تواجه أبل صعوبات في تقديم تحديثات لمساعدها الصوتي المُدعّم بالذكاء الاصطناعي على هواتف “آيفون”، مع تفاؤل المستثمرين بإمكانية الإعلان عن تقنيات الذكاء الاصطناعي الرئيسية في حدثها السنوي المقرر الأسبوع المقبل.
وصرّح موظفون غادروا الشركة مؤخراً لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، أن عملاق وادي السيليكون، واجه تحديات في تحديث “سيري” باستخدام نماذج لغوية كبيرة متطورة قادرة على تقديم استجابات أكثر تطوراً للأوامر الصوتية.
وتسعى أبل جاهدةً لبناء نموذج لغوي (LLM) خاص بها، بالاعتماد على تقنية التعلم الآلي التي تُشغّل “سيري” حالياً، وهو منتج يُستخدم بالفعل في مئات الملايين من أجهزتها الأكثر مبيعاً، بهدف إنشاء مساعد محادثة حقيقي.
وصرح مسؤولون تنفيذيون سابقون، بأن عملية دمج التقنيات أدت إلى ظهور أخطاء برمجية، وهي مشكلة لم تواجهها شركات منافسة مثل OpenAI التي طورت مساعدات صوتية توليدية قائمة على الذكاء الاصطناعي من الصفر.
وتُشكّل تحديثات “سيري” جزءاً أساسياً من Apple Intelligence، وهي مجموعة من ميزات الذكاء الاصطناعي أُعلن عنها في مؤتمر المطورين العالمي للشركة العام الماضي، وتهدف إلى تعزيز مبيعات الأجهزة.
فشل متكرر
وأفادت صحيفة “فاينانشيال تايمز” هذا الأسبوع، أن محاولة أبل طرح ميزات الذكاء الاصطناعي في الصين، المدعومة بنماذج من إنتاج “علي بابا”، لقيت رفضاً من الجهات التنظيمية في بكين. وقد خضعت الصفقات الحساسة في البلاد، التي تشمل شركات التكنولوجيا الأميركية، لتدقيق أشدّ رداً على الحرب التجارية التي شنّها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وأدّى الفشل المتكرر في إصدار ميزات Apple Intelligence التي أُعلن عنها بالفعل، إلى انخفاض التوقعات بشأن مؤتمر المطورين العالمي لهذا العام، الذي سينطلق الأسبوع المقبل.
وأثّرت تحديات الذكاء الاصطناعي على سهم عملاق التكنولوجيا. فقد كان الأسوأ أداءً بين أسهم التكنولوجيا السبعة الرائدة في عام 2025، حيث انخفض بنحو 18% منذ بداية العام، وأقل من مؤشر ناسداك، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، والذي ظلّ مستقراً إلى حد كبير.
كما أدت رسوم ترمب الجمركية، والتهديدات التنافسية مع الصين، والضغوط القانونية على أعمال خدمات أبل ذات هامش الربح المرتفع، إلى مخاوف بين المستثمرين بشأن نموها على المدى الطويل.
وفي صميم مشكلات الذكاء الاصطناعي التي تواجهها أبل، يأتي “سيري”، مساعدها الصوتي، والذي يُعتبر حاسماً لإطلاق قدرات “المساعدة الصوتية” على أجهزة “آيفون” وأجهزة أبل الأخرى.
وعندما أُطلق نموذج ChatGPT في أواخر عام 2022، كانت طريقة تفاعل الشركات مع المحادثات تتغير بسرعة، وكان من الواضح أن “سيري” لم تكن على المستوى المطلوب، وفق ما قاله موظف كبير سابق في أبل عمل على هذه التقنية قبل إطلاقها لـ”فاينانشيال تايمز”.
وأضاف المصدر، أنهم “فوجئوا” برؤية ميزات أُعلن عنها العام الماضي، والتي “لن تُطرح” في الوقت المناسب للإصدار الأولي لـ Apple Intelligence.
“معيار الجودة” يعرقل التطوير
إلى جانب تشغيل نماذج أكبر وأقوى بكثير، أطلقت شركات مثل OpenAI وجوجل وPerplexity مساعدين صوتيين يُنظر إليهم على نطاق واسع على أنهم أذكى من مساعد أبل.
وكان ردّ شركة أبل هو تركيز مؤتمر المطورين السنوي العام الماضي على جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث لمّحت إلى مساعد مُحسّن بالذكاء الاصطناعي قادر على قراءة شاشة المستخدم، والاستفادة من معلوماته السياقية، واتخاذ إجراءات داخل تطبيقاته.
وقد طُرحت بالفعل مجموعة من ميزات الذكاء الاصطناعي، مثل أدوات الكتابة، وتوليد الصور والرموز التعبيرية، والبحث القائم على الكاميرا، في السوق.
ومع ذلك، لم تطلق التغييرات المُعلنة على “سيري” بعد. وأقرّ الرئيس التنفيذي تيم كوك مؤخراً بأن التكنولوجيا المتوفرة لم تلبِّ “معيار الجودة العالية” للشركة، وأنها “استغرقت وقتاً أطول مما كنا نعتقد”.
وأدت التأخيرات إلى سحب شركة أبل إعلانات تلفزيونية تُظهر نجمة فيلم “ذا لاست أوف أس” The Last Of Us، بيلا رامزي، والتي روجت لتحديث “سيري” الجديد. وتعرّضت الشركة لعدد من دعاوى الإعلانات الكاذبة من المستهلكين.
وكتب محللو “بنك أوف أميركا”، الاثنين الماضي، أن التأخيرات الحالية في “سيري” تعني أن أبل على بُعد ثلاث سنوات أو أكثر من تقديم “مساعد ذكاء اصطناعي حديث بحق، بعد فترة طويلة من دمج جوجل وشركات أخرى لهذه التقنية”.
منافسة شرسة
وأدت هذه الإخفاقات إلى تغييرات في شركة أبل. فقد شهد جون جياناندريا، خبير الذكاء الاصطناعي الذي تم استقطابه من جوجل في عام 2018، إبعاد قسم منتجات “سيري” من نطاق اختصاصه في وقت سابق من العام الجاري، ونقله إلى مايك روكويل، المدير التنفيذي للنظارة الذكية Vision Pro.
وقال مسؤول تنفيذي سابق في شركة أبل لـ”فاينانشيال تايمز”، إن تشتت فرق القيادة أدى إلى غياب استراتيجية موحدة للذكاء الاصطناعي، وتفاقم الوضع بسبب عدم رغبة كبار المسؤولين التنفيذيين في البداية في تخصيص ميزانية كبيرة كافية لتطوير هذه التقنية.
ومن التحديات الأخرى التي تواجه أبل، تركيزها على خصوصية المستخدم وأمانه. فقد أعطت الأولوية لتشغيل ميزات الذكاء الاصطناعي من خلال نماذج أصغر حجماً، مع بقاء بيانات المستخدم على الجهاز، وهو ما قال موظفون سابقون إنه يزيد من تعقيد التحدي.
ويتناقض هذا مع النماذج اللغوية الأكبر حجماً، مثل تلك التي تُشغّل ChatGPT من OpenAI، والتي تعمل عبر السحابة على خوادم قوية. وقد اعتمدت أبل على OpenAI من خلال إطلاق تكامل ChatGPT مع Siri.
ومنذ ذلك الحين، أعلنت OpenAI طموحاتها الخاصة في مجال الأجهزة، حيث أعلن الرئيس التنفيذي سام ألتمان عن صفقة بقيمة 6.5 مليار دولار للاستحواذ على IO، الشركة التي أسسها مصمم أبل السابق جوني إيف، والذي سيُطوّر الآن منتجات لمنافس محتمل. وقد انخفضت أسهم أبل بنحو 2% بعد هذا الخبر.