اخر الاخبار

“شام كاش”.. محاذير تقنية وإيجابيات غير مكتملة

جنى العيسى | مارينا مرهج

منتصف نيسان الماضي، قررت وزارة المالية السورية إيداع كل رواتب العاملين في القطاع العام عبر تطبيق “شام كاش”، على أن يتم اعتماده كوسيله رسمية لصرف الرواتب، اعتبارًا من مطلع أيار الحالي.

التعميم الصادر عن وزير المالية، محمد يسر برنية، كان موجهًا إلى جميع محاسبي الإدارة في الجهات العامة ذات الطابع الإداري، والمديرين الماليين في الجهات ذات الطابع الاقتصادي، يطلب فيه إصدار أوامر الصرف الخاصة برواتب وأجور وتعويضات العاملين، وإيداعها في حساب “شام كاش” المفتوح لدى مصرف سوريا المركزي.

أوامر الصرف الواجب رفعها يجب أن تكون مرفقة بملف “إكسل” يتضمن الاسم الكامل للعامل، ورقم الحساب، والمبلغ الصافي، وفق النموذج المعتمد، وفق ما ذكره التعميم.

الاعتماد على تطبيق “شام كاش” كوسيلة لصرف الرواتب أثار العديد من المخاوف بين السوريين، فالتطبيق لا وجود له على متجر التطبيقات، ويمكن تحميله للهواتف عبر رابط خارجي، كما فتح التعميم باب التساؤلات حول سبب توجه الوزارة لهذه الخطوة، وآثارها.

لتسهيل الصرف

بعدما أحدث قرار حصر تسليم الرواتب بحسابات لدى تطبيق “شام كاش”، بررت وزارة المالية قرارها بعدة مبررات منها تسهيل عملية صرف الرواتب.

معاون وزير المالية لشؤون الموازنة والسياسية المالية، صالح العبد، قال بدوره، إن الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية رفعت القوائم التي تتضمن حسابات “شام كاش” للموظفين بعد أن قدم العاملون بيانات حساباتهم إلى المديرين الفرعيين في مؤسساتهم.

فيما ستصرف رواتب الأشخاص الذين لم يتمكنوا من فتح حساب على “شام كاش” أو تنزيل التطبيق لأسباب مثل كبر السن أو عدم امتلاك هواتف ذكية، أو عدم إلمام باستخدام التطبيقات، مباشرة عبر محاسبي الإدارة في الجهات التي يعملون بها، بعد تحويل قيمة الرواتب من حسابات “شام كاش” إلى محاسبي الإدارة المعنيين، وفق تصريح معاون الوزير.

صالح العبد قال إن قرار وزارة المالية هذا يأتي في سياق تسريع عملية الدفع الإلكتروني وتعزيز مبدأ الشفافية وتسهيل صرف المستحقات المالية للعاملين في القطاع العام، وفق قوله.

بحاجة إلى تطوير

الخبير بالأمن الرقمي يحيى صبيح، قال ل، إن الفحوص التقنية لم تكشف عن وجود برمجيات خبيثة أو سلوكيات مريبة داخل التطبيق، إلا أن غياب خطوة التحقق الثنائي  (Two-Factor Authentication)  عند إرسال الأموال يشكل نقطة ضعف، خاصة إذا تم الوصول إلى حساب شخصي نتيجة تسريب بيانات الدخول، ومن الأفضل أن يتضمن التطبيق آلية تحقق متعددة الطبقات لضمان أمن العمليات المالية، خصوصًا في ظل البيئة التقنية غير المستقرة حاليًا داخل سوريا.

وبالرغم من أن التطبيق يطلب معلومات كثيرة لإنشاء الحساب، ولذلك يقوم القائمون عليه بإجراء تحديثات دورية لمحاولة زيادة حماية بيانات المستخدمين، فإن هذا لا يغني عن أهمية وجود هناك بنية قانونية وتقنية لحماية البيانات، مثل استخدام بروتوكولات تشفير متقدمة (مثل HTTPS وTLS )، وتخزين البيانات الحساسة بطريقة مشفّرة، ومن الأفضل أن يوضح التطبيق سياسة الخصوصية الخاصة به، بما يشمل ما يتم جمعه من بيانات، ولأي غرض، ومن يحق له الوصول إليها.

