اخر الاخبار

سوريا ومؤتمر المانحين.. مشاركة حكومية نادرة ودعم مالي مشروط

أظهر الاتحاد الأوروبي، خلال مؤتمر المانحين لسوريا، الذي ينظمه للسنة التاسعة على التوالي في بروكسل، التزامه بتعزيز دعم دمشق، وإن ربط ذلك بـ”كل خطوة نحو التحول السياسي الشامل”، في ظل ارتياح أوروبي بشأن “إمكانية العمل مع سوريا”، حسبما عبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين.

ويأتي ذلك في ظل مشاركة الحكومة السورية الجديدة، ممثلة بوزير خارجيتها أسعد الشيباني، في المؤتمر، إذ عقد لقاءات عديدة مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي، وممثلي دوله الأعضاء، في مشاركة سوريّة رسمية هي الأولى في هذا المؤتمر السنوي، الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي منذ عام 2017، بعد أن غاب التمثيل الرسمي السوري عن جميع الدورات السابقة خلال فترة حكم الرئيس السابق بشار الأسد.

وفيما توقع دبلوماسي أوروبي رفيع لـ”الشرق”، إقدام الاتحاد على “خطوات سياسية واقتصادية إيجابية” تجاه سوريا في المستقبل، أعرب عن تفاؤله بأن يتم تعليق العقوبات على سوريا، في مطلع العام المقبل، في ظل استمرار بعض القيود، بينما حذر وزير الخارجية الإسباني مما وصفه بـ”خطوط حمراء” تتعلق بالأقليات وحقوق المرأة.

وقد أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، الاثنين، تعهدات دول الاتحاد وشركاءهم بتقديم 5.8 مليار يورو (6.3 مليار دولار) لدعم سوريا والدول المجاورة، في إشارة إلى الأردن ولبنان، اللذان يستضيفان أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين.

وقالت كالاس خلال مؤتمر صحافي، إن “الاتحاد الأوروبي وشركاؤه تعهدوا بتقديم 5.8 مليار يورو إلى سوريا وجيرانها. سيمثل هذا الدعم دفعة مهمة خلال مرحلة انتقالية حاسمة، سيسهم في تلبية الاحتياجات العاجلة على أرض الواقع”.

وفي كلمتها خلال المؤتمر، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي سيزيد تعهداته المالية إلى 2.5 مليار يورو خلال عامي 2025 و2026، داعيةً الدول المشاركة إلى “تكثيف الجهود”.

وأكدت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بتعزيز دعمه لسوريا مع “كل خطوة نحو التحول السياسي الشامل”، مضيفة: “اليوم، أصبح بإمكاننا أخيراً العمل مع سوريا”.

خطوط حمراء

ورداً على سؤال لـ”الشرق”، قال وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، إن الاتحاد الأوروبي لديه خطوط حمراء واضحة في التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، وأهمها “احترام حقوق الأقليات وحقوق المرأة”، مضيفاً: “أعتقد أن القضية الرئيسية لمستقبل سوريا تكمن في تحقيق السلام الشامل وضمان المساواة في الحقوق لكل مواطن سوري، بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الانتماء العرقي”.

ويأتي ذلك، بعد القلق التي أثارته المواجهات في مناطق الساحل السوري، وراح ضحيتها المئات.

ورغم أن بروكسل رفعت بعض القيود، بما في ذلك تلك المفروضة على الخطوط الجوية السورية، والاستثمارات في قطاعي الطاقة والبنية التحتية، لا يزال السوريون في أوروبا غير قادرين على إرسال الأموال إلى أقاربهم عبر القنوات المصرفية التقليدية بسبب العقوبات. ويقر مسؤولو الاتحاد الأوروبي بأن تخفيف العقوبات لم يُحدِث بعد تغييرات ملموسة على أرض الواقع.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إن خطوات الاتحاد الأوروبي “لم ترقَ إلى مستوى التوقعات”، داعياً إلى تقديم مزيد من الدعم والمساعدات.

وأضاف الشيباني: “هذه العقوبات فُرضت على النظام السابق، وبالتالي نحن نُعاقَب على شيء لم نقترفه”.

وأعرب سفير الاتحاد الأوروبي لدى سوريا، ميشيل أونماخت، في حديثه لـ”الشرق”، عن تفاؤله بشأن تعليق العقوبات على سوريا خلال شهري ديسمبر وفبراير المقبلين، مؤكداً أن هناك خطوات إضافية سيتم اتخاذها، كما أشارت إلى ذلك الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس.

وشدّد أونماخت على أن القرار الأوروبي “يعكس إجماع دول الكتلة الأوروبية”، وهو ما ظهر بوضوح خلال الشهرين الماضيين. وأضاف أنه لا توجد أي عوائق مستقبلية تمنع اتخاذ مزيد من الإجراءات، مؤكداً أن هناك خطوات سياسية واقتصادية إيجابية متوقعة في المستقبل القريب.

بدوره، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في رسالة إلى المؤتمر عبر الفيديو، المجتمع الدولي، إلى التحرك “بصورة عاجلة للاستثمار في مستقبل سوريا وتعافيها من خلال توسيع الدعم الإنساني، وإعادة النظر في أي تخفيضات للتمويل في هذا الوقت الحرج، ومعالجة العقوبات والقيود الأخرى”.

وشدد الأمين العام على “ضرورة دعم الجهود المبذولة لضمان انتقال سياسي منظم وشامل، إلى جانب إنشاء مؤسسات تخدم وتعكس جميع السوريين وتحميهم”، وشدد على أن مستقبل سوريا “أمر يحدده السوريون”، مؤكداً التزام الأمم المتحدة بـ”مساعدتهم في رحلتهم نحو مستقبل حر ومزدهر وسلمي”، معترفاً أن “الطريق إلى الأمام مليء بالتحديات”.

من جانبه، ​​قلّل الخبير في الشؤون الأوروبية، لورنزو كونسلي، من حالة التفاؤل المفرط بشأن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكداً أن رفع القيود عن القطاعين المصرفي والطاقة ليس نهائياً، إذ يرتبط ذلك بمستوى التسامح والانسجام المجتمعي. وأوضح أن أعمال العنف التي وقعت قبل أيام تعكس حالة التردد الأوروبي، مما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في قراراته المتعلقة برفع العقوبات.

“ضمانات تركية”

وأشار لورنزو، في تصريحات لـ”الشرق”، إلى أن الحسابات الجيوسياسية تلعب دوراً رئيسياً في اتخاذ أي قرار، خاصة في ظل ما وصفه بـ”ضمانات تركية” لاستقرار الوضع بدلاً من الاعتماد على روسيا، معتبراً أن “هذا الواقع يعزز النظرة الأوروبية إلى تركيا كشريك أكثر موثوقية في الشأن السوري، ما يمنح الحكومة السورية فرصة لتطبيع العلاقات مع الأوروبيين وتبادل المصالح بين الجانبين”. ويأمل الأوروبيون، خصوصاً في ألمانيا، في إعادة آلاف اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

وأضاف لورنزو، أن “التفاؤل لن يتحقق إلا إذا أظهرت الحكومة السورية، رغم تاريخها المعقد مع الحركات المتطرفة، جدية في التعامل مع الواقع الجديد والالتزام بالشروط الأوروبية، خاصة في ظل تراجع الدور الروسي في سوريا”.

ورغم أهمية التفاؤل، شدّد لورنزو، في تصريحاته لـ”الشرق”، على أنه “ليس مطلقاً”، إذ لا يمكن للأوروبيين تجاهل الأحداث الأخيرة في الساحل السوري. وأعرب عن مخاوفه من انزلاق الوضع نحو حرب أهلية، مما قد يدفع الأوروبيين إلى التراجع عن جميع تعهداتهم في نهاية المطاف.

وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية مشاركة في المؤتمر لـ”الشرق”، إن الاتحاد الأوروبي “ما زال يحاول معرفة نوايا واشنطن في ما يتعلق بدمشق”، إذ تركز الجهود الدبلوماسية لإدارة الرئيس دونالد ترمب إلى حد كبير على أوكرانيا وغزة حتى الآن. ولم تفصح الولايات المتحدة الكثير عن آرائها في المحادثات التي جرت في بروكسل.

وأسفر مؤتمر العام الماضي عن تعهدات بتقديم 7.5 مليار يورو (8.1 مليار دولار) في شكل منح وقروض، مع تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 2.12 مليار يورو في عامي 2024 و2025.

ووفق الاتحاد الأوروبي، فإن نحو 16.5 مليون شخص في سوريا، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، منهم 12.9 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية.

وتفاقم الدمار الناجم عن الحرب، بسبب الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى انخفاض قيمة الليرة السورية، ودفعت كل السكان تقريباً إلى ما دون خط الفقر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *