في تحرك دبلوماسي جديد يسلط الضوء على اشتداد سباق النفوذ الإقليمي والدولي، أعلنت مصر رفضها القاطع لأي وجود عسكري لدول غير مشاطئة في البحر الأحمر، ويأتي ذلك في وقت تكشف فيه تقارير أمريكية عن توسع قواعد واشنطن العسكرية قرب الممر المائي الحيوي، وسط تزايد التهديدات الحوثية وتأزم الملفات الإقليمية من غزة إلى اليمن والقرن الإفريقي، فكيف ترى القاهرة مستقبل الأمن البحري؟ وما حدود قدرة دول المنطقة على حماية مصالحها دون تدخل خارجي؟
موقف مصري ثابت وغير قابل للمساومة
أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أن أمن البحر الأحمر “مسؤولية الدول المطلة فقط”، واصفًا أي وجود عسكري مستدام لدول غير مشاطئة بأنه “خط أحمر”، وأضاف أن هذا الموقف تم إبلاغه لجميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك تركيا، في رسالة واضحة تشير إلى أن القاهرة لن تسمح بتحول البحر الأحمر إلى ساحة سباق عسكري.
ويوضح هاني سليمان، الباحث السياسي المصري، في حديث لوكالة ستيب نيوز، أن الموقف المصري لا ينبع فقط من الاعتبارات الأمنية الظاهرة، بل من رؤية استراتيجية شاملة ترتبط بالأمن القومي.
ويقول: “مصر تتبنى موقفًا ثابتًا برفض إقامة قواعد عسكرية لأي دولة غير مشاطئة على البحر الأحمر، وهو موقف يعكس رؤية استراتيجية منسجمة مع مصالحها القومية، وليس مجرد انعكاس لجودة العلاقة مع الولايات المتحدة. الوجود العسكري الأمريكي، خاصة في مناطق غير معلنة، يشكل عبئًا على المصالح العربية، لا سيما حين تتقاطع المصالح الأمريكية مع الأهداف الإسرائيلية، مما يهدد الأمن القومي المصري والعربي ككل”.
حدود قدرة الدول المشاطئة على تشكيل إطار أمني مستقل
يرى الدكتور عادل عبد الصادق، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، خلال حديث مع وكالة ستيب نيوز أن هناك تحديات بنيوية تواجه تشكيل نظام أمني مستقل بقيادة الدول الساحلية.
ويقول: “هناك تفاوت كبير في القدرات العسكرية بين تلك الدول، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في اليمن والسودان والصومال، فضلاً عن محاولات دول كبرى إفساد هذا المشروع عبر الزج بإسرائيل فيه، وكذلك مساعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري بما ينتهك سيادة الصومال”.
من جانبه يرى هاني سليمان أن القدرة المادية والعسكرية والسياسية موجودة بالفعل لدى الدول الساحلية، لكنه أشار إلى أن غياب الإرادة السياسية هو العائق الأكبر ويقول: “الدول المشاطئة، وعلى رأسها مصر والسعودية، تمتلك القدرة على إقامة تحالف أمني إقليمي، لكن الإشكالية تكمن في غياب الإرادة السياسية الجماعية. هناك حسابات مختلفة بين هذه الدول قد لا تكون متطابقة، ما يؤدي إلى غياب التنسيق المشترك. فإقامة تحالف أمني يتطلب التزامات واشتباكات محتملة، وهو ما لا ترغب به بعض الأطراف حاليًا”.
وأضاف سليمان أن علاقات مصر والسعودية القوية لا تكفي وحدها لتشكيل هذا الإطار، في ظل الضغوط الخارجية من الولايات المتحدة ولاعبين إقليميين مثل إيران.
توتر مصريأمريكي غير معلن رغم التعاون الاستراتيجي
وعن تفسير التوتر غير المعلن بين مصر والولايات المتحدة، رغم تحالفهما العسكري الوثيق، يرى عبد الصادق أن موقف القاهرة ينبع من قناعة استراتيجية.
ويقول: “مصر ترى أن المتسبب في حالة عدم الاستقرار والأمن في المنطقة لا يمكن أن يكون عنصر استقرار لها. استمرار حرب الإبادة ضد الفلسطينيين بدعم أمريكي يخلق توترات وتصعيدًا إقليميًا يدفع الحوثيين إلى الدخول في المواجهة، ويهدد أمن البحر الأحمر”.
وأضاف عبد الصادق أن عسكرة البحر الأحمر ستضر بالتجارة العالمية، مؤكدًا أن مصر رغم تعاونها العسكري مع واشنطن ترفض إقامة قواعد أمريكية أو روسية أو صينية على أراضيها، وتمتلك قاعدة برنيس الاستراتيجية التي تؤمن سواحلها الجنوبية.