ووفق صبيح، فإن الأذون التي يطلبها التطبيق حاليًا، لا تبدو مفرطة أو إجبارية، ومن الأفضل أن يقدم التطبيق تفسيرًا واضحًا لكل إذن يطلبه، وسبب الحاجة إليه، وأيضًا من الجيد إضافة خيار “عدم السماح” للأذون غير الأساسية، مع ضمان استمرار التطبيق بالعمل، مما يعزز الشفافية ويحد من المخاوف المتعلقة بانتهاك الخصوصية.

وبرر صبيح أن السبب الرئيس وراء غياب وجود تطبيق “شام كاش” في المتاجر الرسمية، هو العقوبات المفروضة على سوريا، خاصة أنه تطبيق مالي، ما يعني أنه سيكون خاضعًا لرقابة شديدة من قبل “آبل” و”جوجل”، إذ إن المتاجر التابعة لها تفرض متطلبات أمان صارمة، وامتثال قانوني وتقني أيضًا، مثل سياسة حماية البيانات، والإفصاح عن طريقة جمع ومعالجة المعلومات، وهو ما قد يفتقر إليه التطبيق حاليًا.

إضافة إلى العقوبات، قد يكون السبب أيضًا عدم استيفاء التطبيق لمتطلبات ومتطلبات الأمان الصارمة التي تفرضها المتاجر الرسمية، فإدراج التطبيق في هذه المتاجر لا يتطلب فقط الامتثال القانوني، بل التقني أيضًا، مثل سياسة حماية البيانات، والإفصاح عن طريقة جمع ومعالجة المعلومات، وهو ما قد يفتقر إليه التطبيق حاليًا.

نصائح للمستخدمين

قدم الخبير بالأمن الرقمي يحيى صبيح بعض النصائح التي يمكن تقديمها للمستخدمين قبل إنشاء حساب على التطبيق تتمثل بما يلي:

  • من الأفضل سحب الأموال بشكل مباشر، وأيضًا عدم السماح لأي شخص بمعرفة معلومات تسجيل الدخول.
  • عدم استخدام كلمة مرور واحدة لأكثر من حساب.
  • تفعيل ميزة القفل “البيومتري” للهاتف والتطبيق إن وُجدت.
  • مراقبة استهلاك البطارية والبيانات، فقد يشير الاستهلاك العالي إلى نشاط غير معتاد.
  • إيقاف صلاحية الوصول إلى الكاميرا بعد استخدام ميزة “QR”.
  • عدم تحميل التطبيق أو تحديثه إلا من الموقع الرسمي المعلن فقط.
  • مراقبة إشعارات التطبيق وتجنب النقر على أي روابط يتم إرسالها عبره.
  • استخدم برامج حماية من التجسس ومراقبة الشبكة لتقليل المخاطر.

جيد نقديًا

حول هدف الحكومة من حصر دفع الرواتب وتحويل أموال رواتب القطاع العام عبر تطبيق “شام كاش” قال الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب” الدكتور محمد الغريب، ل، إن الهدف من ذلك هو التحول من التعامل النقدي التقليدي إلى التعاملات النقدية الإلكترونية.

أما عن اختيار تطبيق “شام كاش” تحديدًا للتحويل فيعود السبب إلى ثقة الحكومة بهذا التطبيق نتيجه استخدامه الفعال في مدينة إدلب، ولكن الغريب يرى أنه كان من الأفضل الاعتماد على تطبيق “شام” إلى جانب عدة تطبيقات إلكترونية لتحويل رواتب القطاع العام، فعلى سبيل المثال عدة بنوك خاصة تمتلك تطبيقات “موبايل بنكي” حديثة وبمزايا أمنية كبيرة، وكان من الممكن إجراء جزء من التحويلات عبر تطبيقات البنوك والجزء الآخر عبر تطبيق “شام كاش”.

الدكتور محمد الغريب أكد أن القرار يضمن الانتقال إلى التعاملات الإلكترونية بشكل أكبر، وفي أغلب دول العالم يجري الاعتماد على التعاملات النقدية الإلكترونية أكثر من الاعتماد على التعامل بالنقود الملموسة.

من فوائد هذه الطريقة تقليل الكتلة النقدية الموجودة، فالتطبيق يضم متاجر وبائعين متعاقدين بحيث يمكن للمستخدم الشراء من خلال التطبيق أو دفع الفواتير دون استخدام النقود، لكن حاليًا أغلب المتاجر المتعاقدة مع التطبيق موجودة في محافظة إدلب، ولكن بالتأكيد سيتعاقد عدد كبير من المتاجر في مختلف المحافظات السورية مع تطبيق “شام كاش”، وستكون لديهم نقاط بيع POS”” للشراء من خلال التطبيق، وعلى هذا الأساس فالمواطنون ليسوا بحاجة لحمل النقود والتعامل بها بل تجري عمليات الشراء بشكل إلكتروني.

سيقلل هذا من حجم الكتلة النقدية من الليرة السورية وبالتالي يقلل من عمليات المضاربة على الليرة السورية وهذا ما يساعد في استقرار سعر الصرف. ويبقى هذا أحد العوامل، فهناك عوامل كثيرة تتدخل في تحديد سعر الصرف.

كما يسهل اعتماد التطبيق التعاملات وتخفيض الجهد في حمل النقود، ولا سيما أن القدرة الشرائية لليرة السورية منخفضة والمواطن يحتاج إلى كميات كبيرة من النقود الورقية للقيام بعمليات الشراء اليومية، وهذا أيضًا سيوفر الحماية للمواطنين من أخطار سرقة النقود في حال وجودها بشكل ملموس، وفق رأي الدكتور محمد الغريب.

من ناحية أخرى، فإن التحول إلى التعاملات الرقمية يسهم في تحقيق الشمول المالي، الذي يعني إتاحة استخدام الخدمات المالية من قبل جميع الفئات في المجتمع، وبالتأكيد فإن استخدام التطبيقات الإلكترونية لدفع الفواتير توفر الوصول لخدمات كثيرة لجميع المواطنين مثل خدمات دفع الفواتير والشراء، بالإضافة إلى عمليات التحويل المالي وغيرها من الخدمات المالية.

سلبيات أخرى

حصر تسليم الرواتب بشكل نقدي عبر شركتي “الهرم” و”الفؤاد” تحديدًا له سلبيات كثيرة، وفق الدكتور في الاقتصاد محمد الغريب، وتحديدًا الازدحام الكبير الذي سيكون على مكاتب هاتين الشركتين لتسلّم الرواتب بشكل نقدي من قبل الموظفين، حيث ستكون هناك طوابير طويلة تضم مئات آلاف الموظفين للحصول على رواتبهم بشكل نقدي، وهذا قد يفتح باب السمسرة من قبل بعض الأشخاص لتسريع الدور أو الحصول على المبالغ النقدية دون دور، وهذا يتطلب فرض رقابة من قبل الحكومة والمصرف المركزي على هاتين الشركتين، بحيث يكون هناك مراقبون حكوميون على جميع مكاتب هاتين الشركتين لضمان العدالة في عملية الحصول على النقد عبر دور عادل للمواطنين.

وذكر الدكتور محمد الغريب سلبية أخرى تتمثل بارتفاع قيمة العمولة على السحب النقدي للراتب وقد تم تحديدها بنسبة خمسة بالألف، وهذه النسبة ليست قليلة فالموظف الذي يكون راتبه 500 ألف ليرة سيدفع مبلغ 2500 ليرة عمولة لقاء تسلم راتبه بشكل نقدي، معتبرًا أنه من الأفضل تخفيض نسبة العمولة.

تعد ثقافة التعاملات البنكية في سوريا “شبه غائبة”، بسبب القوانين المفروضة منها تحديد سقف سحب يومي محدد من جهة، وتدهور قيمة الليرة من جهة أخرى، ما يعني خسارة قيمة المال في حال الاحتفاظ به في البنوك مع استمرار انخفاض قيمة الليرة.

كما تعتبر بعض التعاملات الإلكترونية في هذا السياق غير متاحة، نتيجة لغياب البنية التحتية والبرمجية، وسط مشكلات شبه يومية يعانيها المقيمون في سوريا تتعلق بضعف وصول الكهرباء والإنترنت.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *