اخر الاخبار

سوريون يستكشفون بلدهم بعد غياب

– مجد الويّو

بعد سنوات طويلة من الحرب واللجوء، بدأ بعض السوريين بالعودة لزيارة بلدهم، ليس بالضرورة بهدف الاستقرار الدائم، بل لاكتشاف وطن غابوا عنه لسنوات.

هذا الوطن تغيرت ملامحه بفعل ما عمل عليه نظام الأسد قبل سقوطه، على مدى 13 عامًا، ورغم ذلك، ظل حيًا في قلوبهم وذكرياتهم، بحسب ما قاله بعضهم ل.

منهم من غادر صغيرًا، ومنهم من ظن أن الرحيل كان وداعًا أخيرًا، لكن سقوط النظام فتح أمامهم نافذة جديدة من الأمل لتحقيق حلم العودة، ولو بشكل زيارة أولية.

رامي عساف، محامٍ من دير الزور، لم يكن يتوقع أن يزور سوريا مرة أخرى بعد مغادرتها، لكنه اليوم يسير في شوارعها بعد غياب طويل.

وصف رامي مشاعره، في حديث ل، بالقول، “منذ اللحظة الأولى التي غادرت فيها، كنت قد حسمت أمري بأني لن أعود إلا بعد سقوط النظام”.

كان آخر ما رآه رامي في دير الزور مجزرة “الحرس الجمهوري” في 25 من أيلول 2012، وقال، “شاهدت بعيني ما فعلوه هناك، لذلك كان من المستحيل بالنسبة لي أن أعود إلى مكان تحت سيطرة النظام”.

“اللقاء الأول”

يمثل اللقاء الأول مع الوطن بعد سنوات من الغياب لحظة مختلفة في تجربة السوريين العائدين.

وغالبًا ما تكون لدى العائدين تصورات مسبقة عن البلاد، تشكلت عبر الأخبار التي تابعوها طيلة سنوات الغربة، وروايات أقاربهم الذين بقوا هناك، بالإضافة إلى الصور والذكريات التي احتفظوا بها في ذاكرتهم.

لجين مراد، شابة سورية غادرت بلادها في سن صغيرة بعد اندلاع الثورة وعملت صحفية سورية في تركيا، وعادت لزيارتها بعد أكثر من عقد.

طوال فترة عمل لجين في تركيا تابعت أخبار سوريا عن كثب لكن عن بعد، وغطت العديد من الأحداث، كما سمعت من أقاربها وزملائها الذين بقوا هناك عن تفاصيل الحياة اليومية في ظل الحرب.

“طوال السنوات الماضية، كنت أواسي نفسي بفكرة أن البلد لم يعد يشبه الصور المحفورة في ذاكرتي، كنت أدرك أنني إذا عدت يومًا، فلن أجد سوريا التي غادرتها”، قالت لجين ل.

وأضافت، “عندما سنحت لي الفرصة لزيارتها بعد سقوط النظام، كنت أعلم أنني سأعود إلى وطن منهك، وفعلًا هو كذلك”.

عامر شرف الدين، شاب من حمص غادر سوريا في أواخر عام 2015 إلى تركيا، وسارع إلى زيارة بلده بعد سقوط النظام أيضًا، قال ل، إنه مر خلال زيارته بمناطق جديدة كالغوطة الشرقية، وكان حجم الدمار “هائلًا”، وكأنها سوّيت بالأرض.

الدمار في الغوطة كان أول مشهد استقبل به عامر سوريا فور دخوله إليها، وفي حين شعر “باكتئاب حقيقي” في تلك اللحظة، تغيّرت مشاعره جزئيًا عندما وصل إلى حمص والتقى بعائلته.

ومن جانبه، شعر رامي أن التغير لم يقتصر على الأبنية والمنشآت، بل امتد ليشمل الناس أنفسهم، “كل شيء تغير في سوريا، الحجر والبشر متغيرون، والسوريون عانوا كثيرًا”، بحسب تعبيره.

وأضاف، “هناك فجوة زمنية وتقنية ونفسية وحتى معرفية، معظم الناس أصبحت حياتهم تدور حول تأمين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والغاز والخبز”.

الدمار من كل جانب

تشكل مشاهد الدمار في سوريا، اليوم، الجانب الأقسى في واقعها، وهي الظاهرة المسيطرة على المشهد العام في البلاد.

ورغم الانتشار الواسع للصور والتسجيلات المصورة التي توثق حجم الخراب الناتج عن قصف قوات النظام المخلوع، فإن معايشة ذلك على أرض الواقع تحمل تجربة مختلفة تمامًا.

وصفت لجين شعورها “بحرقة القلب”، إثر مشاهدتها لحجم الدمار، “وضعت نفسي في مكان كل الناس الذين ضاعت ذكرياتهم وحياتهم تحت الركام، وفي لحظة فقدوا كل شيء، وأصبح حلمهم سقفًا يؤويهم”.

ولا يقتصر الدمار في سوريا على منطقة معيّنة بل يمتد ليشمل العديد من المدن والمناطق التي مر بها الزائرون.

قال عامر شرف الدين، إن “الدمار حجمه كبير، ليس في مدينتي فقط، ولكن في العديد من المناطق التي مررت بها في رحلتي من الأردن إلى حمص”.

