تعمل لجنة تعديل قانون “حماية المستهلك” في الإدارة العامة للتجارة الداخلية وحماية المستهلك في سوريا، منذ 19 من تشرين الماضي، على مراجعة المرسوم التشريعي رقم “8” لعام 2021، الذي أثار جدلًا واسعًا منذ صدوره بسبب انعكاساته على بيئة العمل التجاري والصناعي، ولترسيخ تشريع جديد يتوافق مع اقتصاد السوق الحر والواقع الاقتصادي المتغيّر.
اللجنة، التي تضم ممثلين عن وزارات الاقتصاد والتجارة الداخلية والعدل والتعليم العالي، إلى جانب غرف الصناعة والتجارة، تعمل على مراجعة القانون مادة بمادة، بهدف الوصول إلى صيغة متوازنة تحمي المستهلك وتراعي مصالح المنتجين والتجار في الوقت نفسه.
ظروف استثنائية.. توجه لإعادة صياغة العقوبات
يرى مدير مديرية حماية المستهلك وسلامة الغذاء في الإدارة، حسن الشوا، في حديث إلى، أن القانون رقم “8” صدر في ظروف استثنائية وصعبة للغاية، وبشكل مفاجئ، بحسب تعبيره، من دون توفير مساحة للنقاش أو المشاركة.
وجعل ذلك أجزاء واسعة من مواده غير منسجمة مع قاعدة السوق الحر المعمول بها اليوم، مشيرًا إلى أن اللجنة المكلفة بتعديل مواده، تضم ممثلين عن جهات حكومية وخبراء اقتصاديين وصناعيين، بهدف إيجاد صيغة تربط بين واقع السوق ومتطلبات حماية المستهلك وسلامة الغذاء، ضمن مبادئ تشجيع التصدير والاستيراد، ومنع الاحتكار، وزيادة المنافسة.
أن المراجعة الحالية تشمل العقوبات وآلية ضبط المواد وتفسير النصوص القانونية، بهدف منع استخدامها كوسيلة ضغط على المستورد أو المنتج، لافتًا إلى أنها كانت إحدى أبرز الانتقادات التي وجهت للقانون سابقًا، إذ اعتبره كثيرون بمثابة “اعتقال مباشر” للعاملين في السوق بناء على تقدير المراقب.
كما تتضمن المراجعة المقارنة مع القانون السابق رقم “14” لعام 2015، ومع تجارب دول أخرى ذات أسواق مشابهة، للوصول إلى بنية قانونية أكثر توافقًا مع السوق.
وبحسب الشوا، لن تساوي الصيغة الجديدة بين المخالفات الصغيرة والكبيرة كما كان يحدث سابقًا، وإنما ستبنى على تسلسل واضح للعقوبات يتناسب مع جسامة المخالفة، وتراعي كرامة المواطن، سواء أكان مستهلكًا أم منتِجًا.
وعن الفترة الحالية، بين الشوا، أن الوزارة لا تزال تعمل بتعليمات تنفيذية مؤقتة تراعي الواقع الاقتصادي، ريثما تنجز التعديلات الجديدة.
وكان وزير العدل، مظهر الويس، أصدر في 21 من تموز الماضي قرارًا يقضي بتجميد تنفيذ الإجراءات التنفيذية المرتبطة بأحكام قضائية قطعية، لعدد من القوانين، منها قانون حماية المستهلك “رقم 8” لعام 2021.
وكشف مدير مديرية حماية المستهلك وسلامة الغذاء أنه يتم العمل حاليًا على تطوير برنامج إلكتروني يربط الشكاوى بهوية التموين، بما يضمن سرعة المتابعة وإيصال الرد للمواطن.
كما جرى العمل على تعزيز الوعي والمراقبة بشكل متوازٍ، لضبط الأسعار ومنع الفوارق بين المحافظات. مؤكدًا إن الشكاوى المسجلة تتابع بجدية، وأن هناك فرقًا جاهزة للاستجابة.
وبين أن الاستجابة للشكاوى صارت أسرع، وأن أرقام هواتف الجهات المسؤولة متاحة في المحافظات، مع الحاجة إلى مزيد من التوعية لتعزيز وصول المستهلك إلى حقوقه، وتمكينه من اتخاذ القرار الصحيح قبل الوصول إلى مرحلة الشكوى.
