وصفت أوكرانيا الهجوم الذي نفذته بطائرات مسيرة على قواعد جوية في العمق الروسي، بأنه أحد أكثر العمليات تعقيداً وجرأة منذ بدء الحرب، خصوصاً وأنه نُفذ على بعد آلاف الكيلومترات من جبهات القتال.
العملية التي حملت اسم “شبكة العنكبوت”، مثّلت تحولاً في قدرات كييف الهجومية، إذ زعمت أنها استهدفت أكثر من 40 قاذفة، أي حوالي ثلث أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية، التي “تضررت أو دمرت” في هجوم الأحد، من بينها قاذفات استراتيجية قادرة على حمل صواريخ نووية.
فيما تقول موسكو إن الهجوم تسبّب في اشتعال نيران في عدد من الطائرات في قاعدتين بإقليم إيركوتسك في سيبيريا ومقاطعة مورمانسك في الشمال، وأكّدت أن الحرائق أُخمدت.
التخطيط لـ”شبكة العنكبوت”
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن عملية “شبكة العنكبوت” تطلبت تخطيطاً على مدى عام ونصف، تم تنفيذها انطلاقاً من مكتب بجوار مقر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB).
وتضمنت العملية تهريب عشرات الطائرات المسيّرة الصغيرة من نوع FPV، والتي تبث مجال رؤيتها للمشغِّل في الوقت الفعلي، ما يتيح له التحكم بها كما لو كان على متنها،
وتم تهريب هذه المسيرات إلى الداخل الروسي، بعد تزويدها بمتفجرات. وفي وقت لاحق، خُبئت المسيرات داخل بيوت خشبية كانت تجرها شاحنات.
وقال مصدر أمني أوكراني لوكالة “أسوشيتد برس”، إن هذه الشاحنات انتقلت إلى مواقعها قبل أن يتم فتح الأسطح عن بعد، وتوجيه الطائرات لضرب الأهداف الروسية.
وأظهرت لقطات تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، الطائرات المسيرة وهي تنطلق، بينما كانت بعض الألواح ملقاة على الأرض، فيما يحاول بعض الأشخاص إيقاف الطائرات المسيرة ومنعها من الطيران.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها اعتقلت عدداً من المتورطين في الهجوم على القواعد الجوية، مشيرة إلى أن الطائرات المسيرة تم إطلاقها من أراض قريبة من المطارات المستهدفة.
استخدام 117 طائرة مُسيّرة
واستهدفت عملية “شبكة العنكبوت” منطقة إيركوتسك، التي تبعد أكثر من 4300 كيلومتر عن أوكرانيا، وهو أول هجوم من نوعه حتى الآن في منطقة على هذه المسافة التي تتجاوز مدى الطائرات المسيرة الهجومية بعيدة المدى، أو الصواريخ الباليستية، ولهذا كان على كييف تقريب الطائرات المسيرة بما يكفي من الهدف.
وفي خطابه المسائي، قال زيلينسكي إنه تم استخدام 117 طائرة مُسيّرة في العملية. وأشار إلى أنها نُفّذت من مكتب بجوار مقر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB).
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مصدر أمني أوكراني قوله إن الطائرات المُسيّرة أصابت 41 طائرةً مُتمركزةً في مطارات عسكرية، بما في ذلك طائرات من طراز A-50 وTu-95 وTu-22M.
وسبق أن استخدمت موسكو قاذفات Tu-95 وTu-22 بعيدة المدى لإطلاق صواريخ على أوكرانيا، بينما تُستخدم طائرات A-50 لتنسيق الأهداف وكشف الدفاعات الجوية والصواريخ المُوجّهة.
وأضاف مصدر دفاعي أوكراني أن الولايات المتحدة لم تتلق إخطاراً قبل الهجوم.
ما أهداف العملية؟
شمل الهجوم قاعدة بيلايا في إيركوتسك، على بُعد حوالي 4500 كيلومتر (2800 ميل) من حدود أوكرانيا مع روسيا، وقاعدة دياجيليفو في ريازان غرب روسيا، على بُعد حوالي 520 كيلومتراً (320 ميلاً) من أوكرانيا، وهي مركز تدريب لقوة القاذفات الاستراتيجية الروسية.
ووفقاً للمصادر الأوكرانية، قُصفت أيضاً قاعدة أولينيا بالقرب من مورمانسك في الدائرة القطبية الشمالية، على بُعد أكثر من 2000 كيلومتر (1200 ميل) من أوكرانيا، بالإضافة إلى قاعدة إيفانوفو الجوية، على بُعد أكثر من 800 كيلومتر (500 ميل) من أوكرانيا. وتُعدّ إيفانوفو قاعدة لطائرات النقل العسكرية الروسية.
وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن أوكرانيا استهدفت مطارات روسية في خمس مناطق، الأحد، واصفةً ضربات الطائرات المسيرة بـ”الهجمات الإرهابية”.
وأوضحت الوزارة الروسية أنه تم صد الهجمات في مناطق إيفانوفو وريازان وآمور، لكن “عدة قطع من الطائرات” اشتعلت فيها النيران بعد هجمات في منطقتي مورمانسك وإيركوتسك. وأضافت أنه تم إخماد الحرائق منذ ذلك الحين.
قدرات القاذفات الروسية
شبه بعض المدونين العسكريين الروس الهجوم “المفاجئ” بالهجوم الياباني على قاعدة بيرل هاربور الأميركية عام 1941 في خضم الحرب العالمية الثانية، فيما رفض آخرون هذا التشبيه، بحجة أن الضرر الفعلي كان أقل بكثير مما ادعته أوكرانيا، وفق ما أوردت “أسوشيتد برس”.
لعقود من الزمن، كانت القاذفات بعيدة المدى جزءاً من الثالوث النووي السوفيتي والروسي، الذي يشمل أيضاً صواريخ باليستية عابرة للقارات تُطلق من البر، وغواصات تعمل بالطاقة النووية تحمل صواريخ باليستية عابرة للقارات. وقامت القاذفات الاستراتيجية بدوريات منتظمة حول العالم لاستعراض قوة موسكو النووية.
وقاذفة “Tu-95″، التي أطلق عليها الناتو اسم “بير” (الدب)، هي طائرة ذات أربعة محركات توربينية صُممت في الخمسينيات لمنافسة القاذفة الأميركية B-52. وتتمتع الطائرة بمدى عابر للقارات وتحمل ثمانية صواريخ مجنحة بعيدة المدى يمكن تزويدها برؤوس حربية تقليدية أو نووية.
قبل هجوم الأحد، كان يُقدر أن روسيا تمتلك أسطولاً يضم حوالي 60 طائرة من هذا النوع.
أما قاذفة “Tu-22 M،” فهي أسرع من الصوت ,ذات محركين، صُممت في السبعينيات، ومداها أقصر مقارنة بطائرة Tu-95، ولكن خلال محادثات تحديد الأسلحة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في السبعينيات، أصرت واشنطن على اعتبارها جزءاً من الترسانة النووية الاستراتيجية السوفيتية، بسبب قدرتها على الوصول إلى الولايات المتحدة إذا تم تزويدها بالوقود في الجو.
النسخة الأحدث من الطائرة، Tu-22 M3، تحمل صواريخ كروز من طراز Kh-22 التي تطير بسرعة تزيد عن ثلاثة أضعاف سرعة الصوت. يعود تاريخها إلى السبعينيات، عندما صممها الاتحاد السوفيتي لإمكانية استهداف حاملات الطائرات الأميركية. وتتمتع بقوة تدميرية كبيرة، بفضل سرعتها الفائقة.
كان يُقدر أن روسيا لديها ما بين 50 و 60 طائرة من طراز Tu-22 M3 في الخدمة قبل هجوم الطائرات المسيرة، الأحد.
تمتلك روسيا أيضاً نوعاً آخر من القاذفات الاستراتيجية ذات القدرة النووية، وهي طائرة Tu-160 الأسرع من الصوت. يوجد أقل من 20 طائرة منها في الخدمة، وبدأت روسيا لتوها في إنتاج نسختها المحدثة المجهزة بمحركات وإلكترونيات طيران جديدة.
طائرة A-50، التي قال مسؤولون أوكرانيون إنها أصيبت أيضاً في الضربات، هي طائرة إنذار مبكر تشبه طائرات أواكس الأميركية المستخدمة لتنسيق الهجمات الجوية. لا يوجد سوى عدد قليل من هذه الطائرات في الخدمة مع الجيش الروسي، وأي خسارة فيها تلحق ضرراً بالغاً بالقدرة العسكرية الروسية.
وقالت أوكرانيا إن 41 طائرة، من طراز “Tu-95″ و”Tu-22 M” و”A-50″، تضررت أو دمرت في هجوم الأحد.