اخر الاخبار

  شباب من “جيل الحرب” يتحدثون عن تصدع الانتماء وصعوبة الاندماج 

– بيسان خلف

“نشأتُ في ظل أوضاع متوترة، لا أذكر من طفولتي سوى التهجير من منطقة إلى أخرى هربًا من الصراعات”، قال محمد عمران، وهو طالب في السنة الثانية بقسم إدارة الأعمال، ل.

أضاف محمد، “سوريا بالنسبة لي هي كابوس يسرق كل أحلامي، بالطبع لا أكره بلادي، ولكنها لا تقدم لي أبسط مقومات الحياة، لا أدري الآن إن كانت ستصبح مكانًا آمنًا للأحلام”.

محمد الذي لا يعرف سوريا التي يتحدث عنها والده، يكتفي بالقول، إنها لا تشكل في ذاكرته إلا مظاهر “دمار وموت وأزمات”.

الجيل الذي عايش الحرب السورية، وخاصة من ولدوا خلال العقدين الماضيين، تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة، لم تتسنَّ لهم رؤية سوريا التي يتحدث عنها آباؤهم، فكل ما عايشوه هو أصوات الرصاص، ومشاهد الدم والقتل، ورعب التهجير.

ووفقًا لتقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عام 2020، ولد حوالي 4.8 مليون طفل في سوريا منذ بداية النزاع، وولد مليون طفل سوري لاجئ في دول الجوار، إذ لا يزال الأطفال يواجهون العواقب المدمرة للحرب.

لا مستقبل واضح

لا تختلف وجهة نظر راما السعيد مع ما قاله محمد، وهي التي تنتظر امتحان الثانوية العامة حتى تبحث عن فرصة للدراسة في الخارج.

قالت الفتاة، “لا مستقبل واضح في هذه البلاد، هناك فوارق من الناحية الاجتماعية والتعليمية والثقافية بيننا وبين أبناء جيلنا في الخارج”، لهذا السبب تريد الهجرة بحثًا عن مستقبل يواكب متطلبات العصر.

وأضافت، “بالطبع سوريا بلادي التي أحب، ولكنها لا تحبني”، متسائلة عن المستقبل بعد سقوط نظام الأسد، فلا مجال لتكرار الألم، “ولا يمكن تجاوزه بسهولة”، بحسب تعبيرها، إذ فقدت راما والدها جراء قصف نظام الأسد مدينة معضمية الشام، عام 2015.

جيل المخيمات

على مدار الثورة السورية، نشأ جيل لم يعرف عن سوريا سوى خيمة اللجوء في مخيمات داخل وخارج البلاد.

علي الزكي العلي، عاش طفولته وشبابه في مخيم “الهلال” بريف حلب، وشهد ظروفًا صعبة حرمته من التعليم، لكنه ما زال يؤمن بأن القادم لسوريا أجمل.

“عشنا ظروفًا صعبة وانحرمنا الكثير، نأمل أن يتحسن الواقع”، قال علي الذي تعرض لإصابة في قدمه إثر انفجار لغم أرضي في تل رفعت.

ويعاني الشباب الذي ولد وعاش في مخيمات شمالي سوريا من انعدام فرص التعليم، إذ يوجد حوالي 930 مخيمًا للنازحين السوريين لا مراكز تعليمية فيها، وأكثر من 190 ألف طالب لا يتلقون التعليم وفق فريق “منسقو استجابة سوريا”.

صعوبة اندماج

كثير من أبناء الألفية الجديدة أو ممن ولدوا في الخارج لا يعرفون عن سوريا سوى ما ينقل لهم عبر حكايات الأهل، وهو حال صبيحة عثمان التي قالت، “لا أعرف ما هي سوريا، لقد سمعت عنها من والديّ”.

غادرت عائلة صبيحة مدينة حمص إلى كندا، عندما كانت في الـ13 من عمرها، وعندما عادت مع أسرتها بعد سقوط النظام، كان “كل شيء غريبًا” بالنسبة لها.

وتتحدث عن طريقة العيش وانعدام الخدمات، ويتجاوز الأمر هذا إلى حد قولها، “تعرضت للتنمر بسبب لغتي العربية الركيكة، لم أستطع الاندماج مع المجتمع في سوريا”.

فقد وخوف وضياع هوية

الشباب الذين عاشوا طفولتهم في ظل الحرب، لم يُمنحوا حق النمو الطبيعي، بل تشربوا الخوف والفقد في مراحل مبكرة من حياتهم، وهو ما انعكس على تشكيل هويتهم النفسية والاجتماعية، وعلى خياراتهم في الحياة، بحسب ما قالته الاختصاصية الاجتماعية هبة عرنوس، ل.

أضافت عرنوس أن أحد أكبر التحديات التي يواجهها هذا الجيل هو الشعور العميق بالاغتراب، سواء داخل الوطن أو خارجه.

وتابعت أن المجتمع السوري ذاته تعرض لتفكك اجتماعي كبير بسبب النزوح واللجوء، وانقسمت الأسر، وتغيرت الهويات المحلية، وتبددت الثقة بالمؤسسات.

وكل هذا أوجد شعورًا عامًا بانعدام الانتماء، إذ يشعر كثير من الشباب أنهم بلا مرجعية ثقافية ثابتة، أو وطن يحتضنهم حقًا.

أما من ولدوا أو نشؤوا في دول اللجوء، فهم يواجهون ازدواجية الهوية، وتحديات الاندماج، ما يفاقم لديهم الإحساس بالضياع واللايقين.

“ما نحتاج إليه اليوم ليس إصدار الأحكام على هذا الجيل، بل احتضانه وفهمه، جيل الحرب ليس جيلًا ضائعًا، بل هو جيل مُثقل، ينتظر من يمد له يد الدعم والرعاية النفسية والاجتماعية. يجب الاستثمار في هذا الجيل، عبر برامج الدعم النفسي، وإعادة دمجه مجتمعيًا”، بحسب عرنوس.

 حلول عملية ممكنة

وفقًا للاختصاصية الاجتماعية هبة عرنوس، فإن خطوات يمكن تبنيها لمعالجة مشكلات الشباب النفسية المتعلقة بالاندماج أو الشعور السلبي تجاه بلدهم أو أقرانهم، منها:

  • خلق مساحات حوار آمنة ومفتوحة، وتنظيم ورشات أو لقاءات (افتراضية أو فيزيائية) بين الجيل الذي عاش في ظل الحرب والمخيمات، والجيل الذي نشأ في دول اللجوء لمشاركة القصص والتجارب، دون حكم، ويفضل أن تكون هذه الورشات بإشراف أشخاص حياديين مدركين للخلفيات المختلفة.
  • مشاريع فنية أو ثقافية مشتركة، مثل إنتاج أفلام قصيرة أو مسرحيات أو “بودكاست” أو كتب تدمج القصص من الجانبين، فالفن وسيلة قوية لبناء تعاطف وفهم مشترك.
  • أنشطة تطوعية أو اجتماعية عبر مبادرات تطوعية تحاكي اهتمامات الشباب من حيث الاهتمامات (بيئية، تعليمية، مجتمعية)، هذه الأنشطة تكسر الحواجز وتعزز الشعور بالانتماء لمجتمع واحد.
  • تعزيز مفهوم الهوية المركبة بدلًا من محاولة توحيد الهوية، يتم الاعتراف بشرعيتها كهوية متعددة سورية، مهاجرة، دمشقية…
  • برامج دعم نفسي وتفريغ عاطفي خاصة للجيل الذي عاش تجارب قاسية في اللجوء، ويمكن أن يشعر بالعزلة أو الرفض من الداخل السوري.
  • إشراك قادة الرأي لأن الناس يتبعون من يثقون بهم، وإذا أظهر القادة أو المؤثرون تقبّلًا، فهو ينعكس على الناس، ويجب اختيار شباب مؤثرين من الشباب الذين بقوا في الداخل أو عاشوا في المخيمات أو بلاد اللجوء، وتدريبهم على مهارات الوساطة الثقافية، ودعمهم ليكونوا جسور تواصل ضمن مجتمعاتهم.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *