حظي الحزب الديمقراطي بتقدّم مبكر في سباق انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، المقررة في نوفمبر 2026، في ظل تراجع ثقة الناخبين بأداء الرئيس الأميركي دونالد ترمب في عدد من الملفات الرئيسية التي أعادته إلى البيت الأبيض، إلى جانب استمرار الإغلاق الحكومي، وفقاً لاستطلاع رأي حديث أجرته شبكة NBC News.
ويتقدّم الديمقراطيون على الجمهوريين في سباق الكونجرس بفارق ثماني نقاط مئوية، أي 50% مقابل 42%، وهو أكبر تقدّم يسجله أيّ من الحزبين في استطلاعات NBC News منذ انتخابات التجديد النصفي عام 2018.
وكان الديمقراطيون قد تفوقوا بفارق نقطة واحدة فقط في استطلاع مارس الماضي (48% مقابل 47%).
ووفقاً لنتائج الاستطلاع، التي نُشرت الأحد، يرى نحو ثلثي الناخبين المسجلين أن إدارة ترمب أخفقت في ملفي “الاقتصاد وتكاليف المعيشة”، فيما يعتقد أغلبهم أنه فشل في تغيير نهج العمل المعتاد في واشنطن.
وفي المقابل، بينما لا يزال الحزب الديمقراطي يعاني تراجعاً في شعبيته بين الناخبين، رغم محاولاته تقديم بديل سياسي مقنع.
الديمقراطية والدستور في الأولوية
أشارت الشبكة إلى أن قضيتي حماية الديمقراطية والحقوق الدستورية تتصدران اهتمامات الناخبين إلى جانب القضايا الاقتصادية، في وقتٍ يواصل فيه ترمب تنفيذ أجندة واسعة من الإجراءات التنفيذية في مجالات الهجرة والسياسات العامة الأخرى.
ويرى أغلب المشاركين في الاستطلاع أن ترمب قام بما “يقوّض الدستور أكثر مما يدافع عنه”، في إشارة إلى تزايد القلق من استخدام السلطة التنفيذية بشكل مفرط.
وأظهرت نتائج الاستطلاع، الذي أُجري بين 24 و28 أكتوبر الماضي، أن نسبة التأييد العامة للرئيس الأميركي تبلغ 43%، بانخفاض قدره أربع نقاط مئوية منذ مارس الماضي، مقابل 55% أعربوا عن عدم رضاهم عن أدائه.
ونقلت الشبكة عن خبير الاستطلاعات الديمقراطي جيف هورويت من مؤسسة Hart Research Associates، التي أجرت الاستطلاع بالشراكة مع خبير الاستطلاعات الجمهوري بيل ماكنتورف من مؤسسة Public Opinion Strategies قوله: “سنعرف الكثير خلال الأيام القليلة المقبلة من نتائج الانتخابات في نيوجرزي وفيرجينيا وغيرها، وما التأثير الذي قد تُحدثه هذه النتائج على الإغلاق الحكومي”.
وأضاف: “ما نعرفه هو أن الناخبين لا يزالون غير راضين بشدة عن الوضع القائم”.
تقدم ديمقراطي مدفوع بالغضب الشعبي
وبحسب NBC News، فإن تقدّم الديمقراطيين في هذا الاستطلاع يُعدّ من أكبر المكاسب التي حققوها في أي استطلاع خلال عام 2025، إذ حمّل 52% من المشاركين ترمب والجمهوريين في الكونجرس مسؤولية الإغلاق الحكومي المستمر، فيما ألقى 42% باللوم على الديمقراطيين في الكونجرس أيضاً، وهي نسبة مرتفعة تاريخياً.
وتساءلت الشبكة عمّا إذا كانت تداعيات الإغلاق الحكومي ستستمر سياسياً حتى موعد الانتخابات المقبلة بعد التوصل إلى تسوية تمويلية، إذ قال ماكنتورف إن “مثل هذه الأزمات تخلق لحظات غير مستقرة في السياسة، لكنها عادةً ما تتلاشى مع مرور الوقت”.
ورغم التقدّم الديمقراطي، لا تزال نظرة أغلبية الناخبين إلى الحزب سلبية، إذ قال 28% فقط إنهم يحملون آراء إيجابية نحوه، وهي نسبة لم تتغير عن أدنى مستوى سُجّل في مارس الماضي.
أما الحزب الجمهوري، فيحتفظ بتفوق واضح في ملفات أمن الحدود والجريمة، رغم أن الديمقراطيين تساووا معهم تقريباً في ملف الاقتصاد.
اهتمام انتخابي غير مسبوق
وأظهر الاستطلاع ارتفاعاً ملحوظاً في حماسة الناخبين تجاه انتخابات عام 2026، إذ قال 66% من المشاركين إن اهتمامهم بالتصويت يبلغ 9 أو 10 على مقياس من عشر نقاط، وهي نسبة أعلى من تلك التي سُجلت قبل عام واحد من أربعٍ من آخر خمس انتخابات تجديد نصفي، وفقاً للشبكة.
وبينت النتائج أن 74% من الديمقراطيين أعربوا عن اهتمام مرتفع بالانتخابات، مقابل 67% من الجمهوريين و50% من المستقلين، ما يمنح الديمقراطيين تفوقاً في الحماس الانتخابي بفارق سبع نقاط مئوية، وهو فارق يقترب من التسع نقاط التي سجلوها في انتخابات عام 2018.
وأشارت الشبكة إلى أن ترمب سيظل عاملاً حاسماً في انتخابات العام المقبل، إذ قال 70% من الناخبين إنهم يريدون أن يعكس تصويتهم موقفهم من الرئيس، وهي أعلى نسبة تسجّلها NBC News في استطلاعاتها منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً.
وأعرب 40% من المشاركين عن رغبتهم في أن يكون تصويتهم رسالة رفض لترمب، مقابل 30% قالوا إنهم يريدون أن يكون تصويتهم تعبيراً عن دعمهم له.
احتجاجات “لا ملوك” تزيد الاستقطاب السياسي
ويأتي هذا الاهتمام المتزايد بالانتخابات والتركيز على الرئيس في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة احتجاجات حركة “لا ملوك”، التي شارك فيها ملايين الأميركيين ضد إدارة ترمب.
وأظهر الاستطلاع، أن 43% من المشاركين يعتبرون أنفسهم مؤيدين لحركة “لا ملوك”، التي تتكون غالبيتها من الديمقراطيين، ونحو أربعة من كل عشرة مستقلين، بحسب شبكة NBC News.
وفي مقابلة سابقة مع برنامج “واجه الصحافة” على NBC News في ديسمبر الماضي، قال ترمب قبل تولّيه منصبه، إن “فوزه في انتخابات 2024 يعود إلى عاملين رئيسيين، هما الحدود وأسعار البقالة”، بحسب الشبكة.
لكن نتائج الاستطلاع الأخير تُظهر مؤشرات إنذار للرئيس ترمب في كلا الملفين معاً، وخصوصاً في القضايا الاقتصادية، إلى جانب المخاوف المتعلقة بحماية الديمقراطية والحقوق الدستورية، بحسب ما أوردته الشبكة.
“تكاليف المعيشة”
وأوضح الاستطلاع أن نحو 66% من الناخبين يرون أن إدارة ترمب خيّبت آمالهم في معالجة ملف تكاليف المعيشة، فيما قال 65% إنها لم تفِ بتوقعاتهم في دعم الطبقة الوسطى، و63% في إدارة الاقتصاد بشكل عام، بينما رأى نحو ثلث المشاركين تقريباً أن الرئيس أوفى بتلك التوقعات.
واتفقت غالبية المستقلين والناخبين من مختلف الأعراق والفئات الاقتصادية والعمرية على هذا التقييم السلبي لأداء إدارة ترمب، كما شاركهم الرأي جزء من الجمهوريين أنفسهم، ولا سيما أولئك الذين لا يصنّفون أنفسهم ضمن ما يُعرف بـ”جمهوريي حركة MAGA”.
وأضافت شبكة NBC News أن النتائج الأخيرة تشبه إلى حد كبير ما سُجّل في أغسطس 2010 قبل انتخابات التجديد النصفي، التي اعتُبرت آنذاك رفضاً لأداء الرئيس الأميركي في ذلك الوقت باراك أوباما، حين قال ثلثا الأميركيين إن إدارته خيّبت توقعاتهم الاقتصادية بعد الأزمة المالية العالمية.
واليوم، قال 61% من المشاركين إن دخل أسرهم لا يواكب ارتفاع تكاليف المعيشة، فيما قال 31% إنه مستقر، و6% فقط أكدوا أن دخلهم يزيد بوتيرة أسرع من الأسعار، وهي نسب شبه مطابقة لنتائج استطلاعات NBC News خلال الأعوام الأربعة الماضية.
انقسام حول إدارة الاقتصاد والهجرة
وكشف الاستطلاع أن الناخبين منقسمون تقريباً حول الحزب الذي يُعد الأفضل في إدارة الاقتصاد، إذ أعرب 38% عن ثقتهم بالجمهوريين، مقابل 37% فضّلوا الديمقراطيين، وهو أصغر هامش تفوّق للجمهوريين في هذا السؤال منذ ديسمبر 2017، حين كانت آخر مرة سجل فيها الديمقراطيون تقدّماً في هذا الملف.
وفي المقابل، كان الجمهوريون في سبتمبر 2023 يتقدمون بفارق 21 نقطة مئوية في السؤال ذاته، بحسب NBC News.
وحافظ الجمهوريون على تفوق واضح في ثلاث قضايا رئيسية، هي أمن الحدود بفارق 31 نقطة عن الديمقراطيين، والجريمة بفارق 22 نقطة، والهجرة بفارق 18 نقطة، محافظين بذلك على تفوقهم التقليدي في هذه الملفات خلال الانتخابات الأخيرة.
أما الديمقراطيون، فتمتعوا بتقدم قدره 8 نقاط في ملف حماية الحقوق الدستورية، و11 نقطة في حماية الديمقراطية، وهو ما يمثل انعكاساً واضحاً لتغيّر المزاج العام، بعدما كان الجمهوريون يتفوقون بفارق 8 نقاط في الأولى، وبنقطة واحدة في الثانية عام 2023.
كما أظهر الاستطلاع أن الديمقراطيين يتمتعون بتفوق قدره 23 نقطة مئوية على الجمهوريين في ملف الرعاية الصحية، وهي أعلى نسبة مسجلة لهم في هذا المجال منذ يوليو 2008.
سياسات الترحيل
وقالت NBC News إن الحزب الجمهوري لا يزال يتمتع بتفوّق واضح على الديمقراطيين في القضايا المتعلقة بالهجرة، غير أن برنامج الترحيل الذي تتبناه إدارة ترمب، واستخدامها السلطة التنفيذية في تطبيقه، أثار بعض المعارضة العامة.
إذ قال 51% من المشاركين يرون إن ترمب لبّى توقعاتهم بشأن أمن الحدود والهجرة، في حين رأى 54% أن نشر الحكومة الفيدرالية لعناصر الأمن الوطني والحرس الوطني في مدن أميركية لمكافحة الجريمة والهجرة لم يكن مبرراً إلى حد كبير، مقابل 44% اعتبروا هذه الإجراءات مبررة.
كما تناول الاستطلاع آراء الناخبين بشأن إدارة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE)، وهي الجهة المسؤولة عن تنفيذ برنامج الترحيل، وأظهر أن 39% من الناخبين المسجلين لديهم انطباع إيجابي تجاه الوكالة، مقابل 50% نظرة سلبية.
وأوضحت الشبكة أن “آراء الناخبين البيض بدت منقسمة حول موقفهم من الوكالة، في حين أبدى نحو ثلثي الناخبين من أصول إفريقية ولاتينية رأياً سلبياً تجاهها”.
وأضافت NBC News أن نسبة مَن ينظرون إلى الوكالة بشكل إيجابي تشبه تقريباً ما ورد في استطلاعات عامي 2020 و2018، لكن نسبة الآراء السلبية ارتفعت بشكل حاد، إذ تضاعفت تقريباً نسبة الذين وصفوا رأيهم بأنه “سلبي للغاية” من 22% عام 2020 إلى 40% اليوم.
ما هي أبرز القضايا لدى الناخب الأميركي؟
وبرزت قضيّتا حماية الحقوق الدستورية والديمقراطية ضمن أبرز أولويات الناخبين الأميركيين في الاستطلاع الأخير، إذ طُلب من المشاركين تحديد القضايا الأهم بالنسبة لهم من بين مجموعة ملفات شملت: تكاليف المعيشة، وفواتير الكهرباء والرعاية الصحية، والعنف السياسي، والهجرة وأمن الحدود، والإجهاض.
وأظهر الاستطلاع أن نحو ربع الناخبين الأميركيين يعتبرون أن حماية الديمقراطية أو الحقوق الدستورية تمثل القضية الأهم التي ستحدد تصويتهم في انتخابات الكونجرس المقبلة.
في المقابل، اختار 16% تكاليف المعيشة، و10% تكاليف التأمين الصحي، و4% تكاليف الكهرباء، كما اعتبر 10% قضايا الهجرة وأمن الحدود أولويتهم القصوى، و9% رأوا أن العنف السياسي هو أهم ما يشغلهم، في حين أشار 7% إلى الإجهاض.
وعلّق خبير الاستطلاعات الديمقراطي جيف هورويت قائلًا: “الأسس التي تقوم عليها بلادنا وديمقراطيتنا ودستورنا عادةً ما تكون مفاهيم نظرية لا يفكر الناس فيها كثيراً”، مضيفاً: “لكن من الواضح أن الأميركيين اليوم لا يأخذونها كأمر مُسلّم به، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين أو مستقلين”.
وأظهر الاستطلاع أن 52% من الناخبين يعتقدون أن ترمب قام بأفعال أكثر من الرؤساء السابقين لتقويض الدستور الأميركي بدلاً من حمايته، في حين رأى 31% منهم أنه عمل أكثر على الدفاع عن الدستور مما أضرّه.
“صورة قاتمة للحزبين”
وأوضحت الشبكة أن رغم تراجع شعبية ترمب وفتح ذلك فرصاً للديمقراطيين، فإن موقف الحزب بشكل عام لم يشهد تحسناً مقارنة بالمستويات المنخفضة القياسية السابقة.
وأظهر الاستطلاع أن 28% فقط من الناخبين المسجلين لديهم نظرة إيجابية تجاه الحزب الديمقراطي، مقارنة بـ27% في مارس، بينما أعرب 53% عن نظرة سلبية.
وفي المقابل، حصل الحزب الجمهوري على تقييمات أعلى نسبياً، إذ أعرب 37% عن نظرة إيجابية و46% عن نظرة سلبية.
وأشار التقرير إلى أن انخفاض تقييم الحزب الديمقراطي يعود جزئياً إلى كيفية تقييم مؤيدي كل حزب لأنفسهم، فقد أعرب 78% من الجمهوريين عن نظرة إيجابية تجاه حزبهم مقابل 8% فقط يرونه سلبياً، في حين قال 59% من الديمقراطيين إنهم ينظرون إلى حزبهم بإيجابية مقابل 22% يحملون انطباعاً سلبياً.
أما المستقلون، فكانت نظرتهم قاتمة تجاه كلا الحزبين، إذ أعرب أقل من ربعهم عن انطباع إيجابي تجاه أي منهما.
“جهود السلام في غزة”
وشمل الاستطلاع أيضاً تقييم مواقف الناخبين من أحد أبرز ملفات السياسة الخارجية لإدارة ترمب، والمتمثل في مساعيه للتوسط في اتفاق سلام في قطاع غزة.
وأظهرت النتائج انقساماً في تقييم الناخبين لأداء ترمب في هذا الملف، إذ وافق 47% على طريقة تعامله مع الحرب، مقابل رفض 48%، وهي قفزة ملحوظة في التأييد مقارنة بنسب الرئيس السابق جو بايدن، الذي حصل على 34% تأييداً في نوفمبر، 2023 و27% في أبريل 2024.
ومع ذلك، ظل الناخبون الأميركيون متشائمين إزاء فرص تحقيق سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ قال 21% فقط إن ذلك ممكن، مقابل 69% رأوا أنه غير محتمل، وهي أعلى نسبة تشاؤم تُسجّل في هذا السؤال منذ عام 1993، بينما قال 10% إنهم غير متأكدين.
وعند سؤال الناخبين عن إمكانية مشاركة القوات الأميركية في أي قوة لحفظ السلام في غزة، أيد 41% إرسال جنود أميركيين ضمن تلك القوة، فيما عارض 54% ذلك.
