صندوق للتعافي المبكر أمانته خارج سوريا لمنع التسييس
– جنى العيسى
تنوي الأمم المتحدة إطلاق برنامج خاص للتعافي المبكر في سوريا، بهدف إقامة مشاريع في عدد من القطاعات قبل حلول الصيف المقبل.
تمويل هذه المشاريع سيتم من خلال إنشاء صندوق خاص يوفر لبعض المانحين غير التقليديين كدول الخليج، آلية آمنة وشرعية تحت مظلة دولية تقدم المساعدات التي لا تستطيع تقديمها حاليًا بسبب العقوبات الغربية المفروضة على النظام السوري.
كما قد يوفر الصندوق للمنظمات والبنوك كالبنك الدولي تقديم مساعدات جرى رصدها لسوريا ولضحايا الزلزال، لكن لم يتم تقديمها حتى الآن بسبب العقوبات.
يعرّف مكتب الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) مصطلح التعافي المبكر على أنه “نهج يتناول احتياجات الإنعاش التي تبرز خلال مرحلة الاستجابة الإنسانية من خلال استخدام الآليات الإنسانية التي تتوافق مع مبادئ التنمية، هذا النهج يمكّن الناس من الاستفادة من العمل الإنساني لاغتنام الفرص الإنمائية، وبناء القدرة على التكيّف، وإنشاء عملية مستدامة للتعافي من الأزمة”.
منها تجنب العقوبات.. أربعة أهداف
منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، قال في مراسلة إلكترونية مع، إن الصندوق الائتماني المخصص للتعافي المبكر المقرر إطلاقه في سوريا له عدة أهداف.
تتمثل هذه الأهداف وفق عبد المولى، بتحفيز النهج التعاوني بين الجهات الفاعلة الإنسانية (التي أنفقت مئات الملايين على أنشطة التعافي المبكر الفردية المفككة دون تحقيق تأثير ملموس)، وتزويد الجهات المانحة الثنائية غير القادرة على توجيه الموارد إلى سوريا بسبب نظام العقوبات، بقناة بديلة تحت رعاية متعددة الأطراف وعبر الأمم المتحدة.
كما يهدف الصندوق إلى السماح للمانحين والأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بأن يقرروا معًا ما ينبغي تمويله وأين، ومواصلة التركيز على القطاعات الرئيسة للتعافي المبكر (الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية وسبل العيش والكهرباء)، وفق عبد المولى.
أمانة الصندوق خارج سوريا
تستند استراتيجية التعافي المبكر إلى الركيزة الثالثة للخطط الإنسانية المتعاقبة، وثلاثة قرارات لمجلس الأمن، وتوجيهات من الأمين العام للأمم المتحدة، وفق ما أوضحه منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا.
وتعد هذه الاستراتيجية مبادرة إنسانية تسعى إلى توسيع نطاق عمل المجتمع الإنساني في بعض القطاعات الرئيسة، التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير تحويلي (مثل الحد من عبء الحالات الإنسانية، والمساهمة في تهيئة الظروف التي من شأنها أن تسمح بعودة اللاجئين والنازحين داخليًا، وغير ذلك).
وبما أن هذا الأمر يرتكز على جدول أعمال الأمم المتحدة الإنساني المشترك، فإنه يجب أن تحكمه المبادئ الإنسانية الأساسية المتمثلة في الاستقلال والحياد والإنسانية، وفق عبد المولى، ولذلك يتعين حماية التعافي المبكر من أي محاولة للتسييس.
ومن أجل تحقيق هذه الحماية، يعتقد عبد المولى أن أمانة الصندوق يجب أن تكون خارج سوريا.
وتهدف كل من الاستراتيجية والصندوق إلى إفادة سوريا بأكملها بغض النظر عمن يسيطر على أي جزء منها، إذ يجب أن تتمتع الجهات الفاعلة الإنسانية على الأرض بالاستقلالية الكاملة لتطوير برامج ومشاريع التعافي المبكر الخاصة بها، وينبغي أن تتمتع بالمساواة في الوصول إلى الصندوق.
وحول سعي الأمم المتحدة لضمان عدم تأثر المساعدات بالشؤون السياسية، قال عبد المولى، “نحن لا نسعى للحصول على موافقات أو ضمانات من أي جهة”.
الأموال خليجية
يوفر الصندوق لبعض المانحين غير التقليديين (المقصود بها دول الخليج)، الذين عادة ما يفضلون أن يقدموا المساعدات مباشرة إلى حكومة النظام لكنهم لا يستطيعون ذلك بسبب العقوبات، آلية أمنة وشرعية تحت مظلة دولية بأن يقدموا المساعدات للشعب.
كانت المشاورات مع دول مجلس التعاون الخليجي حتى الآن غير رسمية، وأخطط لإجراء مناقشات رسمية معهم بمجرد الانتهاء من وضع استراتيجية التعافي المبكر والموافقة عليها والصندوق الائتماني المصاحب لها.
تفضل دول الخليج عادة توجيه الموارد بشكل ثنائي، وهذا غير ممكن لأن سوريا تخضع للعقوبات، وقد تم إلغاء “سويفت” عنها، ويقدم الصندوق الائتماني المقترح بديلًا.
آدم عبد المولى
منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا
وفق تقرير مشترك أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ومركز الدراسات السورية بجامعة “سانت آندروز”، في أيلول 2020، تكبدت سوريا خسائر اقتصادية تقدّر بنحو 442 مليار دولار خلال ثماني سنوات، بسبب حرب “أتت على الأخضر واليابس، وكلّفت البلاد مكاسبها الاجتماعية والاقتصادية التي تحققت بشق الأنفس”.
خفض المساعدات والتقارب وراءه
رئيس تحرير نشرة “سيريا ريبورت” الاقتصادية، جهاد يازجي، اعتبر أن توجه الأمم المتحدة لوضع استراتيجية خاصة بالتعافي المبكر وراءه سببان، أولهما انخفاض تدريجي بحجم المساعدات بالتزامن مع زيادة حجم الاحتياجات.
ومن بدائل المساعدات، استدامة النشاط الاقتصادي السوري، الأمر الذي يعتبر محاولة لخلق إنتاج محلي، وتطوير الحركة الاقتصادية التي تساعد على توظيف أشخاص أكثر، وتقليل اعتمادهم على المساعدات الإنسانية التي تتراجع عامًا بعد عام.
يتعلق السبب الثاني، وفق حديث يازجي ل، بالتقارب العربي مع النظام السوري، معتبرًا أنه فرصة لضخ أموال خليجية على قطاعات استثمارية في البلاد، فبدل أن توضع هذه الأموال على جهود إنسانية توضع في إطار مشاريع اقتصادية.
وتعمل الأمم المتحدة تحت ضغط الكثير من الدول وليس فقط الدول الغربية، بالمقابل لا تضع الدول الخليجية أموالها فيما يتعلق بالشؤون الإنسانية خلال السنوات الماضية، وسط صعوبات بقطاع الاستثمار بسبب العقوبات الغربية، وفق يازجي.
ثلاثة فروق بين التعافي المبكر وإعادة الإعمار
في كانون الثاني 2023، رفع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، مايكل ماكول، كتابًا إلى وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، جاء فيه أن السماح بمزيد من الاستثمار في سوريا بأي طريقة هو شكل من أشكال التطبيع مع بشار الأسد، “الأمر الذي يقلل من وضعه كمنبوذ”.
وقال إن دعم التنمية الطويلة المدى في سوريا لتشمل أي شكل من أشكال إعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام، غير مقبول في ظل غياب حل سياسي دائم يتماشى مع قرار مجلس الأمن “2254”، حيث يواصل الأسد وأنصاره ارتكاب جرائم حرب في جميع أنحاء سوريا لأنهم يستفيدون من المساعدات الدولية.
