اخر الاخبار

سوريون يتطلعون لزيارة قبور “الشهداء” صبيحة العيد

– خالد الجرعتلي

اعتاد السوريون في بعض المحافظات زيارة قبور أقاربهم في أول أيام عيد الفطر، وهو ما حُرم منه معظمهم خلال سنوات مضت، بسبب اللجوء والنزوح، ووجود قبور أحبائهم في مناطق تخضع لسيطرة جهات مختلفة.

ومنذ 8 من كانون الأول 2024، عندما أُعلن عن سقوط النظام السوري، كانت قبور الأقارب من أولى الوجهات التي سلكها بعضهم، بينما يتطلع آخرون لزيارة مدافن أحبائهم في أول عيد فطر دون نظام الأسد.

يكرر واصل الناقوح الدعاء لابنه وشقيقه “الشهيدين” في معارك خاضتها فصائل المعارضة السورية ضد قوات النظام السوري المخلوع، خلال أوقات زمنية متفرقة، إذ حُرم من زيارة قبريهما لسنوات، إثر تغير شكل السيطرة في سوريا مع مرور الوقت.

يقيم واصل في مخيم “سراج” بمنطقة دير حسان القريبة من الحدود السورية- التركية، منذ عدة سنوات، وينحدر من قرية قبر فضة شمالي محافظة حماة، التي نزح منها مع عائلته عام 2014، بعد أن سيطرت قوات النظام على المنطقة حينها.

ويتطلع الرجل ذو الـ50 عامًا لعادة ألِفها قبل سنوات في زيارة قبور أفراد عائلته، وأشخاص يحبهم مع فجر أول يوم من عيد الفطر، إذ دفن شقيقه علاء في ريف حماة، حيث قضى بمعركة ضد قوات النظام السابق بالقرب من بلدة أبو دالي شمالي المحافظة، بينما دُفن ابنه حسين في قرية معارة ماتر بريف حلب، التي قتل بالقرب منها في مواجهات مع قوات النظام عام 2014.

“تحررت سوريا اليوم وصار بإمكاننا زيارة قبرَي علاء وحسين في حلب وحماة صبيحة يوم العيد، كما يمكننا نقل خيامنا إلى جانب منازلنا المدمرة، حيث أِلفنا العيد في قرية قبر فضة بمنطقة سهل الغاب”، وفق واصل.

طقوس مستمرة

رغم الاختلاف الديني حيال زيارة القبور في العالم الإسلامي، يعتبر سوريون هذه العادة امتدادًا لموروثهم الثقافي، وينظرون إلى ذلك باعتباره جزءًا من التواصل الروحي مع المتوفى، وفرصة ليتذكر الزائر أن الموت قادم مستقبلًا ويجب عليه “إصلاح عمله” قبل ذلك الوقت.

ترتبط زيارات السوريين عمومًا بوضع باقات من “الآس” على القبور بعد صلاة العيد، وتكتسي المقابر بالزي الأخضر، وتفوح من القبور رائحة “الآس”.

ويفضل بعض الأشخاص شراء “الآس” قبل يوم أو يومين، ويتوجهون بعد صلاة العيد إلى المقابر، بينما يفضل آخرون شراء “الآس” على أبواب المقابر، وبعد وضعه على القبور يدعون للميت، ويسقون القبور، مستذكرين اللحظات الجميلة التي جمعتهم بمن تحت التراب.

شعور مرتبط بـ”النصر”

ربطت هاجر أبازيد إتاحة زيارة قبور “الشهداء” من أفراد عائلتها في محافظة درعا جنوبي سوريا، بـ”الشعور بالنصر”، خصوصًا أنه لم يُتح لها ذلك سابقًا قبل سقوط النظام.

عادت هاجر مؤخرًا إلى محافظة درعا بعد زيارة أجرتها لقبر شقيقها، لحظات من التوتر وارتعاش الجسد عاشتها وهي تبحث عن قبر أخيها “الشهيد”، وفق تعبيرها، الذي قتل في بداية الثورة السورية بدرعا البلد، حيث انطلقت شرارة الثورة عام 2011.

“عندما وصلت إلى القبر انفجرت بالبكاء، شعرت بنشوة النصر أنه يمكنني زيارة هذا القبر، لكنني تمنيت لو أن أخي يحتفل معنا”، وفق هاجر.

واصل نظر لإتاحة زيارة قبرَي ابنه وشقيقه من الزاوية نفسها، إذ اعتبر أن إتاحة وصولة لمناطق دفنهما بعد غياب استمر لأكثر من عشر سنوات، يعود لأن “سوريا قد انتصرت”.

وكحال هاجر وواصل، عاش الملايين من السوريين في مناطق بعيدة عن مدنهم وقراهم الأصلية، فمنهم من ينحدر من أقصى الجنوب أو الشرق، حيث كانت تسيطر قوات النظام أو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ما يجعل من زيارة هذه المناطق أمرًا مستحيلًا خصوصًا بالنسبة للمقيمين في الشمال السوري.

ويوجد نحو ثلاثة ملايين نازح في الشمال السوري، من أصل أكثر من سبعة ملايين نازح في عموم سوريا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، بينما لجأ الملايين خارج سوريا، منهم خمسة ملايين في دول جوار سوريا، بدأ مئات الآلاف منهم بالعودة لمدنهم وقراهم بعد سقوط النظام، وفق إحصائيات الأمم المتحدة.

آخرون لا قبور لهم

على غرار ما حصل ضمن أولويات العائدين في زيارة قبور أفراد عائلاتهم صبيحة أول أيام عيد الفطر، يخطط آخرون لزيارة منطقة يظن أن فردًا من عائلته موجود فيها، نظرًا إلى أنه قتل في هذه المنطقة.

العديد من السوريين لا يعرفون مصير أبنائهم ممن اعتقلوا على يد مخابرات النظام، أو قتلوا خلال سنوات الحرب ولم يظهروا مجددًا أو حتى لم تظهر معلومات عنهم أو لم يعثر على جثامينهم.

في بلدة الحسينية الواقعة على ضفة نهر الفرات شرقي محافظة دير الزور، قتل محمود العلي أو “أبو عواد” كما أطلق عليه شقيقه خلال حديثه ل، إثر ضربة جوية استهدفت حافلة عسكرية كانت تقله مع أفراد آخرين من مقاتلي “الجيش السوري الحر” بالقرب من نهر الفرات، ولم تظهر أي آثار لجثته، وفق ما قاله شقيقه عمر العلي.

عمر أضاف ل أن لا قبر ليزوره صبيحة العيد، لكنه يستذكر شقيقه في أول عيد يحل على سوريا دون الأسد، وفي الوقت نفسه، يتمنى لو أن له قبرًا يزوره صبيحة عيد الفطر.

لا يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة لشقيق حازم الذي قتل بمعارك ضد قوات النظام بريف حماة الشرقي عام 2015، وسحبت قوات النظام حينها الجثة، ومثلت بها في شوارع بلدته عقيربات، ثم دفنتها في مكان مجهول.

حسين (شقيق حازم) قال ل، إن عائلته كانت تجبره مع إخوته الثلاثة على الخروج لزيارة قبر جده صبيحة العيد، وكانوا يتذمرون دائمًا، لكن سنوات مرت على فقدانهم لشقيقهم حازم، دون شاهدة قبر يزورونها.

وعلى الرغم من وجود قوانين سورية للحفاظ على المقابر، عمل النظام السوري وبشكل ممنهج على تدمير المقابر في المناطق التي سيطرت عليها قواته، بدءًا من جنوبي سوريا وحتى حلب.

وأظهر تسجيل مصوّر بثه ناشطون في موقع “إكس“، عام 2020، تدمير مجموعة من الجنود التابعين لقوات النظام مقابر في بلدة حيان بشمالي محافظة حلب.

ويظهر في التسجيل كسر الجنود شاهدة القبر وإزالتها، قبل أن يبدأ أحدهم بحفر القبر لنبش عظام الشخص المدفون فيه، بحسب ما يُسمع من حديث الأشخاص الظاهرين في التسجيل، انتقامًا لشخص يدعى “أبو كمال” على صلة بعناصر الجيش.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.


المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *