ضرب زلزال قوي شبه جزيرة كامتشاتكا أقصى شرق روسيا، الأربعاء، محدثاً أمواج مد عاتية (تسونامي)، وصل ارتفاعها إلى 5 أمتار، ما دفع إلى إصدار تحذيرات في العديد من الدول المطلة على المحيط الهادئ.
تقع شبه جزيرة كامتشاتكا في الشرق الأقصى الروسي، حيث يحدها بحر أوخوتسك من الغرب والمحيط الهادئ وبحر بيرينج من الشرق، وتقع فوق منطقة “حزام النار” في المحيط الهادئ، وهي منطقة نشطة جيولوجيا ومعرضة للزلازل الكبرى، والانفجارات البركانية.
وتمتد من الشمال إلى الجنوب بطول نحو 750 ميلاً (ما يعادل 1200 كيلومتر)، ويبلغ عرضها عند أوسع نقطة نحو 300 ميل (480 كيلومتراً)، بينما تقدر مساحتها بنحو 140 ألف ميل مربع (370 ألف كيلومتر مربع)، وفق الموسوعة البريطانية Britannica.
تخترق شبه الجزيرة سلسلتان جبليتان، هما: “سريديني” (الوسطى)، و”فوستوشني” (الشرقية)، وتصلان إلى ارتفاع 15584 قدماً (4750 متراً) عند بركان كليوتشيفسكايا.
ويمتد وادٍ بين السلسلتين الجبليتين، يشغله في معظمه نهر كامتشاتكا، وتضم شبه الجزيرة 127 بركاناً، لا يزال 22 منها نشطاً، إلى جانب عدد من الينابيع الساخنة.
شبه جزيرة كامتشاتكا.. أنهار ومستنقعات واسعة
وتشكل السهول الساحلية الغربية لشبه جزيرة كامتشاتكا أرضاً منخفضة تتقاطع فيها العديد من الأنهار وتغطيها مستنقعات واسعة، في حين يتألف الساحل الشرقي من خلجان عريضة وأشباه جزر جبلية شديدة الانحدار.
وتعمل محطة صغيرة لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية بواسطة البخار الجوفي بالقرب من الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة.
وتشهد كامتشاتكا مناخاً قاسياً، يتمثل في شتاء طويل بارد تغلب عليه الثلوج، وصيف رطب وبارد.
ويعد صيد الأسماك، ولا سيما سرطان البحر (السلطعون)، النشاط الاقتصادي الأهم في المنطقة، إذ تتركز حول السواحل، أما الزراعة فهي محدودة، وتقتصر على تربية بعض الأبقار وحيوانات الرنة.
ويُعد المركز الرئيسي في شبه جزيرة كامتشاتكا هو مدينة وميناء بيتروبافلوفسك-كامتشاتسكي، الواقع على الساحل الجنوبي الشرقي للمنطقة، ويشكل الروس غالبية السكان، إلى جانب جماعات من السكان الأصليين، مثل الكورياك، والتشوكشي، والكامتشادال.
“ألاسكا الروسية”
تُعد كامتشاتكا واحدة من أكثر المناطق البرية نقاءً على وجه الأرض، وتحمل لقب “ألاسكا الروسية”، حيث تتمتع بمناظر طبيعية خلابة من البراكين المهيبة والمشاهد الاستثنائية، بحسب موقع Photoworldtours.
تشير الفرضية الأكثر قبولاً إلى أن اسم “كامتشاتكا” يعود إلى لغة الآينو، وهي اللغة الأصلية التي كان يتحدث بها سكان جنوب كامتشاتكا الأصليون، إلى جانب جزيرة سخالين وجزر الكوريل وبعض الجزر اليابانية التي عاش فيها شعب الآينو.
ونظراً لأن معظم الأسماء الجغرافية في جنوب كامتشاتكا وجزر الكوريل، وكذلك العديد من الأسماء في الجزر اليابانية، تعود لأصل آينو، فإن هذه الفرضية تُعد منطقية في تفسير أصل التسمية.
عاصمة البراكين العالمية
أُدرجت براكين كامتشاتكا ضمن قائمة مواقع التراث العالمي عام 1996، وتقع هذه المنطقة في قلب “حلقة النار” حول المحيط الهادئ.
وتُعد شبه جزيرة كامتشاتكا المنطقة الأعلى كثافة بالبراكين النشطة في العالم، ويُعد من المألوف حدوث ثوران بركاني في أي وقت من العام، ما يجعل الزلازل ظاهرة شائعة في المنطقة.
وأغلب مناطق كامتشاتكا لا يمكن الوصول إليها إلا بمروحيات، أو عربات الدفع الرباعي، ما حافظ على طبيعتها، وهي منطقة “التقاء الجليد بالنار”، حيث تجمع بين الأنهار الجليدية، والينابيع الحارة، والبراكين، والغابات الكثيفة.
مناخ كامتشاتكا
يتميز مناخ شبه جزيرة كامتشاتكا بالقسوة، حيث تسودها فصول شتاء طويلة وباردة تغطيها الثلوج، في حين تكون فصول الصيف باردة ورطبة.
وتغطي “التندرا” (Tundra) معظم أراضي كامتشاتكا، وتنتشر فيها الطحالب والأشنيات، وأما الأراضي المنخفضة المحمية، لا سيما في وادي نهر كامتشاتكا الذي يفصل بين السلسلتين الجبليتين، فتنتشر فيها غابات من شجر البتولا أو الصنوبر السيبيري، مع أشجار الحور، والصفصاف في المناطق الأكثر رطوبة.
و”التندرا”، منطقة طبيعية خالية من الأشجار، تتميز بمناخ بارد وقارس، توجد غالباً في المناطق القطبية الشمالية أو على قمم الجبال العالية، تنتشر فيها مساحات واسعة من الأرض الجرداء والصخور، مع وجود نباتات قصيرة مثل الطحالب.
واعتبر قادة الاتحاد السوفييتي سابقاً، ولاحقاً قادة الاتحاد الروسي، شبه جزيرة كامتشاتكا منطقة استراتيجية بالغة الأهمية، وبفضل قربها الجغرافي من الولايات المتحدة، شُيدت فيها العديد من المنشآت العسكرية السرية خلال فترة الحرب الباردة، ما أدى إلى منع الزوار من دخولها حتى عام 1991.
ولا تزال مدينة فيليوتشينسك، القريبة جداً من العاصمة، مغلقة أمام الزوار، وليس من المستغرب أن يشاهد الزائر أثناء جولة بحرية قرب العاصمة لالتقاط صور للحياة البحرية، غواصة حربية وهي تطفو على سطح مياه خليج أفاتشا.
الحياة البرية
تُوفر الخصائص الطبيعية لشبه جزيرة كامتشاتكا، بما في ذلك تنوع المناخ والبيئات الطبيعية، وانخفاض الكثافة السكانية في هذا الإقليم الشاسع، موطناً مثالياً لعدد هائل من الأنواع الحيوانية.
وتعد موطناً لأكبر تجمع للدببة البنية في العالم، ويُقدر عدد دببة كامتشاتكا البنية، وهي النظير الروسي للدب الأشيب (Grizzly Bear) في أميركا الشمالية، بأكثر من 20 ألف دب، ويُعزى ذلك إلى وفرة أنهار السلمون في المنطقة، إلى جانب بحيرة كوريل التي تُعد أبرز موقع لتكاثر السلمون في أوراسيا.
لكن كامتشاتكا لا تشتهر بالدببة فقط، إذ تعيش فيها أيضاً أنواع عديدة من الحيوانات البرية، مثل الرنة، والذئاب، والوشق، والثعالب، وغيرها.
أما في ما يخص الحياة البحرية، فيمكن مشاهدة الحيتان، والفقمات، وثعالب الماء، وأُسود البحر وهي تسبح قبالة سواحل كامتشاتكا، كما تحلق طيور البفن فوق شبه الجزيرة خلال فصل الصيف من كل عام.
السكان الأصليون لكامتشاتكا
رغم أن مساحة كامتشاتكا تقارن بمساحة ولاية كاليفورنيا، فإن عدد سكانها لا يتجاوز عدد سكان مدينة تامبا الأميركية، إذ يقطن الإقليم نحو 400 ألف نسمة، ويعيش نحو 300 ألف منهم في العاصمة بيتروبافلوفسك، ولا تضم المنطقة سوى مدينتين أخرتين هما إليزوفو، وفيليوتشينسك.
يُعد “الإيتيلمن” أقدم السكان الأصليين في شبه جزيرة كامتشاتكا، ويعني اسمهم “أولئك الذين يعيشون هنا”، وكانوا يقطنون قرب مصادر المياه، ويتنقلون صعوداً ونزولاً عبر الأنهار باستخدام قوارب محفورة من جذوع الحور.
وفي أواخر القرن الـ17 وبداية القرن الـ18، وصل المستكشفون الروس إلى الأجزاء الوسطى من شبه جزيرة كامتشاتكا، وفي ذلك الوقت، بدأ مجتمع الإيتيلمن يشهد انهياراً في نظامه البدائي القائم على العلاقات الجماعية التقليدية.
ويشكل الكورياك غالبية سكان شمال كامتشاتكا، ولديهم حكم ذاتي خاص يُعرف باسم “منطقة الكورياك”، وعلى الرغم من أنهم يُعرفون بهذا الاسم، فإنهم لا يُطلقونه على أنفسهم.
ويُعتبر الكورياك أسلاف السكان الأصليين في القارة الأميركية، ويُعتقد أنهم عبروا مضيق بيرينج عندما كان متجمداً، كما أن المسافة الفاصلة بين كامتشاتكا وجزر ألوشيان ليست كبيرة، ما جعل الإبحار في الصيف أمراً ممكناً.
وتُظهر أوجه الشبه العديدة بين الكورياك وبالسكان الأصليين في أميركا الشمالية وكندا، ما يشير إلى أن التواصل بينهم كان أكثر شيوعاً مما يُتصور.