شهد مهرجان فينيسيا السينمائي لحظة استثنائية مع العرض العالمي الأول لفيلم “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، الذي وثّق بالصوت والصورة المأساة الأخيرة لطفلة فلسطينية في الخامسة من عمرها حوصرت داخل سيارة تحت القصف الإسرائيلي في يناير 2024، وظلت لساعات تتوسل عبر الهاتف للمسعفين لإنقاذها.

الفيلم، الذي ينافس على جائزة الأسد الذهبي، استُقبل بحفاوة من النقاد والصحفيين الذين وقفوا تحية لصنّاعه ونجومه، في إشارة إلى حظوظه الكبيرة في الفوز بجائزة المهرجان المرموقة.

تسرد الأحداث، بمزيج من التسجيلات الأصلية وإعادة التمثيل، تفاصيل المكالمات التي أجرتها هند رجب مع مسعفي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بعد أن قُتل عمها وعمّتها وثلاثة من أبناء عمومتها بقصف السيارة التي كانت تستقلها. وظل المسعفون على الخط لساعات يواسونها إلى أن حصلوا على الضوء الأخضر لإرسال سيارة إسعاف، لكن الاتصال انقطع مع وصول المسعفين الذين قضوا بدورهم في قصف استهدف مركبتهم.

وقالت الممثلة الفلسطينية سجى الكيلاني في المؤتمر الصحفي للمهرجان: “قصة هند تحمل ثقل شعب بأكمله… السؤال الحقيقي هو كيف تركنا طفلة تتوسل من أجل الحياة؟”

دعم عالمي وحضور هوليوودي

أضفى الفيلم زخماً إضافياً بانضمام أسماء بارزة من هوليوود كمنتجين تنفيذيين، من بينهم براد بيت وخواكين فينيكس وروني مارا، الذين حضروا المؤتمر الصحفي تأكيداً لدعمهم.

وسُئلت المخرجة كوثر بن هنية إن كان هذا الدعم مؤشراً على “خسارة إسرائيل حرب الثقافة في هوليوود”، فأجابت: “آمل أن يكون لهذا الحضور معنى… الفن والسينما مهمان لأنهما يمنحان الضحايا صوتاً ووجهاً في مواجهة الروايات التي تصف موت أهل غزة كأضرار جانبية فقط.”

وأضافت بن هنية: “حين سمعت صوت هند للمرة الأولى، كان أكبر من صرخة طفلة واحدة. كان صوت غزة كلها تستنجد”.

صدى يتجاوز الشاشة

أثارت تسجيلات صوت هند التي انتشرت عالمياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي موجة من الغضب والتضامن، ووصلت أصداؤها إلى احتجاجات طلابية في جامعات أميركية.

ويؤكد صنّاع الفيلم أن تحويل هذه المأساة إلى عمل سينمائي كان مسؤولية أخلاقية وفنية، وقال الممثل معتز ملحيس، الذي جسّد شخصية المسعف الأول: “عندما سمعت صوتها خلال التصوير، عادت بي الذاكرة إلى طفولتي… لم يكن تمثيلاً، بل معايشة كاملة”.

الفيلم لم يقتصر حضوره على مهرجان البندقية فقط، إذ يستعد لعرضه في مهرجان تورونتو السينمائي، كما اختير لتمثيل تونس في سباق الأوسكار عن فئة أفضل فيلم دولي.

بن هنية، التي رشحت سابقاً للأوسكار بفيلميها “الرجل الذي باع جلده” و”بنات ألفة”، قالت إن مشروع “صوت هند رجب” وُلد من شعور بالغضب والعجز، لكنها ترى أن الفن يبقى وسيلة لمواجهة التجريد من الإنسانية: “نحن نقول كفى. كفى هذه الإبادة الجماعية”.

شاركها.