قال مسؤولون سوريون إن غارة شنتها القوات الأميركية وجماعة سورية محلية بهدف القبض على مسؤول في تنظيم “داعش”، أسفرت عن استهداف رجل مدني كان يعمل متخفياً في جمع المعلومات الاستخبارية عن المتطرفين، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.
وتصدر اسم خالد المسعود المشهد السياسي والأمني المعقد في أكتوبر، في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة العمل مع الرئيس السوري أحمد الشرع في الحرب ضد فلول تنظيم “داعش”.
وقال مقربون من المسعود إنه كان يتجسس على “داعش” لسنوات، ثم لصالح حكومة الشرع التي تشكلت بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد قبل عام.
وبعد أسابيع من غارة نُفذت في 19 أكتوبر، زار الشرع واشنطن، وأعلن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”.
وفي أحدث مؤشر على تزايد التعاون، أعلنت القيادة المركزية الأميركية، الأحد، أن القوات الأميركية وقوات من وزارة الداخلية السورية عثرت على 15 مخبأ أسلحة لـ”داعش” في الجنوب ودمرتها.
تفاصيل الغارة
ووقعت الغارة في 19 أكتوبر في بلدة الضمير الواقعة شرق العاصمة دمشق في حوالي الساعة الثالثة فجراً بالتوقيت المحلي، إذ استيقظ السكان على أصوات مركبات ثقيلة وطائرات.
وأفاد السكان بأن القوات الأميركية نفذت الغارة إلى جانب الجيش السوري الحر، وهو فصيل معارض دربته الولايات المتحدة، إذ يتبع الجيش السوري الحر الآن رسمياً لوزارة الدفاع السورية.
في السياق، قال عبد الكريم مسعود، ابن عم خالد المسعود، إنه فتح باب منزله، فرأى مركبات “هامفي” Humvees عليها أعلام أميركية، مضيفاً: “كان هناك شخص فوق إحداها يتحدث لغة عربية ركيكة، ووجه إلينا رشاشاً وضوء ليزر أخضر، وأمرنا بالعودة إلى الداخل”.
من جانبها، قالت صباح الشيخ الكيلاني، والدة خالد المسعود، إن القوات حاصرت منزل ابنها المجاور، حيث كان مع زوجته وبناته الخمس، وطرقت الباب بقوة.
وأضافت الكيلاني أن المسعود “أخبرهم أنه كان مع الأمن العام، التابع لوزارة الداخلية السورية، لكنهم كسروا الباب وأطلقوا النار عليه”.
وتابعت: “اقتادوه مصاباً، ولاحقاً، أبلغ مسؤولو الأمن الحكوميون العائلة أنه أُطلق سراحه، لكنه في المستشفى، ثم استُدعيت العائلة لاستلام جثته.. ولم يتضح متى توفي.. كيف مات؟ لا نعرف.. أريد محاسبة من سلبوه من أبنائه”.
وتعتقد عائلة المسعود أنه استُهدف بناءً على معلومات استخباراتية خاطئة قدّمها أعضاء في الجيش السوري الحر.
وقال ابن عمه إن المسعود “عمل مع جماعة هيئة تحرير الشام، في معقلها الشمالي الغربي بإدلب قبل سقوط الأسد، ثم عاد إلى الضمير وعمل مع الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الشرع”.
وأكد مسؤولان أمنيان سوريان ومسؤول سياسي أن المسعود “كان يعمل مع الحكومة السورية المؤقتة في دور أمني وأنه عمل على مكافحة داعش”.
وذكرت التقارير الإعلامية الأولية عن الغارة أنها ألقت القبض على مسؤول في “داعش”، لكن القيادة المركزية الأميركية، التي عادةً ما تُصدر بيانات عندما تُسفر عملية عن مقتل أو أسر عضو في الجماعة المتطرفة في سوريا، لم تُصدر أي إعلان.
وقال مسؤول دفاعي أميركي، رداً على سؤال حول الغارة وهدفها وما إذا كانت قد نُسِّقت مع الحكومة السورية: “نحن على علم بهذه التقارير، لكن ليس لدينا أي معلومات نُقدِّمها”.
معلومات استخباراتية خاطئة
من جانبها، أفادت منظمة “إيروورز”، المختصة بمراقبة الصراعات ومقرها لندن، بوقوع 52 حادثة تعرض فيها مدنيون للأذى أو القتل في عمليات التحالف في سوريا منذ عام 2020، إذ صنفت المنظمة المسعود كمدني.
وقالت إميلي تريب، مديرة “إيروورز”، إن المنظمة شهدت “حالات متعددة لما تسميه الولايات المتحدة أخطاء”، بما في ذلك حالة عام 2023 أعلن فيها الجيش الأميركي أنه قتل قائداً في تنظيم “القاعدة” في غارة بطائرة مسيرة، وتبين لاحقاً أن الهدف كان مزارعاً مدنياً.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت غارة 19 أكتوبر قد فشلت بسبب معلومات استخباراتية خاطئة، أم أن أحداً ما زوّد التحالف بمعلومات كاذبة عمداً.
وقال وسيم نصر، الباحث البارز في مركز “صوفان” الذي يُركز على القضايا الأمنية ومقره نيويورك، إن مقتل المسعود “قد يُمثل نكسة كبيرة لجهود مكافحة داعش”.
وأضاف نصر أن المسعود “كان يتسلل إلى صفوف داعش في الصحاري الجنوبية السورية المعروفة بالبادية، وهي إحدى المناطق التي لا تزال فلول الجماعة المتطرفة نشطة فيها”.
وتابع: “الغارة التي استهدفته جاءت نتيجة انعدام التنسيق بين التحالف ودمشق”.
وفي ذروة قوته عام 2015، سيطر تنظيم “داعش” على مساحة من الأراضي في العراق وسوريا تُعادل نصف مساحة المملكة المتحدة.
وبعد سنوات من القتال، كسر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة آخر معاقل التنظيم في أواخر عام 2019، ومنذ ذلك الحين، تعمل القوات الأميركية في سوريا على ضمان عدم استعادة “داعش” موطئ قدم لها.
وتُقدّر الولايات المتحدة أن تنظيم “داعش” لا يزال يضم حوالي 2500 عضو في سوريا والعراق، إذ أعلنت القيادة المركزية الأميركية الشهر الماضي أن عدد هجمات التنظيم هناك انخفض إلى 375 هجوماً حتى الآن خلال العام، مُقارنةً بـ 1038 في العام الماضي.
ويُعتقد أن أقل من ألف جندي أميركي يعملون في سوريا، وينفذون غارات جوية ومداهمات ضد خلايا “داعش”. ويعملون بشكل رئيسي جنباً إلى جنب مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي والجيش السوري الحر في الجنوب، والآن، أصبح للولايات المتحدة شريك آخر وهي قوات الأمن التابعة للحكومة السورية الجديدة.
