سوريون يواجهون عقبات نفسية وسلوكية في مجتمعاتهم المضيفة
– يامن المغربي
غادر مئات الآلاف من السوريين وطنهم نتيجة العمليات العسكرية، أو الخوف من الاعتقال، وآخرون لأسباب اقتصادية واجتماعية، وصل بعضهم إلى أوروبا، وآخرون استقروا في دول الجوار المحيطة بسوريا.
ورغم محاولات الاستقرار الدائمة وما تتطلبه من اندماج قد يصل لتغيير سلوكيات أو عادات وتقاليد وثقافة نشأ عليها جيل واسع من السوريين، فإن هذه الخطوات لا تبدو بالسهولة الممكنة أو البسيطة، وهو ما يشكل عبئًا على المغادرين لأوطان جديدة، بين الاحتفاظ بسلوكهم وثقافتهم وتقبل الآخر والمجتمع الجديد، في ظل تصاعد الصراع بين الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة الرافضة للاجئين، وأخرى تروج لأفكار وثقافة مختلفة كليًا وربما يعد الحديث عنها من المحرمات.
بين هذا وذاك، يجد السوري نفسه مضطرًا لاندماج مشروط، مع الاحتفاظ بمجموعة من القناعات والسلوك الاجتماعي، وهو ما يشكل بالنهاية عبئًا وثقلًا على كاهل من غادر وطنه مكرهًا باحثًا عن الأمان.
ولا يرتبط السلوك بالعادات والتقاليد فقط، أو الأفكار العقائدية والدينية، بل يمتد ليشمل حتى السلوك الاستهلاكي والروتين اليومي، الذي يرتبط بدوره بعوامل نفسية أيضًا.
اندماج مشروط وقبول الآخر
يتعرض اللاجئون الواصلون حديثًا إلى بلاد جديدة لما يعرف بـ”الصدمة الحضارية” أو “الثقافية”، وهي ليست المتعلقة بفارق حضاري أقل أو أعلى بين مجتمعين، بل تتعلق بمجموعة من السلوكيات تصدر من اللاجئ، وتتمحور حول الارتباك والتوتر وسرعة الغضب والارتياب، ويعد هذا الأمر طبيعيًا، وفق ما يشير إليه “برنامج التوجيه الثقافي الأسترالي” (تعد أستراليا أحد أكبر بلاد الهجرة)، خاصة أن اللاجئ يصل ومعه سلوكه وأسلوب حياته وشخصيته وهويته كذلك.
ومع مرور الزمن وعدم التأقلم، أو الاندماج، يجد اللاجئ نفسه محتفظًا بمجموعة من السلوكيات التي قد تعرقل شكل حياته الجديد، حتى لو طال الزمن، سواء كان في أستراليا أو إحدى الدول الأوروبية أو حتى تركيا.
وترى راما (21 عامًا)، وهي جامعية تقيم في تركيا منذ نحو 11 عامًا، في حديث ل، أن الاندماج لا يقتصر على سلوكيات أو ثقافة اعتادها المرء، فهي تشارك في نشاطات جامعية، وطقوس الاحتفال بالأعياد والمناسبات والأكل، لكن الأمر يتطلب قبولًا من الطرف الآخر.
وما لمسته الشابة هو وجود ما وصفته بـ”حاجز مخفي أو رادع” من قبل معظم الطالبات، فهن يتكلمن معها، لكن لا تشعر أن لديهن الرغبة بأن يكن من أصدقائها، وليس لديهن القدرة على تقبل الاختلاف.
وذكرت الشابة المتقنة للغة التركية، والحاصلة على الجنسية أيضًا، أنها حاولت في كثير من المرات تكوين صداقات مع فتيات تركيات من دفعتها في الجامعة، وتبادر لعمل مواقف جيدة حتى يتقبلنها أكثر كونها الأجنبية الوحيدة في دفعتها، لكن هذا الحاجز لا يزال موجودًا.
أما الشابة السورية هديل المقيمة في ولاية سيواس حيث تدرس، فقالت ل، إن الحديث باللغة العربية في مطعم أو في مكان عام عرّضها للعنصرية، رغم أن صوتها كان منخفضًا، وصوت الأغاني كان مرتفعًا أكثر.
تتقن هديل اللغة التركية، ولا تعتبر أن الحديث باللغة العربية مع صديقة سورية سلوك يحتاج إلى تغيير لتعزيز الاندماج.
مسؤولية الحكومات أم اللاجئين
وفق “برنامج التوجيه الثقافي الأسترالي”، فإن “الصدمة الثقافية أو الحضارية” هي رد فعل طبيعي لتغيير كبير في حياة الإنسان، وتقسم لأربع مراحل.
الأولى ما يطلق عليه اصطلاحًا “شهر العسل” والنظرة تجاه ما هو جديد ومثير للاهتمام، ثم “الصدمة” حين يشعر الإنسان بأن كل شيء غريب ومربك، ثم المرحلة الثالثة وهي “التكيّف” مع أسلوب الحياة الجديد، والرابعة هي “الإتقان” وفيها يتحسن اللاجئ بالقيام بالأشياء وفق الطرق الجديدة.
وقد يشعر الإنسان بخيبة الأمل أو الإحباط والحرج والخوف والغضب والإحساس بالذنب والحزن، والشوق لحياته القديمة مع مواجهة صعوبة بالنوم والشعور بالإرهاق.
تدفع هذه الصدمة اللاجئ للاحتفاظ بسلوكيات معينة اكتسبها من مجتمعه السابق ومحيطه الضيق، ترتبط بالعادات والتقاليد وغيرها.
وفق الباحث الاجتماعي صفوان موشلي، في حديث ل، يتعلق الأمر أيضًا بالفارق بين البيئتين، القديمة والجديدة، ضمن تفاصيل تتعلق بالنظرة للحياة والعادات والتقاليد والثقافة والمنظومة الأخلاقية بما في ذلك مفاهيم الصح والخطأ والحلال والحرام، كل ذلك يتغير عند الانتقال من بلد لآخر.
وأضاف أن هناك مشكلة لدى الطرف المضيف، مع انتشار العنصرية في الوقت الحالي والتي تفجرت مع بزوغ الدولة القومية الحديثة، لأن الدول الحديثة لا تقبل إلا أن تكون كل السلطات بيدها، الدينية والمجتمعية والسياسية والثقافية، لذا نشأت منظمات المجتمع المدني التي تحاول أن تحد من حصول الحكومات على هذه السلطات.
فهناك بعض الحكومات لا تعترف بالمهاجر، وتستمر بالنظر إليه كأجنبي لا كمواطن محتمل، ومن هنا تنشأ عمليات السلوك المختلف الذي يصل لحد التطرف أحيانًا.
وهناك جزء آخر يتعلق بالظروف الشخصية للاجئ، سواء بما يتعلق بالاندماج أو تعلم اللغة، فالدورات التي تنظمها الدول الأوروبية لدفع اللاجئ إلى تخطي الصورة النمطية المسبقة، يتعاطى فيها اللاجئ مع المشكلات بنفس الطريقة التي تعاطى بها سابقًا، والتي قد تختلف كليًا بين المكانين، بحسب موشلي.
ووفق “المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية” الأمريكي، تعد الهجرة ظاهرة مهمة في تطور المجتمعات البشرية، وعنصرًا لا غنى عنه ولا مفر منه ويحمل فوائد اقتصادية واجتماعية.
وبقدر ما تحمل الهجرة من بلد لآخر هذه الأهمية، إلا أن لها تأثيراتها كذلك، ووفق الموقع الرسمي لـ”المفوضية الأوروبية“، فإن المهاجرين واللاجئين يواجهون تغييرات عديدة لدى انتقالهم من بلدهم الأصلي إلى موطن جديد.
موشلي أوضح في حديثه ل، أن كلًا من الطرفين، الحكومة المستضيفة واللاجئين، يتحملان مسؤولية معينة، فعلى الجهة المستضيفة تفهم احتياجات اللاجئ وثقافته، ومساعدته على تخطي العقبات ضمن خطوات واضحة ومحددة، ومنها دورات الاندماج، واللاجئ نفسه عبر إبداء مرونة لفهم الآخر وطبيعة الثقافة المختلفة، وبأن لا يكون صاحب شخصية متصلبة مثل ما يتعلق بالتربية الصارمة قيميًا والرافضة لكل شيء، والمتمسكة فقط بما اكتسبته من عادات وسلوكيات من محيط محدد أو مرحلة عمرية معينة.
والبلاد المعرضة للاضطراب والشدة والأزمات الاجتماعية، يتبع سكانها سلوكًا استهلاكيًا مفرطًا، مخافة ما قد يحدث، حتى لو كانت الظروف طبيعية ولا توجد مشكلات أو أزمات قد تتفجر، الأسواق العامرة قد تفرغ بمجرد أن يشعر الإنسان بالقلق أو الخوف.
وتابع موشلي أن الارتياح النفسي يؤثر على سلامة اللاجئ الصحية وعلى أدائه العلمي.
ويوجد خمسة ملايين و11 ألفًا و833 سوريًا خارج سوريا، يعيش معظمهم في دول جوار سوريا (تركيا، العراق، الأردن، لبنان) ومصر، وفق أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وضمن دول الاتحاد الأوروبي، يوجد أكثر من مليون طالب لجوء سوري، 59% منهم موجودون في ألمانيا و11% في السويد، فيما يوجد في النمسا واليونان وهولندا وفرنسا نسبة تتراوح بين 2 و5%، وفق أرقام الأمم المتحدة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي