رعى شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، شهدت حفل توقيع كتاب “لأن الثقافة حياة” لرئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ وسام سليقا، قاعة بلدة الفرديس قضاء حاصبيا.
وقال شيخ العقل في كلمته: ” يُسعدُني أن أشاركَ معكم هذا المهرجانَ الثقافيِّ المُميَّز، مبارِكاً ولادةَ كتابٍ رائعٍ قيِّم، لأخٍ غالٍ مُقدَّر، ومُحيِّياً جمهورَكم الكريمَ للمشاركة في إحياء حفلِ توقيعه، وأنتم نُخبةُ القوم وأهلُ الجود والوفاء، والصورةُ الأكثرُ بهاءً لجنوبٍ شامخٍ راسخ، أشجارُ زيتونِه جذورُ التحام وأغصانُ سلام، وأقلامُ مفكِّريه بنادقُ دفاع وسلالمُ ارتفاع، وملتقى كنائسِه ومساجدِه وخَلواتِ موحِّديه الأتقياء رسالةُ رجاء من الأرض إلى السماء. وسام سليقا أيُّها المثقَّفُ المؤمنُ، أرى أنّك في ما كتبتَ في هذا الكتابِ وفي ما جمعتَ في هذا الحفلِ، تريدُ أن تُفصحَ وتقول: هكذا يتحدّى العُرقوبُ آلةَ الحرب والعدوان، وهكذا يتدرّعُ أهلُ العُرقوبِ بالكتاب والإيمان؛ يتصدَّون لمَدِّ القهرِ والحصار، فيصنعون جَزرَ الفرحِ والانتصار، وهمُ الفلَّاحون الصَّامدون في أرضهم، والمثقّفون المُتجذّرون في أصالتهم”.
اضاف: “ها نحنُ هنا لنقول معكم: هكذا هم أهلُ الجنوب الأصيلون من كلِّ طائفةٍ ومذهب، متمسّكون بأرضِهم اللبنانية وهويّتِهم الوطنية وثقافتِهم العربية وانفتاحِهم على العالم، وها هم في حمى البيّاضة شيوخُ بني معروفَ المتمرِّسون بعيش المحبة والأُخوَّة، وها هو شيخٌ موحِّدٌ منهم، يَستلُّ فكرَه وإيمانَه وأدبَه الرفيعَ لمواجهة الجهل والقهر؛ مزوَّداً بالكلمةِ الحرَّةِ الموزونة وبالذخيرة التوحيديةِ والعلميةِ الحيّة، ناشراً رسالةَ “الوطن الرسالة”، ومُعلناً أنّ الثقافةَ هي المرآةُ الَّتي تعكسُ القيَمَ المتجذِّرةَ في العائلة، والهويَّةَ التي تُمثِّلُ العمقَ الإنسانيَّ والتّاريخيَّ للمجتمع، والدعوةَ الصادقةَ لتقبُّلِ التنوّعِ والاختلاف. في تقديمِنا للكتاب قابلنا القولَ بالقول، فقلنا: “إنّ الحياةَ ثقافة، وإنّ الثقافةَ حياة، إذ كلُّ واحدةٍ تحيا بالأخرى؛ الحياةُ بالثقافة، والثقافةُ بالحياة، وفي كلتا الحالين تنفتحُ ميادينُ التنافس والتفاضل، وترتفعُ درجاتُ الإنسانية على قدر صفاء القلوب والعقول، وبما لدى الإنسان من قدرةٍ على الارتقاء في معارج الفكر وتعاليم المعلمينَ الأوائلِ والرسُلِ الأفاضلِ وأولي العلموالعرفان”.
وتابع: “هذا الكتابُ النوعيُّ الذي نلتقي حوله اليومَ كنزٌ بلاغيٌّ وفكريٌّ وأخلاقيٌّ يَشعُّ بالأفكار والحِكَم، في زمن يضجُّ بالمعلومات والتّشويش والألم؛ يُذكّرُنا بأنّ الثقافةَ شريانُ الحياةِ الأنقى وينبوعُها الأصفى والسلاحُ الأمضى في وجه بطش العدوان وتهديد الأوطان، والغذاءُ الفكريُّ والعقليُّ والعاطفيُّ الذي تحتاجُ إليه الروحُ، تماماً كما يحتاجُ الجسدُ إلى الطعام والشراب والهواء، والميدانُ الأرحبُ الذي يجمعُ أبناءَ الوطن والإنسانية على كلمةٍ سَواء، بين صفَحات كتابِك يا شيخ وسام تنسابُ الأفكارُ لتحمِلَ معها تجارُبَ فكريةً حيّة، ومشاعرَ إنسانيةً راقية، وأسئلةً تُشعلُ في القارئ رغبةَ الاكتشاف، وتَمنحُه يقينًا بأنّ العقلَ حين يَستيقظُ تَستيقظُ معه الأُمم. وفي مَحاورِ كتابِك إيحاءٌ بأنّ التربيةَ ليست تلقينًا، بل اختبارٌ واكتشافٌ وممارسة، وأن الثقافةَ ليست تراكُمَ معلومات، ولا كُتباً تُقرَأ وحسب، ولا معلوماتٍ تُختزَنُ في العقول، كما تقول، بل مسيرةُ ارتقاءٍ لا تقفُ عند حَدٍّ، وقوّةٌ تُعيدُ بناءَ التوازنِ في داخلِ الإنسان ليتمكّنَ من مواجهة الضوضاء بهدوء العارف، ولتجاوزِ الصورةِ البرَّاقةِ إلى ما هو مَكمنُ الحقِّ والحقيقة”.
واردف: “الثقافةُ حياة، والحياةُ تنمو كبذرةٍ كلّما أُتيحَ لها الضوء، وكلّما وُجدَ من يَحرِسُها بقلمه وإيمانه وصبره، لتصبحَ كشجرةٍ تجمعُ الناسَ في فَيئها وحولَ ثمارها، وتُعلّمُهمُ الإصغاءَ لنداء الحياة. إنها المرآةُ الَّتي يَرى الإنسانُ فيها ذاتَه، كما يقولُ الكتاب، والجسرُ الَّذي يَعبُرُ به نحوَ الآخر، والمصباحُ الَّذي يُضيءُ له دروبَ الحياة”، مؤكّدين معه أنّ العلمَ دربُ عبورٍ إلى المعرفة، وأن المعرفة سبيلُ جهدٍ إلى بلوغ الحكمة، وأن الحكمة مسافرةٌ دائمةٌ نحو الكمال الذي لا يُدرَك. بوركتْ صفحاتُ كتابِك، يا شيخ وسام، المكتوبةُ بشغفِ العارفِ المُتيقِّن، وعباراتُك الموزونةُ بميزان الصائغِ الحكيم، وبُورك قلمُك القيِّمُ ونهجُك الثابتُ وعملُك المتواصلُ الدؤوب، وليكن التزامُك الثقافيُّ والاجتماعيُّ تعبيراً صريحاً ودائماً عن حضورِك الوازنِ معنا في مشيخة العقل والمجلس المذهبي، وتأكيداً واضحاً على موقفِنا الموحَّدِ الحاسمِ في ما يتعلّقُ بانتمائنا الروحيّ والوطنيّ والقوميّ الذي لن نتخلّى عنه، مهما تعاظمتِ الإغراءاتُ ومهما عصفت رياحُ المؤامراتِ والتهديدات، وعلى ثقافة العيش معاً في وطن الآباء والأجداد التي أكّدنا عليها بالأمس معَ قداسة البابا بزرع شجرةٍ مباركة في ساحة الشهداء، “زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”.
وختم: “بوركتِ الرسالة، وبوركت ثقافةُ الجَمع والسلام، وبورك حضورُكم أيُّها الأحبّةُ الكرام، في هذه الواحة الجنوبيّة الخَصبةِ المعطاء التي ما دَمّرت فيها الحربُ غيرَ أبنيةِ الحجارة، وما تغلّبَ فيها العدوانُ يوماً على صروحِ الحياة، ولتبْقَ الفرديسُ شاهدةً معَ قرى العرقوب الأبيّةِ على هذه الثقافة التي لا تموت، والتي يتمسّكُ بها الجنوبيُّون واللبنانيُّون بأملٍ وثقة، ولْتبقَ هذه الديارُ الحبيبةُ حاضنةً لإبداع الجنوبيينَ الأحرار، ومُختبَراً لعقول أبنائها الأبرار، وملتقىً لقلوبِ أهلِها المؤمنين الأطهار. عشتُم، عاشتِ الثقافة، وعاش لبنان، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهوبركاتُه”.