أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، في 29 من تشرين الأول، اعتراف سوريا بجمهورية كوسوفو دولة مستقلة وذات سيادة.

وقالت إن ذلك جاء في إطار السياسة السورية الرامية إلى توسيع جسور التعاون والانفتاح مع مختلف دول العالم، وبما يخدم المصالح المشتركة.

وجاء في بيان صادر عن الوزارة أن اعتراف سوريا بكوسوفو أُعلن خلال اجتماع ثلاثي عقد في العاصمة السعودية الرياض، وضم ممثلين عن سوريا والسعودية وكوسوفو، جرى خلاله بحث سبل تعزيز العلاقات والتفاهم المشترك وفتح آفاق التعاون الثنائي.

بيان اعتراف سوريا بدولة كوسوفو صادر عن وزارة الخارجية والمغتربين السورية - 29 تشرين الأول 2025 (وزارة الخارجية والمغتربين السورية/ إكس)

بيان اعتراف سوريا بدولة كوسوفو صادر عن وزارة الخارجية والمغتربين السورية – 29 تشرين الأول 2025 (وزارة الخارجية والمغتربين السورية/ إكس)

وقالت الخارجية إن هذا القرار يأتي “انطلاقًا من إيمان سوريا بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحرصها على تعزيز مبادئ السلام والاستقرار في منطقة البلقان والعالم”، مؤكدة أن الخطوة تأتي ضمن سياسة “الانفتاح وتوسيع جسور التعاون” مع مختلف دول العالم.

وأعربت الوزارة عن “تقديرها العميق لجهود المملكة العربية السعودية ودورها البناء في تقريب وجهات النظر ودعم الحوار والتفاهم”، مشيرة إلى أن الرياض أسهمت في تهيئة الظروف المناسبة لاتخاذ هذا القرار. كما أعلنت دمشق تطلعها إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع بريشتينا في أقرب وقت، وتطوير التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.

وكانت الرئاسة السورية استخدمت في بياناتها الرسمية توصيف “رئيسة جمهورية كوسوفو” عند الإشارة إلى فيوسا عثماني، خلال لقائها بالرئيس الشرع في أنطاليا.

وهو لقاء جرى برعاية تركية في 11 من نيسان الماضي، وتواجد خلاله العلمان السوري والكوسوفي، وشكل أول تواصل رفيع المستوى بين الجانبين منذ إعلان كوسوفو استقلالها عام 2008.

لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيسة جمهورية كوسوفو فيوزا عثماني في أنطاليا - 11 نيسان 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيسة جمهورية كوسوفو فيوزا عثماني في أنطاليا - 11 نيسان 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)

لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيسة جمهورية كوسوفو فيوزا عثماني في أنطاليا – 11 نيسان 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)

من جانبها، رحّبت جمهورية كوسوفو باعتراف سوريا الرسمي بها، ووصفت القرار بأنه “تاريخي”، وفق بيان صادر عن رئاسة الجمهورية في بريشتينا.

وجاء في البيان الذي نشرته رئيسة جمهورية كوسوفو، فيوزا عثماني، عبر حسابها في منصة “إكس” أن كوسوفو “تعبّر عن امتنانها العميق للجمهورية العربية السورية ولرئيسها أحمد الشرع على دعمه للشعب الكوسوفي”، معتبرة أن القرار يستند إلى “الاحترام المتبادل لنضال الشعبين من أجل الحرية والسيادة والاستقلال”.

وأشادت كوسوفو بدور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، معتبرة أن “قيادته أسهمت في إنجاح الاجتماع الثلاثي في الرياض، الذي توّج باتفاق تاريخي بين الشعبين السوري والكوسوفي”.

وأشارت عثماني إلى التضحيات المماثلة التي بذلها كل من الشعبين السوري والكوسوفي من أجل نيل حريتهما.

الأسد رفض الاعتراف بكوسوفو

امتنعت سوريا خلال عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، عن الاعتراف باستقلال كوسوفو، متمسكة بموقفها الداعم لوحدة الأراضي الصربية، ومعارضةً لأي تقسيمات على أسس دينية أو قومية، سواء في البلقان أو في الشرق الأوسط.

وأكد الأسد المخلوع، خلال لقاء مع وزير الخارجية الصربي آنذاك، فوك يريميتش، عام 2009 في دمشق، أن بلاده “ترفض الاعتراف بكوسوفو” وتدعو إلى حلٍّ سياسي للأزمة في المنطقة.

كما دعم الموقف السوري الجهود الدبلوماسية الصربية الرامية إلى الحفاظ على سيادة بلغراد ووحدة أراضيها، في وقت كانت فيه سوريا تترأس منظمة المؤتمر الإسلامي وتعمل على منع تمرير قرار كانت السعودية تسعى من خلاله لحث الدول الإسلامية على الاعتراف بكوسوفو.

ارتبط هذا التوجه السوري، بحسب محللون كوسوفيون، بتحالفات سياسية وثيقة مع روسيا وصربيا، وانسجم مع رؤية النظام السوري الرافضة لمبدأ الانفصال، خشية انعكاسه على القضايا السورية المشابهة، مثل المسألة الكردية.

لماذا انفصلت كوسوفو؟

ضُمّت كوسوفو إلى مملكة يوغسلافيا بعد الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، لتخضع منذ ذلك الحين لسيطرة الصرب، رغم مطالبة سكانها الألبان بالانضمام إلى ألبانيا، باعتبارهم جزءًا تاريخيًا منها.

ومنذ تلك المرحلة، واجه الألبان سياسات تمييزية اتبعتها السلطات اليوغسلافية، شملت ترحيل الآلاف منهم، ومنع تدريس اللغة الألبانية في المدارس، فيما بقي الصرب يسيطرون على المنطقة رغم كونهم أقلية.

بدأت التوترات بين الألبان والصرب مطلع القرن العشرين، وتفاقمت خلال حرب البلقان الأولى بين عامي 1914 و1918، ثم أثناء الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939 و1945. وفي أواخر التسعينيات، شهدت كوسوفو واحدة من أكثر الحروب دموية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

اندلعت حرب كوسوفو (أو “كوسوفا” كما يسميها الألبان) بين “جيش تحرير كوسوفا” الألباني المدعوم من “حلف شمال الأطلسي” (ناتو)، وبين الحكومة اليوغسلافية والقوات الصربية.

بدأت المعارك في شباط 1998 واستمرت حتى تموز 1999، بعد تصاعد هجمات المقاتلين الألبان المؤيدين للاستقلال، في ظل محاولات القوات اليوغسلافية فرض سيطرتها على الإقليم. وتُهمت تلك القوات بارتكاب مجازر بحق المدنيين الألبان، ما تسبب بأزمة إنسانية واسعة وارتفاع أعداد اللاجئين نحو دول أوروبا.

طالبت “مجموعة الاتصال”، المكوّنة من الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، بوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الصربية واليوغسلافية من كوسوفو، والسماح بعودة اللاجئين وإدخال مراقبين دوليين دون قيود. ورغم موافقة الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش على هذه المطالب، فإنه لم يطبقها فعليًا، ما دفع “جيش تحرير كوسوفو” لإعادة تنظيم صفوفه واستئناف الهجمات.

جاء رد القوات اليوغسلافية والصربية عنيفًا، وبدأت حملة تطهير عرقي شملت القرى الألبانية وأودت بحياة آلاف المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ. وأدان مجلس الأمن الدولي الاستخدام المفرط للقوة، وفرض حظرًا على توريد السلاح، لكن العمليات العسكرية استمرت.

وفي شباط 1999، استضافت فرنسا مفاوضات سلام توقفت بعد فشلها في الشهر التالي، لتبدأ قوات “الناتو” يوم 24 من آذار عملية “القوة المتحالفة”، المعروفة أمريكيًا باسم “عملية سندان نوبل”، التي استهدفت مواقع عسكرية صربية لإجبار بلغراد على الانسحاب من كوسوفو ووقف المجازر ضد الألبان. وردت القوات اليوغسلافية بطرد عشرات الآلاف من الألبان، لتشهد المنطقة موجة نزوح جماعي باتجاه ألبانيا ومقدونيا والجبل الأسود.

استمرت حملة القصف 78 يومًا، أي نحو 11 أسبوعًا، ووصلت إلى العاصمة بلغراد، مسببة دمارًا واسعًا في البنية التحتية، ما أجبر ميلوسيفيتش على القبول بالانسحاب مقابل وقف القصف.

وفي حزيران من العام نفسه، وُقعت معاهدة سلام “كومانوفو” بين يوغسلافيا وحلف “الناتو”، نصت على استبدال القوات الصربية بقوات دولية، لتنسحب القوات اليوغسلافية من كوسوفو، ويعود نحو مليون لاجئ ألباني وقرابة 500 ألف نازح.

قدرت الخسائر البشرية بنحو 13 ألف قتيل، بينهم 11 ألف ألباني، بينما قُتل نحو 500 مدني من الصرب والألبان نتيجة قصف “الناتو” بحسب منظمات حقوقية. كما أدت الحرب إلى تهجير قرابة مليون شخص.

عقب انتهاء الحرب، انسحب معظم الصرب من كوسوفو، ونشرت فيها قوات حفظ سلام دولية، وخضعت لإدارة الأمم المتحدة، ومع ذلك استمرت التوترات وأعمال العنف بين الجانبين لسنوات.

وفي شباط 2008، أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا، وهو ما اعترفت به 110 دول، من بينها الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، فيما رفضت صربيا وروسيا الاعتراف بها.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.