كما حذر من خطط أمريكية لتحويل منطقة الدعم اللوجستي جينكينز بالسعودية إلى قاعدة عسكرية متكاملة، معتبرًا ذلك محاولة لاستنساخ قواعد الخليج في البحر الأحمر، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر والتصعيد.
بينما يرى هاني سليمان أن عسكرة البحر الأحمر عبر القواعد الأمريكية لا توفر استقرارًا حقيقيًا، بل تعزز الاستقطاب والتنافس الدولي، ويقول: “الولايات المتحدة تروج لوجودها بوصفه عامل استقرار، لكنه في الحقيقة يعزز التوترات الإقليمية والدولية، خاصة في ظل النزاعات مع الصين وروسيا. هذا يبرر الرفض المصري والعربي لأي وجود عسكري أجنبي دائم في المنطقة”.
غياب إطار قانوني ملزم.. تهديد للاستقرار البحري
وحول غياب إطار قانوني لإدارة أمن البحر الأحمر، يرى عبد الصادق أن هذا الوضع يعزز فرص الصدامات بين القوى الإقليمية والدولية.
ويقول: “كل دولة تتحرك بشكل فردي للحفاظ على مصالحها، ما يزيد احتمالية التصادم، خاصة مع التنافس بين مشروع طريق الحرير الصيني وطريق الهندأوروبا المدعوم أمريكيًا”.
وأضاف سليمان أن غياب الإطار القانوني يفتح المجال أمام القوى الكبرى لفرض نفوذها بلا ضوابط: “هذا الوضع يجعل المنطقة مفتوحة لاجتهادات القوى المختلفة، ويؤدي إلى عسكرة البحر الأحمر وصدامات إقليمية ودولية، بدلًا من تحقيق الأمن والاستقرار”.
الوجود التركي في القرن الإفريقي.. مصالح قومية أم مشروع توسعي؟
وفيما يخص التوسع التركي في القرن الإفريقي، يرى عبد الصادق أن التحسن الأخير في علاقات تركيا مع مصر والخليج قد يخفف التوترات الإقليمية.
لكن هاني سليمان يعتبر أن أهداف أنقرة تتجاوز مجرد المصالح الاقتصادية أو القومية ويقول: “الوجود التركي في القرن الإفريقي ينبع من سياسة خارجية تسعى لاستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية. هذا التوسع قد يصطدم بالمصالح العربية مستقبلًا، خاصة في ظل المشروع الأيديولوجي التركي القائم على النفوذ والتوسع، ما قد يهدد الأمن القومي العربي رغم المهادنة الظاهرة حاليًا”.
عسكرة البحر الأحمر وتأثيرها على أمن الملاحة العالمية
وحول تأثير عسكرة البحر الأحمر، يرى عبد الصادق أنها تمثل تهديدًا مباشرًا للتجارة الدولية، خاصة في ظل التوتر الإيراني الأمريكي، وتصاعد الهجمات الحوثية.
ويقول: “البحر الأحمر ممر دولي لا بديل له. التوترات الجيوسياسية مثل الصراع الإيراني الأمريكي، والحرب الإسرائيلية الفلسطينية، كلها تؤثر على أمنه. الحلول السياسية هي الطريق الوحيد للاستقرار، وليس القوة العسكرية”.
ويؤكد سليمان أن عسكرة البحر الأحمر عبر التوسع العسكري الأمريكي يهدد الاستقرار الإقليمي والمصالح التجارية لدول المنطقة والعالم، داعيًا الدول العربية إلى تحويل التنافس على الموانئ إلى فرص اقتصادية داعمة لسيادتها بدل الارتهان للقواعد الأجنبية.
وبينما تواصل مصر تأكيد أن أمن البحر الأحمر “خطاً أحمر”، يظل غياب توافق إقليمي وإطار قانوني ملزم، في ظل التنافس الدولي والتوسع العسكري الأمريكي والتركي، عامل تهديد حقيقي لاستقرار التجارة العالمية وأمن الدول الساحلية.
ومع ارتفاع مخاطر التصعيد في غزة واليمن والسودان، يبدو البحر الأحمر مقبلًا على مرحلة من الاختبارات الصعبة بين حماية السيادة الوطنية للدول المشاطئة وسباق عسكرة الممر المائي الأكثر حساسية في العالم.
اقرأ ايضاً|| هل تستعد مصر لحرب مع إسرائيل؟.. تقارير تثير “ذعر” تل أبيب وخبير مصري يكشف “الحقيقة”
إعداد: جهاد عبد الله
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية