شباب ينخرطون مع زوجاتهم بأعمال المنزل
– خالد الجرعتلي
يعتقد راكان أن الأعمال المنزلية حالة تشاركية في المنزل، رغم أنه كان يملك نظرة مختلفة قبل سنوات من سفره إلى كردستان العراق، وإقامته فيها بعيدًا عن عائلته، مجبرًا على تحمل مسؤوليته الكاملة.
اعتاد الشاب العشريني إعداد الطعام، حتى إنه صار يشكّل حالة ممتعة بالنسبة له، رغم أن وقته لا يسمح له بذلك بشكل يومي، إذ يعمل لستة أيام في الأسبوع، ما يقلل من دخوله المطبخ، باستثناء يوم واحد هو عطلته الأسبوعية.
وفي الأيام العادية، يفضّل غسل الأطباق بعد الانتهاء من تناول الطعام في حال كانت زوجته هي من طهت الوجبة، وتكون الحالة معكوسة في حال أعد هو الطعام.
التشاركية في أعمال المنزل، منها المطبخ، لدى العائلات بدت رائجة بين عائلات سورية تعيش في الخارج، رغم الجدل التقليدي السائد حول مهام المرأة والرجل في الأسرة.
وتميل شابات وشبان متزوجون، قابلتهم، لإنجاز أعمالهم المنزلية بطريقة تشاركية، وهو ما أملته الظروف عليهم، نتيجة اعتيادهم هذا النمط قبل الزواج في دول اللجوء.
جدلية المرأة والمطبخ
لا تنحصر النظرة النمطية حول اعتبار مهام الطبخ وأعمال المنزل من مسؤولية المرأة لا الرجل في المجتمع السوري، أو حتى بالمجتمعات الشرقية، إنما لا تزال جدلية المرأة والرجل والمطبخ محل طرح حتى في المجتمعات الغربية، ولا تزال الدراسات والأبحاث تتناولها سنويًا.
في عام 2013، عملت مجموعة من الباحثين من جامعتي “غرناطة” و”جاجيلونيان” الإسبانيتين على إيضاح خلفيات اعتماد مفهوم “المطبخ للمرأة” في إسبانيا، معتمدين على أمثلة من دول متفرقة في أوروبا وأمريكا.
وبناء على تجارب مرّ عليها البحث، خلص إلى أن نظرة بعض الرجال إلى بعض النساء على أن مكانهن الطبيعي هو المطبخ، نابعة من “اعتقاد التفوق لديهم”.
التجارب أشارت إلى أن النظرة النمطية تجاه “المرأة والمطبخ” تظهر مبكرًا لدى الذكور، بدءًا من عمر السنتين في بعض الأحيان، وتصف هذه القوالب النمطية المشتركة ثقافيًا سمات أو خصائص محددة للنساء، مثل تقديم الرعاية أو الحساسية أو العاطفة، وللرجال خصائص أخرى مثل الديناميكية والعقلانية والكفاءة، وفق البحث.
ويعتقد الدكتور في علم الاجتماع صفوان قسام، أن النظرة النمطية إلى المرأة هي موروث أكثر من كونها اعتقادًا، إذ كانت المرأة في فترات سابقة من التاريخ أكثر قيمة من الرجل، أو أعلى مرتبة، وهي ما يطلق عليها “المرحلة الأمومية”، لكن الوضع تحول لاحقًا ليعطي سيادة للرجل على المرأة.
وأضاف ل أن المجتمع الشرقي يميل لكونه “مجتمعًا أبويًا”، وهو ما وصفه به أيضًا المفكر الفلسطيني هشام شرابي في كتابه “مقدمات لدراسة المجتمع العربي”، ويقصد به المجتمع الذي يمنح فيه السيادة للرجل بما يتناسب مع مفهوم القبيلة.
مهام منتقاة
لا تقتصر الأعمال المنزلية على صناعة الطعام أو غسل الصحون، وتمتد لأعمال ترتبط بالرجال في كثير من الأحيان، مثل أعمال فك وتركيب الستائر، التي تكون مثبتة عادة بسقف المنزل، وتتطلب جهدًا بدنيًا لفكها.
طارق، شاب سوري يبلغ من العمر 31 عامًا يقيم في تركيا، يميل لإعداد الطعام، مثل الوجبات الغربية، لكنه يمتعض من واجب تركيب الستائر، وقال ل، إنه لا يمانع فك الستائر، ويكره تركيبها، ما يجبر زوجته دانا على إعادة تركيبها بعد مرور عدة أيام من ملاحقتها له، ووصولها إلى حالة اليأس من أن يساعدها في الأمر.
دانا قالت ل، إن لدى زوجها مشكلة بتركيب الستائر، لكنه ينخرط بمساعدتها في واجبات أخرى، مثل تنظيف الصحون لوضعها في آلة الجلي، وهو ما وصفته بـ”المهمة السهلة”.
ولفتت دانا إلى أن زوجها يتولى مهمة تنظيف النوافذ من الخارج، باعتباره لا يفضّل أن تخرج زوجته من النوافذ الواقعة على أطراف بناء مرتفع.
تشاركية مكتسبة
من خلال بحث صغير عبر محرك “جوجل” باستخدام جملة “مساعدة الرجل للمرأة في المطبخ”، باللغة العربية، ستظهر العشرات من النتائج حول فتاوى دينية لتحليل أو تحريم عمل الرجل في المطبخ، إلى جانب العشرات من المواد الصحفية التي تتحدث أن دخول الرجل للمطبخ لن ينقص من رجولته.
وتغيب الأبحاث والأعمال الأكاديمية حول هذا المفهوم في المجتمعات العربية، على عكس ما هو متوفر عند مجتمعات أخرى، ويظهر هذا خلال البحث بلغات أخرى على رأسها الإنجليزية.
قصور النشاط التوعوي أو الأبحاث الأكاديمية حول تنميط مهمة المرأة على أنها سيدة المطبخ أو اعتبار أن هذا المكان في المنزل لا يخص الرجل لم يشكّل عقبة بالنسبة لعلاء المتزوج منذ ثلاث سنوات، إذ يصرّ على مشاركة زوجته في الأعمال المنزلية.
زوجة علاء، التي رُزقت بطفل حديثًا، توشك على إنهاء فترة الأمومة، وفق القانون الألماني حيث تقيم، إذ لا عمل تمارسه اليوم، لكن علاء قال إنه يدعمها في الأعمال المنزلية، إذ يعد الطعام في كثير من الأحيان، ويصنع الحلويات في أوقات متفرقة، بعد انتهاء ساعات عمله الثماني.
بالنسبة للشاب الذي ينحدر من محافظة حماة، لم تكن مساعدته لزوجته من مبدأ كسر النظرة النمطية، إنما هو ما اعتاده خلال السنوات الماضية، وفق ما قاله ل.
وأقام علاء بمفرده لنحو خمس سنوات، كان مجبرًا خلالها على تحمل مسؤولية كل ما هو متعلق به، وتابع حياته على هذا النحو حتى بعد الزواج، مشيرًا إلى أنه قد يبحث عن راحته على حساب زوجته في بعض الأحيان، لكن من حيث المبدأ يفضّل أن ينجز مهامه بنفسه.
أما باسل المقيم مع زوجته ليندا في بلغاريا، فقال ل، إنه يميل لمساعدة زوجته بمعظم الأعمال المنزلية في حال كان وقت عمله يسمح بذلك.
رزق الزوجان بطفل منذ نحو شهرين، ويعمل باسل لساعات طويلة يوميًا في أوقات غير ثابتة، ما يترك علاقته بالأعمال المنزلية غير مستقرة، لكنه لا يتجاهل مهام مساعدة زوجته على استحمام طفلهما، وقد يترك أي مهمة أخرى في يده لإنجازها.
باسل وراكان وعلاء، قالوا إن مشاركة الأعمال المنزلية صارت حالة اعتادوها منذ فترة العزوبية، فهم يعيشون بعيدًا عن عائلاتهم منذ سنوات.
الدكتور في علم الاجتماع صفوان قسام، قلل من أهمية غربة السوريين لاكتساب عادات تشاركية في المنزل، إذ اعتبر أنها ليست حالة جديدة، فلطالما كان اعتماد الشبان على أنفسهم موجودًا خلال الخدمة العسكرية الإلزامية، وكذلك خلال الدراسة الجامعية، إذ قد يكون لهذا أثر إيجابي، لكنه قد يكون سلبيًا أيضًا، فعند وجود نوع من الفوضوية لدى شاب ما، سيرفض التفاهم مع شخص يحاول تنظيم هذه الحالة الفوضوية في المنزل (زوجته).
توعية دون أثر
ينظر الدكتور صفوان قسام إلى حملات التوعية فيما يتعلق بقضايا التشاركية في المنزل على أنها موجودة في المجتمع السوري، لكن فاعليتها غائبة، خصوصًا مع الأساليب الخاطئة المستخدمة في إطارها.
وقال قسام ل، إن الأدوات المستخدمة من قبل مجتمع النسويات والمجتمع المدني بشكل عام هي أدوات صدامية مع المجتمع، وهو ما يسفر عن رفضها في نهاية المطاف.
وأضاف ل أن الجهات الهادفة للتوعية تتبع مدارس متطرفة لا تتناسب مع المجتمع السوري، وبالتالي يصعب إيصال الهدف منها.
ولفت قسام إلى أن مجتمعاتنا قد تكون محافظة بعض الشيء، ما يدفعها لإطلاق حكم على التيارات النسوية، وهو ما حصل فعلًا، ما يجعل من حملة التوعية صعبة الوصول إلى هدفها.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي