عدم تعارض العلاقة بين الرياض ودمشق، مع مصالح الحلفاء الآخرين في تركيا وقطر، لأن سوريا تشكّل عقدة وصل برية بين شمال المنطقة وجنوبها، ما يمنحها أهمية استراتيجية في أي توازنات إقليمية مقبلة.
في 22 من تشرين الأول الماضي، أعلن وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، انطلاق بعثة من طلاب الضباط السوريين للدراسة بالكليات العسكرية في كل من تركيا والسعودية، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون الأكاديمي والعسكري بين الدول الثلاث.
وفي تغريدة على حسابه بمنصة “إكس“، شكر أبو قصرة كلًا من تركيا والسعودية على “تعاونهما البنّاء في استقبال بعثة الوزارة”، مشيدًا بحرصهما على تبادل الخبرات وتطوير القدرات بما يسهم تعزيز الأمن الإقليمي.
محطات في العلاقة
تؤرخ ورقة بحثية لمركز “الخليج للأبحاث” العلاقات السورية- السعودية قبل الثورة عام 2011، وما تخللها من منعطفات، في حين أن التحول الأبرز كان انفتاح المملكة على النظام السوري في 2023، بعد سنوات من القطيعة وعبر خطوات متدرجة، تناولتها في ملف حمل اسم “الرياض ودمشق خطوة بخطوة“.
قبل الثورة:
- عملت السعودية على دعم حكم الرئيس السوري الأول شكري القوتلي وإعادته للحكم أكثر من مرة، بعد انقلاب حسني الزعيم عليه في آب من عام 1949.
- دعمت انقلاب الرئيس السوري أديب الشيشكلي ضد الزعيم في كانون الأول من عام 1949.
- ساءت علاقة المملكة مع سوريا خلال فترة الرئيس هاشم الأتاسي، خلال فترة حكمه بين عامي 1954 و1955، وما تلاها.
- مع وصول حافظ الأسد للحكم في سوريا عام 1970، شهدت العلاقة تجاذبات بين اختلاف في قضايا والالتقاء في أخرى، مثلًا في الحرب العراقية- الإيرانية بين عامي 1980 و1988، كان حافظ الأسد يدعم إيران بينما تدعم السعودية صدام حسين، لكن عندما احتل صدام حسين الكويت عام 1990، وقف حافظ الأسد إلى جانب السعودية.
- نسق الطرفان بشأن اتفاق “الطائف” الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان عام 1989.
- بعد وصول رئيس النظام المخلوع بشار الأسد إلى سدة الحكم في سوريا، شهدت العلاقات بين دمشق والرياض توترات عديدة، من أبرز معالمها: الغزو الأمريكي للعراق 2003، اغتيال رفيق الحريري 2005، حرب تموز في لبنان 2006.
بعد الثورة
- مع بدء الثورة السورية عام 2011 وبعد قمع الأسد للمتظاهرين طالبت المملكة بإجراء إصلاحات سريعة.
- في كانون الأول 2012، أعلن مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسه السعودية سحب سفرائه من دمشق وطرد السفراء السوريين.
- في كانون الثاني 2012، بدأت السعودية بإرسال الأسلحة لـ”الجيش الحر” وفق مجلة “فورين أفيرز“.
- إلى جانب قطر، أصبحت المملكة العربية السعودية من أكبر مصادر سلاح “الجيش الحر” في أيار 2013، وفق وكالة “رويترز“.
- بعد التدخل العسكري لروسيا إلى جانب نظام الأسد في عام 2015، كثفت السعودية دعمها لـ”الجيش الحر” بأسلحة نوعية منها مضاد للدبابات وفق وكالة “رويترز”.
- بعد زلزال شباط 2023، شهد الخطاب السعودي تغيرًا تجاه النظام السوري.
السعودية أتاحت، في أيار 2023، عودة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية، ليشارك في قمتين عربيتين، إحداهما في جدة والأخرى في المنامة، وبقمتين عربيتين إسلاميتين في الرياض، قبل إسقاط نظامه نهاية 2024.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
