تشهد العلاقات المصرية الإيرانية تحركات دبلوماسية متزايدة تهدف إلى تحسين التعاون بين البلدين، حيث قام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بزيارة للقاهرة والتقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمناقشة القضايا الإقليمية، مثل الأمن في البحر الأحمر والملف النووي الإيراني وملف غزة، كما جرى الحديث عن إمكانية رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة السفراء، في خطوة تعكس رغبة الطرفين في تعزيز التواصل، دون قيود “خليجية” وفق تقارير، ولكن هذا التقارب جاء بوقت حسّاس، فما هو مصلحة القاهرة مع طهران؟
خطوات متسارعة في العلاقات المصرية الإيرانية
في 2 يونيو 2025، قام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بزيارة إلى القاهرة، وهي ثاني زيارة له منذ أكتوبر 2024، حيث التقى بمسؤولين مصريين في محاولة لتهدئة التوترات الإقليمية وتعزيز التعاون.
ومن بين القضايا التي ناقشها الطرفان، كان هناك اهتمام مصري باحتواء هجمات الحوثيين على الملاحة التجارية في البحر الأحمر، والتي أثرت سلبًا على الاقتصاد المصري، حيث خسرت قناة السويس نحو 800 مليون دولار شهريًا بسبب هذه التهديدات الأمنية. كما تسعى القاهرة إلى دور أكثر إيجابية لإيران في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني والمفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة.
وبعد ذلك أجرى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اتصالًا هاتفيًا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتهنئته بمناسبة عيد الأضحى، وهو ما يُعد خطوة إضافية نحو تعزيز التواصل بين البلدين.
من جانبه أكد وزير التراث الثقافي الإيراني، رضا صالحي أميري أن هناك محادثات ثنائية جارية لاستئناف العلاقات بين البلدين، مشيرًا إلى أن إرادة الحكومتين تمهد الطريق لذلك، وأنه تم اتخاذ خطوات جيدة حتى الآن دون وجود عقبات جدية أمام تطوير التعاون السياحي والثقافي بين البلدين.
تحولات السياسة العالمية وتأثيرها على الإقليم
وفي حديث مع وكالة ستيب نيوز، يقول المحلل السياسي المصري، عبد الغني عبده: “نحن نعيش في مرحلة من السيولة السياسية الشديدة، حيث يشهد العالم تغيرات متسارعة على المستويات السياسية والاقتصادية، وهو ما ينعكس بوضوح على منطقتنا الإقليمية، التي أصبحت في قلب هذه التحولات”.
ويؤكد أن هناك ضبابية شديدة في مواقف الدول، وتقلب سريع في تحالفاتها وعلاقاتها الدولية، مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار.
مشيراً إلى أنه من الصعب تحديد من يقود من، ويتساءل “هل السياسة تقود الاقتصاد، أم العكس؟”، معتبراً أن ما نراه هو أن العولمة، التي سعت دول كثيرة لنشرها، بدأت ترتد سلبيًا على تلك الدول، وخاصة أوروبا وأمريكا.
ويوضح: “هذا انعكس على اختيارات شعوبها في الانتخابات، حيث أصبحت الاتجاهات نحو اليمين المتطرف والقومية هي السائدة، وهو ما أفرز شخصيات مثل ترامب”.
ويضيف: “تصريحات ترامب وحدها كانت قادرة على إحداث اضطرابات في مواقف الدول وتحريك ملفات إقليمية كبرى، إلى جانب زيارته للخليج واتفاقاته هناك. الوضع في الشرق الأوسط أيضًا شهد زلازل سياسية كبيرة، مثل التغيرات في سوريا، الانهيار في لبنان، وتراجع دور حزب الله، وكل ذلك تصاعد بعد أحداث 7 أكتوبر وما تلاها من معضلة غزة”.
ويتابع: “هذه الأحداث مرتبطة بما يجري في روسيا وأوكرانيا، بل يمكن القول إن بعض المحللين يرون في أزمة غزة وتداعياتها امتدادًا مباشرًا للحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى إعادة تموضع القوى العالمية في المنطقة، وانسحاب بعض الدول مثل روسيا جزئيًا من ساحات نفوذها التقليدي”.
التحركات الإقليمية وزيارة الوفد الإيراني إلى مصر
وحول الزيارة الإيرانية إلى مصر، والحديث عن فتح ملفات كانت معلّقة لسنوات بين البلدين يقول “عبده”: “في هذا السياق المضطرب، يمكن فهم زيارة الوفد الإيراني إلى مصر. نحن أمام صراع كبير على النفوذ في المنطقة، وتحولات في مواقف القوى المسيطرة، سواء العالمية أو الإقليمية”.
ويشير إلى أن قناة السويس أصبحت، بشكل غير مباشر، تحت رحمة الحوثيين في اليمن. بعد سحب المدمرة الأمريكية “هارث” من باب المندب، وأصبح تأمين مرور السفن في القناة أمرًا غير مضمون، خصوصًا مع التفاهمات التي حدثت بين الولايات المتحدة والحوثيين، أو على الأقل تراخي الدور الأمريكي هناك.
قناة السويس كمحور للصراع والمصالح
قناة السويس ليست فقط ممرًا مائيًا، بل هي ركيزة أساسية في ميزان التجارة العالمية، ويؤكد المحلل المصري أن وجود أي دولة في موقع تحكم مباشر أو غير مباشر على الممر، يجعلها في وضع استراتيجي بالغ الأهمية، ولذلك نجد أن القوى العالمية، خاصة “الرأسمالية”، تسعى لضمان حرية مرور التجارة دون سيطرة وطنية أو سياسية تهدد مصالحها.
ويقول: “الحوثيون الآن يملكون القدرة على التأثير في حركة المرور عبر باب المندب، وبالتالي قناة السويس، ومن هنا يأتي المأزق المصري، فإما أن تدخل القاهرة في تفاهم مباشر مع الحوثيين، وهو أمر مرفوض خليجيًا، أو تسعى للالتفاف من خلال طهران، التي تُعد القوة الداعمة الأبرز للحوثيين”.
وحسب تقارير تناقلتها وسائل إعلام لا يبدو ان دول الخليج باتت تمانع العلاقة المصرية الإيرانية، وكان الرئيس المصري زار دول الإمارات والتقى رئيسها الشيح محمد بن زايد، ونوقش الملف بينهما ضمن الملفات الإقليمية المشتركة.
ورغم كثرة الحديث عن وجود خلافات بين مصر والسعودية، إن محللين أكدوا ان القاهرة ليست بصدد التخلي او التراجع عن علاقتها مع الرياض، إنما المصالح المؤقتة جيوسياسياً يحتّم عليها التواصل مع طهران بهذه المرحلة.
لماذا التقارب مع إيران؟
يؤكد “عبد الغني عبده” أن التقارب المصري الإيراني لا يعني تحالفًا استراتيجيًا، وإنما محاولة لتفادي المزيد من الخسائر الاقتصادية الناتجة عن اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر.
ويقول: “هذا الهدف المباشر تأمين المرور الآمن للسفن هو الدافع الأساسي للتحرك المصري في هذا الاتجاه، وإيران، بدورها، تمر بمرحلة ضعف نسبي بعد تراجع نفوذها في سوريا ولبنان، والضغوط الخليجية عليها بالتنسيق مع الولايات المتحدة. لذلك، فإنها قد تسعى إلى كسب نقاط عبر تحسين علاقاتها مع مصر، لتوصيل رسائل إيجابية إلى دول الخليج والغرب، وربما الولايات المتحدة”.
تاريخ العلاقات المصرية الإيرانية
يُعد تاريخ العلاقات بين البلدين معقد، فقبل ما يعرف بـ “الثورة الإيرانية”، كانت هناك علاقات قوية وصلت إلى المصاهرة الملكية بين العائلتين الحاكمتين. لكن بعد لجوء الشاه إلى مصر، واغتيال السادات، وتكريم إيران لقاتله، دخلت العلاقات في قطيعة طويلة، وإن بقيت هناك بعض الاتصالات التجارية المحدودة.
يقول “عبده”: “في بعض المراحل، كفترة حكم الإخوان، شهدنا محاولات لإعادة التواصل، ولكنها لم تؤتِ ثمارًا. اليوم، ورغم الغموض السياسي العالمي، يبقى هناك توجه مصري لعدم التصعيد أو الدخول في تحالفات ضد أطراف إقليمية، مع الالتزام بمبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين”.
ويضيف: “نحن لا نعيش مرحلة تحالفات استراتيجية مستقرة، بل مرحلة تحالفات تكتيكية ومؤقتة. العالم يعيد رسم تحالفاته وقواعده، وهناك حالة من شبه الانهيار للنظام الاقتصادي والسياسي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. ما يحدث الآن هو مرحلة صراعات كبرى، ومن الطبيعي أن تكون بعض الدول ومنها مصر ضحية أو عالقة في هذا الصراع”.
ويختم “عبده: “حين تهدأ الأوضاع، وتتضح معالم النظام العالمي الجديد، فقط عندها يمكن الحديث عن تحالفات استراتيجية. أما الآن، فأي تحرك أو تقارب، كمثل التقارب المصري الإيراني، يبقى في إطار مصالح مؤقتة ومحددة، كأمن الملاحة في قناة السويس، ولا يُبنى عليه ما هو أعمق أو طويل المدى”.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية