حصلت وجبة الكشري المصرية، الأربعاء، على اعتراف من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بأنه “كنز ثقافي”، وذلك في وقت تكثّف فيه القاهرة جهودها للترويج لهويتها الثقافية والتاريخية في الخارج.
جاءت تلك الخطوة خلال أعمال الدورة العشرين للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي اللا مادي، المنعقدة في نيودلهي بالهند.
وتأتي ترشيحات مصر لإدراج الكشري على قائمة “التراث الثقافي غير المادي”، بعد أكثر من شهر بقليل على افتتاحها المتحف المصري الكبير، وهو متحف آثار جديد ضخم، في خطوة أخرى يأمل المسؤولون أن تُبرز التاريخ الغني للبلاد، وتجذب مزيداً من السياح.
“الكشري بصورته الحالية هو الكشري الذي صاغه المصريون بطريقتهم”
الباحثة في تاريخ الغذاء هالة بركات
أصول يمكن تتبعها
وردت الباحثة في تاريخ الغذاء، عالمة الآثار النباتية، هالة بركات، على روايات تقول إن الكشري نشأ في شمال الهند، وجلبه الجنود إلى مصر خلال الاحتلال البريطاني، قائلة إن “أصول الطبق يمكن تتبُّعها في الواقع، عبر مسار طويل يمتد لآلاف السنين من الهجرة والتجارة والغزو”.
ويتكون طبق الكشري من العدس، والأرز، والمعكرونة، ويُباع في عدد لا يحصى من العربات الصغيرة والمطاعم في مصر.
وأوضحت بركات: “وصل العدس من منطقة الهلال الخصيب قبل أكثر من 5800 عام، ودخل الأرز من شرق آسيا. أما الطماطم والفلفل الحار فجاءا من الأميركتين بعد قرون طويلة، في حين أضيفت المعكرونة في حقبة أكثر حداثة”.
وقالت: “هذه المكونات تجمّعت على مدى آلاف السنين. قد يكون الاسم هندياً، لكن الطبق المصري له شكله الخاص، وهذا الشكل يختلف حتى بين الإسكندرية وأسوان داخل مصر”.
وأضافت: “الكشري بصورته الحالية هو الكشري الذي صاغه المصريون بطريقتهم”.
وتُشير مصر في ملف الترشيح إلى هذا التنوّع، موضحة أن العدس الأصفر يستخدم في المناطق الساحلية، بينما يُستخدم العدس الأسود في القاهرة وصعيد مصر. وتضيف بعض الأسر البيض المسلوق، بينما ينتشر في سيناء طبق مشابه يُعرف باسم “المعدوس”.
وتجمع كل هذه التنويعات نكهة مميزة “تمنحها التتبيلات الخاصة، مثل الخلّ، والثوم، والصلصة الحارة، التي تُضاف حسب الرغبة”، بحسب ملف الترشيح.
شعبية الكشري
وازدادت شعبية الكشري في القرن العشرين مع انتشار المطاعم، وعربات الشارع الملوّنة بالقرب من المدارس ومحطات النقل في مصر.
كما أصبح الكشري خياراً أساسياً لدى المسيحيين الأقباط خلال فترات الصيام، بسبب غياب المكوّنات الحيوانية، كما اتجه إليه أيضاً الشباب المصريين الذين يتبعون النظام النباتي.
وقال أحمد شاكر، مسؤول العلاقات العامة في مطعم “أبو طارق”، أحد أشهر مطاعم الكشري في القاهرة منذ عام 1963: “أي أجنبي أو زائر يأتي إلى مصر يزور الأهرامات، ويزور المتحف، ويأتي ليأكل الكشري”.
وينضم الكشري بذلك إلى 10 عناصر مصرية سابقة مدرجة على قائمة التراث، من بينها “التحطيب”، وهي فن قتالي تقليدي بالعصي، و”سيرة بني هلال”، وهي ملحمة شعرية تُروى شفاهياً.
وقد تعهد المدير العام الجديد لليونسكو، خالد العنّاني، وزير السياحة والآثار المصري السابق، بحماية التقاليد الثقافية، خلال ولايته.
وقال وزير الثقافة المصري، أحمد فؤاد هنو، إن “الكشري أول أكلة مصرية يتم تسجيلها”، مضيفاً أن السنوات القادمة ستشهد تسجيل “المزيد من العناصر المرتبطة بممارسات اجتماعية وثقافية تتوارثها الأجيال، وتعبر عن روح المشاركة، والتنوع داخل المجتمع المصري”.
الكسكس والبشت
يُعد إدراج عنصر ما على قائمة التراث غير المادي خطوة رمزية بالأساس، ولا يوفّر فائدة مالية مباشرة. وتشمل القائمة أطباقاً أخرى مثل الكسكس، الشائع في بلدان المغرب العربي، وطبق “سيفيتشي” من أميركا الجنوبية.
كما أُدرج البِشْت السوري (البردة الرجالية التقليدية) على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي لدى اليونسكو.
ووفق وزارة الثقافة السورية، جاء هذا الإدراج ضمن ملف عربي مشترك، شاركت فيه سوريا إلى جانب كلٍّ من: قطر، والسعودية، والبحرين، والعراق، والأردن، والكويت، وعُمان، والإمارات، وليصبح “البِشْت” ثامن عنصر تُدرجه سوريا على لوائح التراث الثقافي اللامادي لدى اليونسكو.
كما كان من المقرر إدراج المطبخ الإيطالي هذا العام.
