تواجه سوريا أزمة غذاء محتملة بعد أسوأ موجة جفاف منذ 36 عامًا، أدت إلى تراجع إنتاج القمح بنسبة تقارب 40%، ما وضع ضغوطًا إضافية على الحكومة التي تعاني من ضائقة مالية ولم تتمكن من إبرام صفقات شراء واسعة النطاق.

وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لوكالة “رويترز”، في 18 من آب، إن نحو ثلاثة ملايين سوري قد يواجهون جوعًا حادًا، دون أن يحدد إطارًا زمنيًا لهذه التقديرات.

وأضاف أن أكثر من نصف سكان سوريا البالغ عددهم نحو 25.6 مليون نسمة يعانون حاليًا من انعدام الأمن الغذائي.

تحدثت وكالة “رويترز” إلى مسؤول سوري وثلاثة تجار وثلاثة عمال إغاثة ومصدرين صناعيين لديهم معرفة مباشرة بجهود شراء القمح، وأكدوا جميعًا أن البلاد بحاجة إلى مزيد من الواردات والتمويل لتخفيف حدة النقص المتوقع.

المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب، المهندس حسن عثمان، قال ل، إن الحكومة السورية اشترت 373,500 طن من القمح من المزارعين هذا الموسم، أي ما يقارب نصف حجم العام الماضي. 

وأضاف أن الحكومة تحتاج إلى استيراد نحو 2.55 مليون طن هذا العام.

عثمان قال، في حديثه إلى، إن سوريا تستورد القمح من الدول المصدّرة كأوكرانيا ورومانيا لسدّ الفجوة بين المطلوب والمستلم لتحقيق الأمن الغذائي.

وأشار إلى استدراج عروض بشكل مستمر للحصول على الحاجة من القمح، وفي الأيام القادمة سيجري استدراج عروض لـ 200 ألف طن.

وتابع عثمان بأن المخزون الحالي من القمح يكفي حاجة سوريا لخمسة أشهر مقبلة تقريبًا، ولدى المؤسسة عدد من عقود التوريد مع شركات مختلفة.

تمويل استيراد القمح ذاتيًا

وصلت آخر باخرة محمّلة بمادة القمح الطري المستورد إلى مرفأ طرطوس، في 17 من آب الحالي.

وقال مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، مازن علوش، ل حينها، إن هذه الباخرة هي الـ13 ضمن سلسلة بواخر القمح التي وصلت إلى المرفأ منذ سقوط النظام السابق، إذ بلغ إجمالي الكميات المستلمة حتى 17 من آب نحو 136 ألف طن من القمح المستورد.

مدير عام المؤسسة السورية للحبوب، المهندس حسن عثمان، قال ل، إن جميع الشحنات التي تمّ استلامها خلال الأشهر الماضية تم تسديد ثمنها بشكل فوري عند الاستلام، ولا يوجد أي استحقاق مالي لأي شركة على المؤسسة.

وأضاف عثمان بأن سوريا لم تحصل على دعمٍ، أو وعدٍ من أي من المنظمات أو الدول، سوى المنحة العراقية التي تم توريد 146 ألف طن منها، وباقي تمويل شراء القمح في سوريا كله ذاتي، بحسب عثمان.

الدكتور في الاقتصاد الزراعي بجامعة “الزيتونة” الدولية سليم النابلسي، قال ل، إن التحديات التي تواجه سوريا في عملية استيراد القمح تتوزع على ثلاثة جوانب، هي: 

  • مالية: محدودية التمويل وعدم وجود دعم خارجي.
  • سياسية: تتعلق بالعقوبات والقيود المصرفية.
  • لوجستية: قد تتأثر بظروف النقل والاستيراد في ظل الأزمة.

وأوضح النابلسي أنه على المنظمات الدولية مثل منظمة “الفاو” و”برنامج الغذاء العالمي” أن تؤدي دورًا في سد الفجوة من خلال تقديم الدعم الفني والمالي للدولة السورية، لكن حتى الآن، الدعم محدود بسبب عدة عوامل، منها القيود المالية والسياسية.

دعوى روسية ضد البنك المركزي

في 26 من حزيران الماضي، رفعت شركة “بالادا” الروسية لتجارة وتصدير الحبوب دعوى قضائية لدى محكمة موسكو للتحكيم ضد مصرف سوريا المركزي والمؤسسة العامة لتجارة وتخزين وتصنيع الحبوب التابعة لوزارة التجارة الداخلية في الجمهورية العربية السورية. 

وبحسب صحيفة “تايمز أوف موسكو” بلغ حجم المطالبات 5.6 مليار روبل، ما يساوي 69 مليون دولار (الروبل الروسي مقابل الدولار= 0.0124).

مدير عام المؤسسة السورية للحبوب، حسن عثمان، قال ل إنه لا ديون لأحد على المؤسسة السورية للحبوب، والشحنات التي تشتريها سوريا اليوم تدفع ثمنها مباشرة.

استئناف استيراد القمح من روسيا

الصحفية في مشروع “SeaKrime” الذي يتتبع الشحن غير القانوني لروسيا، كاترينا ياريسكو، نشرت عبر حسابها في “إكس” أن روسيا استأنفت شحنات الحبوب إلى سوريا من شبه جزيرة القرم. 

وذكرت ياريسكو، في 17 من آب، أن روسيا تنفذ الآن ثالث شحنة خلال شهر واحد، وتبحر سفينة الشحن Damas Wave (المسجلة تحت علم جزر القمر والاسم السابق Golden Yara) بشكل منتظم بين ميناء فيودوسيا في القرم وميناء طرطوس السوري.

وقد غادرت السفينة ميناء القرم في 15 أو 16 من آب متجهة إلى سوريا محملة بالحبوب، وتتولى شركة تركية إدارة شؤون السفينة الأمنية، بحسب ياريسكو.

تاريخ ووجهة انطلاق السفينة الروسية نحو سوريا - 17 آب 2025 (كاترينا ياريسكو/ إكس)

تاريخ ووجهة انطلاق السفينة الروسية نحو سوريا – 17 آب 2025 (كاترينا ياريسكو/ إكس)

الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة نوار شعبان، قال ل، إن أي تقدم في مواضيع مثل مسألة القمح، أو طباعة العملة والقواعد العسكرية ليست بالضرورة مؤشرًا عن تحسّن في العلاقات، وإنما هو استكمال لاتفاقات كانت موجودة مسبقًا بين روسيا والدولة السورية. 

ويرى شعبان، في حديثه إلى، أن النظام السوري سقط، لكن تلك الاتفاقات ما زالت قائمة، ومنها القمح الذي قد يكون ما يزال خاضعًا لاتفاقات قائمة، وكذلك الوجود العسكري الروسي (القواعد العسكرية)، فالمقصود ليس توسعه أو إعادة تعريفه جذريًا، بل إعادة تأطيره في شكله الحالي دون توسع.

وبالتالي، فإن الاتفاقات التي تتعلق بالقمح تأتي في سياق إعادة تعريف العلاقات بين البلدين وفق المعطيات السابقة، ولا وجود لمعطيات جديدة ولا تفاهمات مستحدثة، وإنما هناك حديث عن كيفية تفعيل ما تم الاتفاق عليه مسبقًا بما لا يتعارض مع توجه الدولة الجديدة في سوريا، بحسب شعبان.

ولا وجود لأي تحديث لأي جانب من جوانب العلاقات بين روسيا والحكومة السورية، وهذه نقطة مهمة وأساسية اليوم، بحسب الباحث نوار شعبان، إذ إن الحديث يدور حول أمور مسبقة موجودة، وإعادة تعريفها لا أكثر.

يعد القمح المحصول الاستراتيجي الأول في سوريا، إذ كان الإنتاج قبل عام 2011 يتجاوز أربعة ملايين طن سنويًا، ما جعلها مكتفية ذاتيًا ومصدّرة أحيانًا.

لكن الحرب وتراجع الدعم الحكومي وتضرر البنية التحتية الزراعية، إضافة إلى العقوبات والجفاف المتكرر، أدت إلى انهيار الإنتاج المحلي، ليتراجع إلى نحو 1.5 مليون طن في السنوات الأخيرة، مقابل حاجة سنوية تقدّر بأكثر من أربعة ملايين طن.

هذا النقص أجبر سوريا على الاعتماد بشكل متزايد على الاستيراد من روسيا ودول أخرى، في وقت تعاني فيه من أزمات تمويلية ومصرفية تعيق إبرام الصفقات.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.