ويحمل مصطلح “التعافي المبكر” ضبابية في تفسيره، إذ لا يوجد توافق واضح على تعريفه في الدوائر الإنسانية، بحسب ما يذكره تقرير لمركز “السياسات وبحوث العمليات”، إذ من الممكن أن يُنظر إلى مساعدات التعافي المبكر على أنها تندرج بين إعادة الإعمار من جهة والمساعدات الأممية العادية التي تقدم الغذاء وخدمات المياه والمأوى والصرف الصحي والنظافة من جهة أُخرى.
ثلاثة فروق بين التعافي المبكر وإعادة الإعمار
- يقع وضع خطط إعادة الإعمار وتنفيذها على عاتق الدولة، بينما يتم تخطيط وتنفيذ التعافي المبكر من قبل منظمات الإغاثة، سواء كانت مركزية تأتمر بأمر هيئة إدارية واحدة كالأمم المتحدة مثلًا، أو من قبل منظمات فردية.
- التعافي المبكر شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، أما إعادة الإعمار فليست كذلك، إذ يمكن أن تأتي إعادة الإعمار على شكل قروض ميسرة من منظمات منفردة أو متعددة الأطراف كصندوق النقد أو البنك الدولي، أما التعافي المبكر فما هو إلا نوع من أنواع المساعدة الإنسانية التي لا تستلزم السداد لاحقًا.
- تترتب أولويات التعافي المبكر تبعًا للاحتياجات الإنسانية، حاله في ذلك حال أشكال المساعدات الإنسانية الأخرى، أما إعادة الإعمار فليست كذلك بالضرورة.
المصدر: مركز السياسات وبحوث العمليات (OPC)
كف يد النظام شرط النجاح
يرى الاقتصادي جهاد يازجي أن الدول الخليجية قد تضع أموالها عن طريق شبكاتها المتعلقة برجال أعمال سوريين أو خليجين، وذلك عبر دعم مشاريع تستفيد منها قطاعات اقتصادية معينة.
ويعتقد يازجي أن رفض دول الخليج تمويل الجهد الإنساني في سوريا كل هذه السنوات، دلالة على أن تمويل المساعدات عامل ليس مهمًا بالنسبة لدول الخليج، إنما ما يهمها الدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها الاقتصادية.
تمويل المشاريع الاقتصادية ليس أمرًا سيئًا بالمطلق، إنما التحدي هنا حول الآلية الواضحة التي تؤدي بالنتيجة إلى تجنب ذهاب التمويل نحو شركات وشبكات لها علاقة بالنظام.
جهاد يازجي
رئيس تحرير نشرة “سيريا ريبورت” الاقتصادية
يتطلب تجنب استفادة هذه الشبكات من التمويل مراقبة كبيرة للشركات المستفيدة من المشاريع، ومعرفة كيف ستدار أموال هذا الصندوق، وفق يازجي.
16.7 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة
في سوريا، يحتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، بزيادة قدرها 9% على عام 2023، وفق تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وذكرت المفوضية أن عام 2024 يدل على أن المؤشرات الإنسانية والاقتصادية في البلاد مستمرة في التدهور، وأن الوضع الاقتصادي “خطير على نحو متزايد”، ويشكل محركًا رئيسًا للاحتياجات.
ويحتاج 80% من السكان السوريين إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية في عام 2024، وفقًا لنظرة عامة على الاحتياجات الإنسانية لعام 2024 (HNO).
ويعاني نحو 55% من السكان في سوريا أو 12.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، منهم 3.1 مليون يعانون بشدة من انعدام الأمن الغذائي.
ويلجأ معظم السوريين إلى الاعتماد على أكثر من مصدر لمحاولة الموازنة بين الدخل والمصاريف، وأبرز تلك المصادر الحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال ثانية، كما تستغني عائلات عن أساسيات في حياتها لتخفيض معدل إنفاقها.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي