تسعى شركات الدفاع الأميركية إلى كسب ود نظيراتها الأوروبية وتعزيز الشراكات معها، في محاولة لضمان عدم استبعادها من موجة الإنفاق العسكري المتصاعد في القارة، حسبما ذكرت “فاينانشيال تايمز”.
وقالت الصحيفة البريطانية، إن كبار المسؤولين في بعض أكبر مجموعات الصناعات الدفاعية الأميركية بذلوا جهوداً كبيرة خلال معرض باريس الجوي الأسبوع الماضي، للتأكيد على علاقاتهم التاريخية الممتدة عبر الأطلسي، مع التعهد في الوقت نفسه بمساعدة الدول الأوروبية على تعزيز قدراتها السيادية.
وقال بيرند بيترز، نائب رئيس تطوير الأعمال والاستراتيجية في القطاع الدفاعي بشركة “بوينج”: “نحن شركة أميركية، لكننا أيضاً شركة عالمية”.
وأوضح بيترز خلال المعرض أن الرسالة التي توجهها “بوينج” إلى شركائها في أوروبا هي أنه “في الوقت الذي يفكرون فيه في قدراتهم السيادية، هي أننا موجودون إلى جانبهم لمساعدتهم على تطويرها”.
“فرصة لا يجب التفريط فيها”
وأشارت شركة “أندريل” الأميركية لتكنولوجيا الدفاع إلى اتباع نهج مماثل، بعد أن كشفت عن شراكة جديدة مع شركة “راينميتال” الألمانية لتطوير طائرات مُسيرة مخصصة لأوروبا.
وتتطلع المزيد من الشركات الأميركية إلى فرص للتطوير المشترك للأسلحة، وقالت “أندريل” إن هذه الشراكة تعكس فلسفة “نُفذت بالشراكة، لا بالنيابة”، وهي فلسفة تضع الأولوية للتحكم المحلي، والشفافية، والقدرة على التكيف، بدلاً من التبعية أو الإنغلاق.
وقال محللون في القطاع إن ارتفاع الإنفاق الدفاعي في أوروبا، مدفوعاً بالحرب في أوكرانيا والضغوط التي يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لزيادة مساهمة الدول الأوروبية في أمنها، يمثل فرصة لا ترغب الشركات الأميركية في التفريط بها.
وذكر بايرون كالان، الشريك الإداري في مجموعة الأبحاث “كابيتال ألفا بارتنرز”، أن الولايات المتحدة توفر فرصاً للنمو، لكن أوروبا هي المكان الذي تتوافر فيه الفرص الحقيقية، لا سيما في ظل تساؤلات المستثمرين بشأن معدلات النمو ومصادر الأعمال الجديدة.
وأوضح خبراء في القطاع، خلال المعرض، أن شركات الدفاع الأميركية الرائدة تربطها علاقات طويلة الأمد في أوروبا، والتي تمثل حصة كبيرة من إيراداتها السنوية. وتأمل هذه الشركات في أن تضمن الشراكات الأعمق استمرار أعمالها داخل القارة.
سوق واعدة
وشكلت السوق الأوروبية نحو 11% من الإيرادات السنوية لكل من “لوكهيد مارتن” وRTX في عام 2024. وتمتلك عدة جيوش أوروبية مقاتلات F-35 التي تنتجها لوكهيد مارتن، في حين تصدرت صواريخ “باتريوت” من RTX السوق الأوروبية في مجال الدفاع الجوي بفارق كبير.
وأعلنت شركتا لوكهيد مارتن و”رايثيون”، التابعة لـRTX، خلال العامين الماضيين عن شراكات إنتاج مشترك واسعة النطاق في القارة الأوروبية.
ومن المقرر أن تؤسس لوكهيد مارتن خطوط إنتاج صواريخ على نطاق واسع بالتعاون مع شركة “راينميتال”، بينما سينتج مشروع مشترك بين “رايثيون” وشركة MBDA الأوروبية لصناعة الصواريخ، صواريخ “باتريوت” لدول حلف الناتو في ألمانيا.
وقال توماس لاليبيرتي، رئيس أنظمة الدفاع البري والجوي في شركة “رايثيون”، إن الدول تتبنى “نهجاً مختلفة لمعنى السيادة”.
وأضاف أن “رايثيون” تبذل قصارى جهدها “لفهم كل من هذه المقاربات، وبقدر ما تستطيع… تساعد تلك الدول على تلبية متطلباتها”.
وقال فرانك سانت جون، المدير التنفيذي للعمليات في “لوكهيد مارتن”، لـ”فاينانشيال تايمز” في باريس، إن الشركة لا تعمل فقط على توسيع سلاسل التوريد الخاصة بها في أوروبا، بل تؤسس أيضاً منشآت تصنيع داخل القارة.
وأضاف أن الشراكات التي تعقدها الشركة ستعود عليها بالفائدة في ظل سعي أوروبا إلى شراء المزيد من الإنتاج المحلي، لأنها ستكون شريكاً للدول الأوروبية ومع الشركات العاملة فيها.
وأشار إلى أن لوكهيد تعمل على ضمان أن تكون تلك الشراكات مؤهلة للحصول على التمويل الأوروبي، وقدرتها على تلبية المتطلبات الأوروبية.
وقالت “بوينج” إنها “تدرس فرص التعاون المتاحة”، فيما أوضح بيترز أن الشركة تتطلع إلى تطبيق “النهج التعاوني” الذي اتبعته مع أستراليا في تطوير الطائرة القتالية غير المأهولة MQ-28 Ghost Bat داخل أوروبا.
غير أن المتعاقدين الأميركيين مضطرون أيضاً إلى التعامل مع تساؤلات بشـأن ما إذا كانت الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترمب، لا تزال حليفاً يمكن الوثوق به، وهو ما دفع بعض الأصوات داخل أوروبا إلى الدعوة لتقليل الاعتماد على الأسلحة الأميركية.
وفاقمت المخاوف، التي نفتها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، من إمكانية أن تعمد الولايات المتحدة إلى تعطيل أنظمة تسليح رئيسية عن بُعد، مثل المقاتلة المتطورة F-35، الدعوات في الدول الأوروبية إلى تقليص اعتمادها على الأسلحة المستوردة.
وأبدى عدد من التنفيذيين الأوروبيين في قطاع الدفاع قلقاً خاصاً من احتمال أن تواجه الشركات مستقبلاً صعوبات في تصدير معدات جديدة أو الحصول على تحديثات برمجية لها.