وبخصوص الشكاوى الكيدية، أوضح الشوا، أن المديرية تتعامل مع كل شكوى بجدية حتى يثبت العكس، ويتم التحقق من وجود ضرر شخصي أو واقعي، وفي حال تبيّن أنها شكوى كيدية يُكتفى بتسجيلها دون اتخاذ إجراءات تضر بصاحب الشكوى أو بالمشتكى عليه، إلا إذا تطلّب الأمر خلاف ذلك.
الصناعيون: “القانون كارثة”
رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، محمد أيمن المولوي، قال ل إن المرسوم رقم “8” كان “كارثة حقيقية” لما تضمنه من ظلم كبير للتجار والصناعيين.
وكان كافيًا ارتكاب أبسط مخالفة ليعتقل التاجر أو الصناعي ويحال مباشرة إلى القضاء، من دون مراعاة لوجود مستويات مختلفة للعقوبات، بحسب المولوي، مشيرًا إلى أن القانون ساوى بين من يرتكب مخالفة بسيطة ومن يرتكب مخالفة كبيرة، ما ألحق ضررًا واسعًا ببيئة العمل.
وأوضح المولوي أن الاعتراضات على المرسوم بدأت منذ يوم صدوره، لكنه استمر في التطبيق رغم ذلك، بينما يجرى العمل حاليًا بالتعاون مع التجارة الداخلية لإعادة تصحيح الضوابط، أو العودة إلى القانون السابق رقم “14” لعام 2015، الذي يصفه بأنه كان “أكثر توازنًا.
وعبر المولوي، عن أمله في الوصول إلى حلول وإعادة ضبط الإطار القانوني، معتبرًا أن القانون الجديد يجب أن يكون أساسًا لتشجيع بيئة العمل والاستثمار، منوهًا إلى أنه إذا لم يعدل المرسوم، فستبقى المشكلة قائمة، لكنه يعتقد أن التعديل قريب.
رؤية قانونية: شفافية للمستهلك وعلاقة صحية مع التاجر
من جانبه، أوضح عضو اللجنة ورئيس قسم القانون الخاص في كلية الحقوق بجامعة دمشق، مؤيد زيدان، أن الاجتماعات تهدف إلى إعادة تقييم المرسوم رقم “8”، لضمان صياغة قواعد تحقق التوازن المطلوب بين حماية المستهلك ومصالح التجار.
وأكد زيدان، في حديث إلى، ضرورة ضمان العلاقة المتبادلة بين الطرفين، بحيث تتحقق مبادئ الشفافية للمستهلك في الاطلاع على المنتج وبياناته، وفي الوقت ذاته تبنى علاقة جيدة بين المستهلك والتاجر، سواء كان تاجر جملة أو مفرق.
وأعرب عن الأمل في وضع قواعد فعالة تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي لأفراد المجتمع، وبما ينسجم مع المرحلة المقبلة التي يمر بها المجتمع، متمنيًا أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التطوير بما يخدم المصلحة العامة.
تشريعات أخرى على الطاولة
تتضمن رؤية وزارة الاقتصاد والصناعة، تحديث التشريعات، وضمان أعلى مستويات الحماية للمستهلك، مع دعم القطاع التجاري والصناعي بما يضمن استدامة النشاط الاقتصادي، مع مراعاة متطلبات السوق المحلية والتحديات التي يواجهها المواطن السوري.
وبناء على ذلك، تعمل الإدارة العامة للتجارة الداخلية، على تعديل مجموعة من التشريعات إلى جانب مرسوم “حماية المستهلك”، إذ بدأت لجان مختصة بمراجعة قانون “الشركات” ضمن مسار يهدف إلى تحديث بيئة الأعمال وتطوير إطار العمل المؤسسي.
كما يخضع قانون “التعاون الاستهلاكي” لمراجعة شاملة لإعادة تعريف دور الجمعيات الاستهلاكية وتعزيز قدرتها على توفير السلع والخدمات.
وبالتوازي، يتم العمل على تحديث قانون “غرف التجارة” بما يعزز دور الغرف في تنظيم الأسواق ودعم النشاط الاقتصادي، إلى جانب المراجعة الجارية لقانون “التجارة” بهدف مواءمته مع متطلبات السوق والمرحلة الاقتصادية الراهنة.
كما تشمل خطة التطوير التشريعي العمل تعديل قانون “حماية الملكية”، بالتزامن مع تحديث قانون “براءات الاختراع” ضمن رؤية أوسع لإصلاح البنية القانونية المرتبطة بالقطاع التجاري والاقتصادي.
“حماية المستهلك”: 500 عنصر لمراقبة الأسواق في سوريا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