وبينما يواجه السوريون هذا الواقع المؤلم، يبقى الأمل في إعادة بناء وطنهم حلمًا يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، وبحسب ما عبرت عنه لجين، “شعرت بمدى حاجة البلد إلى وقت طويل لكي يعود كما نحلم”.

“واقع بحاجة للأمل”

رغم الدمار الكبير الذي تشهده سوريا، توجد محاولات فردية لتلافي هذا الخراب، بالإضافة إلى بعض المبادرات المحلية التي تهدف إلى تحسين واقع المدن، كخطوات أولية لرحلة التعافي.
وأوضح عامر أن “الناس يعملون، وبعضهم بدؤوا بإعادة بناء بيوتهم بجهود فردية، وخصوصًا بعد التحرير”.

ورغم كل الظروف الصعبة، عبر الشاب عن أمله بـ”أن تتحسن الأوضاع مع مرور الأيام”.

وفي زيارته إلى مدينة إدلب، أشار عامر إلى بعض الجوانب الإيجابية التي لاحظها، فـ”هناك اهتمام ببناء المنشآت والمرافق، بالإضافة إلى معامل متطورة، تشكل بها إدلب نموذجًا جميلًا، يمنح السوريين الأمل في إعادة بناء سوريا”.

من جانبها، تعتبر لجين أن الدمار في سوريا لا يمكن إرجاعه فقط إلى سنوات ما بعد 2011، بل ترى أن النظام أسهم في تدمير الإنسان قبل أن تدمر الحرب البنية التحتية. وأضافت أن “النظام منذ ما قبل 2011 عمل كل ما في وسعه لتدمير الناس من الداخل، لكن بعد الحرب أصبح الدمار أكثر وضوحًا”.

ولا تخفي لجين لحظات اليأس التي قد تنتابها أحيانًا، لكنها لا تزال متمسكة بالأمل، قائلة، “في بعض اللحظات هذا الواقع يجعلني أشعر باليأس، ولكنني أعود وأقول إنه على الأقل لدينا فرصة لبدء إصلاح أنفسنا وإصلاح البلد”.

ويتحدث المحامي رامي عساف، ابن دير الزور، عن الجهود الجارية في سوريا، مشيرًا إلى أن الأوضاع تحسنت مقارنة بالسنوات السابقة، لكنه يرى أن التحسن بطيء، خصوصًا في قطاع الخدمات.

“خلال السنوات العشر الماضية، لم أكن في سوريا، لكنني أسمع من الناس وأقارن بين ما يروونه عن الماضي وما أراه اليوم، بناء على ذلك، أستطيع القول إن الوضع أفضل، لكنه يتحسن ببطء”، أضاف رامي.

هل تفتح الزيارة باب الاستقرار

يمكن للزيارات القصيرة التي يقوم بها السوريون إلى بلدهم أن تساعدهم على اتخاذ قرار العودة والاستقرار.

لجين مراد، التي غادرت سوريا في سن صغيرة، قالت عن مسألة الاستقرار إنها لا تستطيع أن تقرر، “لدي انتماء للبلد ولأماكنه، لكن في كثير من اللحظات، أشعر أنني غريبة، وفي النهاية، أنا في مكان ومجتمع غبت عنه لمدة 15 سنة، ومن الصعب أن أعود وأشعر بالانتماء المطلق تجاهه”.

أما بالنسبة لعامر شرف الدين، الذي كان يرفض فكرة العودة إلى سوريا قبل زيارته، فقال، “قبل أن أزور سوريا، كنت أقول لنفسي إنني لن أعود للاستقرار فيها أبدًا، ولكن بعد زيارتي لسوريا، شعرت بالحنين للاستقرار هناك، وأنا الآن أفكر بشكل جدي بالعودة إذا كان الوضع مناسبًا لي”.

وتوضح تجربة عامر، كيف أن الزيارة القصيرة قد تكون خطوة أولى في اتخاذ القرار النهائي بشأن العودة، وتساهم في إعادة تقييم الواقع.

أما رامي عساف، فيؤكد ارتباطه بوطنه رغم كل شيء، مشددًا على أهمية الصبر والعمل من أجل إعادة البناء، معبرًا، “شعوري تجاه وطني لم يتغير، هذا وطننا، وعلينا أن نصبر ونعمل على إعماره”.

ومنذ عام 2011، أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على مغادرة بيوتهم قسرًا بسبب الحرب.

وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لا يزال أكثر من 7.4 مليون سوري نازح داخليًا، بينما يعيش حوالي 5.5 مليون لاجئ سوري في الدول المجاورة لسوريا في تركيا ولبنان والأردن والعراق، إضافة إلى مصر.

كما يعيش أكثر من 850 ألف سوري في ألمانيا، التي تعد أكبر دولة مضيفة للاجئين في أوروبا.

ومع سقوط النظام، بدأ الكثير من السوريين يخططون للعودة إلى بلدهم والاستقرار فيه.

ووفقًا لأحدث إحصائيات المفوضية، عاد أكثر من 200 ألف سوري إلى سوريا منذ 8 من كانون الأول 2024.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *