تحدث صناع فيلم “الست” للمخرج مروان حامد، وبطولة منى زكي، وكتابة الروائي والسيناريست أحمد مراد، لـ”الشرق” عن العمل بعد عرضه العالمي الأول للصحافة ضمن فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، مؤكدين أن مقاربة شخصية أم كلثوم تنطلق من بعدها الإنساني وعلاقتها بجيل اليوم، لا من تكرار ما قُدِّم عنها سابقاً.
قال المخرج مروان حامد إن ما استوقفه في شخصية أم كلثوم هو بعدها الإنساني قبل أي شيء آخر، موضحاً أن مشوارها يكشف قدرة استثنائية على تجاوز العقبات بفضل إرادة صلبة واستعداد دائم لاتخاذ قرارات صعبة تتضمن كثيراً من التضحية، وهو ما يفسّر – برأيه – حجم نجاحها وتأثيرها المستمر.
وأضاف لـ”الشرق” أن مرور خمسين عاماً على رحيلها لم يَحُلْ دون حضورها القوي في الوجدان والثقافة الشعبية العربية، معتبراً أن جزءاً من هذا الخلود يعود إلى براعتها كمطربة، وجزءاً آخر إلى ما فرضته من حضور كشخصية قوية ومؤثرة في المجتمع، وهي العناصر التي جعلت منها مادة ملهمة لصناعة فيلم سينمائي يأمل أن يكون بدوره مُلهِماً للجمهور.
لغة اليوم
من جانبه، شدّد الكاتب أحمد مراد على أن الفيلم لا يدخل في منافسة مع الأعمال السابقة التي تناولت سيرة “سيدة الغناء العربي”، بل يكمّلها من زاوية أخرى تلائم أسئلة الجيل الحالي.
وأوضح أن كل عمل قُدِّم عن أم كلثوم كان مناسباً لزمنه ومؤثراً فيه، وأن المسلسل التلفزيوني الشهير عنها ما زال حاضراً في ذاكرة الجمهور حتى اليوم، لكن مساحة الإبداع في حياة أم كلثوم تسمح – في رأيه – بإنتاج أفلام ومسرحيات عنها لعشرين سنة مقبلة، لأنها ما زالت مستقرة على قمة المشهد الغنائي العربي، فيما تستمر حفلات أغنياتها في تحقيق إقبال يصل إلى شباك مغلق.
مراد أكد أن “الست” يسعى إلى مخاطبة الأجيال الحالية “بلغة اليوم”، من خلال تقديم الألحان التي ارتبطت بها الأذن العربية قبل أربعة عقود بإيقاعات أو معالجة موسيقية جديدة تناسب ذائقة جيل مختلف، معتبراً أن السؤال ليس “ما الجديد من معلومات أو أسرار عن أم كلثوم؟” بقدر ما هو طبيعة العلاقة التي يبنيها الجيل الحالي معها.
وتطرّق مراد إلى إشكالية “تقديس” الشخصيات التي تُقدَّم سيرتها على الشاشة، مذكّراً بأن حتى الأنبياء كانت لهم لحظات ضعف وتناقض إنساني، وأن الجمهور الذي اعتاد النظر إلى شخصية عاش معها طويلاً بنوع من التقديس، قد يجد صعوبة في تقبّل صورة إنسانية تُظهِر مناطق القوّة والضعف معاً. واعتبر أن جزءاً من رهانه الدرامي يقوم على كسر هذا الحاجز، وتقديم أم كلثوم كإنسانة تُصيب وتُخطئ، لا كأيقونة معصومة من أي هشاشة.
الأحاسيس الداخلية
أما النجمة منى زكي، التي تجسّد شخصية أم كلثوم في الفيلم، فقالت إن مقاربتها للدور اعتمدت أساساً على الاشتغال على الأحاسيس الداخلية في كل مرحلة من مراحل حياة أم كلثوم التي يغطيها العمل، أكثر من التركيز على التقليد الحرفي للشكل الخارجي أو الإيماءات الشهيرة. وأوضحت أنها كانت مقتنعة بأن صدقية الإحساس هي التي ستمنح الشخصية حياتها على الشاشة، لذلك عملت على الإمساك بحالة كل مرحلة عُمريّة تمر بها أم كلثوم، من الطفولة إلى النضج.
وكشفت زكي أنها خضعت لتدريبات مكثفة على الإلقاء استمرت نحو سنة وثلاثة أشهر، لتتمكن من التحدّث بصوت مغاير لصوتها وبطبقات صوتية تعكس تغيّر العمر، إلى جانب تلقيها دروساً في التمثيل والعمل على الجسد. وقالت إنها مرّت خلال هذه الفترة بلحظات إحباط كانت تشعر فيها أنها لا تحقق التقدم المطلوب، لكن مدرّبها كان يذكّرها بأن ما تقوم به “خطوات صغيرة لا تُرى أثناء التمرين، وتظهر نتائجها عند الوصول إلى لحظة التصوير”.
ومع بدء التصوير، تضيف زكي، تيقّنت أنها قطعت بالفعل مسافة كبيرة، وأن هذه الخطوات المتراكمة – التي شبّهتها بخطوات طفل يتعلّم المشي – أوصلتها في النهاية إلى المستوى الذي كانت تطمح لبلوغه في تجسيد “الست”.
