عاد الشغف الكروي بعد سقوط نظام الأسد إلى الجماهير السورية، بعد 14 سنة قضاها الجمهور السوري بعيدًا عن عالم الرياضة وتشجيع منتخب كان يصفه الكثير منهم بـ”منتخب البراميل”، بسبب ما اعتبروه تمثيل نظام يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة.

خلال بطولة كأس العرب المقامة في قطر، تابع مباريات المنتخب السوري الآلاف من الجماهير في الملعب والمقاهي، وشهدت الكثير من المدن احتفالات شعبية بتأهل المنتخب السوري إلى الدور الثاني من البطولة، نزل فيها الجمهور إلى الشوارع واحتفل بتأهل منتخبه الوطني، وفق ما رصدته.

تغير المزاج العام

يرتبط تغيّر المزاج السوري حول المنتخب الوطني لكرة القدم بتحوّل أوسع في نظرة السوريين إلى بلدهم ومستقبلهم، ولا يتعلق فقط بنتائج المنتخب أو أسماء لاعبيه، بحسب جماهير التقتهم تابعوا مباريات المنتخب مؤخرًا في بطولة كأس العرب.

يرى المحلل الرياضي هاني سكر، أن الارتباط المتزايد بالمنتخب اليوم نابع من شعور عام بأن سوريا تقف أمام فرصة جديدة للتطور، وأن الرياضة، بوصفها جزءًا حيًا من المجتمع، قادرة على لعب دور “القوة الناعمة” في استعادة صورة البلاد واسمها خارجيًا، وإثبات أن ما كان يُفرض في الماضي، سواء على مستوى الاحتراف أو النتائج، أصبح خلفنا.

أحمد الزعبي، المقيم في السعودية، يرى أن تبدّل القائمين على الاتحاد والفرق، وظهور وجوه لعبت في دول غربية أو عُرفت بمواقف معارضة سابقًا، إلى جانب الهتاف لسوريا الجديدة في الملاعب، أعاد تعريف المنتخب بوصفه ممثلًا للبلد لا امتدادًا للنظام “الساقط”.

أما رزان أبو رشيد، من دمشق، فتختصر المشهد بالقول، إن التشجيع اليوم مرتبط بالأمل، لأنه “حتى الرياضة تحررت مع البلد”.

بينما ترى هيا الهندي، المقيمة في السعودية، أن النفور السابق كان سببه شعور بأن المنتخب كان “يمثل مزرعة”، في حين تغيّر كل شيء، عندما عاد المنتخب ليعبّر عن الوطن، وترتفع أعلام سوريا الجديدة مع الجماهير.

من ألمانيا، تشرح هبة الجزائري كيف تحوّل موقفها من القطيعة إلى التشجيع، بعد غياب المحسوبيات وتراجع دور الأجهزة الأمنية في المشهد الرياضي، وفتح الباب أمام المواهب، بغض النظر عن خلفياتها، ليصبح المنتخب “منتخب الشعب”.

ويلتقي هذا الموقف مع رأي نبيل أحمد من حمص، الذي يقول إن عودته لمتابعة المنتخب بشغف لا تتعلق بتغيّر التشكيلة بقدر ما تتعلق بزوال الرموز التي كانت تثير الألم، من علم وصور وشخصيات، وأن شغف التشجيع عاد لأن شعور الانتماء للبلاد عاد أيضًا.

نهاية المحسوبيات وبداية الاحتراف

لم يعد الحديث عن المنتخب السوري اليوم ممكنًا من دون التوقف عند التحوّل الذي طرأ على آليات الاختيار والإدارة، بعد سنوات طغت فيها المحسوبيات والولاءات على حساب الموهبة.

هذا التحوّل، وفق ما يرى المحلل الرياضي هاني سكر، لا ينفصل عن تغيّر المزاج العام في البلاد، فقد بات الأمل بمستقبل مختلف حاضرًا، وانعكس مباشرة على الرياضة بوصفها جزءًا من النسيج الاجتماعي، فشعبية كرة القدم في سوريا كانت دائمًا مرتفعة، والمواهب موجودة، لكن المشكلة تاريخيًا كانت في سوء استثمارها، حين كان “صاحب الواسطة” يلعب وتُقصى الموهبة، ما دفع كثيرين إلى الابتعاد أو التوقف مبكرًا.

ومع تراجع دور الأجهزة الأمنية اليوم، وتبدّل القائمين على الرياضة، يرى سكر في حديثه إلى، أنه بدأ يتشكل انطباع عام بأن كرة القدم، والرياضة عمومًا، تتجه نحو نموذج مؤسسي أكثر احترافًا، يفتح الباب أمام اللاعبين الشبان داخل البلاد وخارجها.

هبة الجزائري، المقيمة في ألمانيا، تقول إن تشجيعها عاد بعد أن شعرت بأن الصوت بات للموهبة لا للواسطة، وبأن استقدام لاعبين سوريين من دول أوروبية يصوّر رغبة حقيقية في بناء منتخب رياضي لا واجهة سياسية.

ويتجاوز هذا التحول، بحسب المحلل الرياضي هاني سكر، الجانب الفني، ويمتد إلى آفاق أوسع تتعلق بتسويق المنتج الرياضي المحلي، سواء دوري كرة القدم أو دوري كرة السلة، وهناك حاليًا، وفق سكر، قنوات عربية مهتمة بنقل هذه البطولات، وبالمقابل سيتكفل لجمهور السوري بتوفير متابعة جيدة لها ويجعل هذا المنتج جذابًا أكثر للاستثمار، وبالتالي، ستساعد عائدات التسويق هذه في تحسين حال الأندية السورية ماديًا، كي تكون هناك فرصة لتطوير الرياضة المحلية.

ما خارطة طريق المنتخب السوري إلى نهائي كأس العرب

المصدر: عنب بلدي

شاركها.