أظهرت صور أقمار صناعية وبيانات، أدلة متزايدة على حجم “الفوضى” حول مراكز توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، وأن مجرد الحصول عليها أصبح “بالغ الخطورة”، وسط تقارير تفيد بأن مئات الفلسطينيين لقوا حتفهم بنيران إسرائيلية، وفي حوادث تدافع أثناء محاولتهم جمع الطعام، وفق مجلة “إيكونوميست”.

ومع تجاوز عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، 60 ألفاً، تقول السلطات الصحية في القطاع، إن عدداً متزايداً من الناس يموتون بسبب الجوع وسوء التغذية، حيث صدمت صور الأطفال الجائعين العالم، وأججت انتقادات دولية لإسرائيل بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية بشدة.

ونقلت المجلة البريطانية، الاثنين، عن “مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة” (ACLED)، وهي منظمة معنية بمراقبة الأزمات مقرها الولايات المتحدة، أن 800 فسلطيني من سكان غزة لقوا حتفهم أثناء محاولتهم جمع الطعام في يونيو الماضي، بحسب تقارير الهيئات الصحية في غزة.

وجاءت الوفيات وسط أزمة إنسانية متفاقمة في القطاع، وتقول الأمم المتحدة، إن جميع سكان غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائي، وأن ثلثهم أمضى أياماً دون تناول الطعام. 

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع، الاثنين، أن 14 شخصاً على الأقل ماتوا من الجوع وسوء التغذية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ما يرفع عدد من لقوا حتفهم بسبب الجوع إلى 147 شخصاً، بينهم 88 طفلاً، معظمهم خلال الأسابيع القليلة الماضية فقط.

وفي ظل التنديد العالمي بالأزمة الإنسانية، أعلنت إسرائيل، الأحد الماضي، هدنات إنسانية وسماحها بإنزالات جوية، وإجراءات أخرى تهدف إلى السماح بإيصال المزيد من المساعدات للفلسطينيين في غزة. ومنذ ذلك الحين، عبرت شاحنات إضافية وألقى الأردن والإمارات إمدادات من الجو. 

ارتفاع أعداد الوفيات

ووفق المجلة، تُظهر رسوم بيانية وخرائط، أن التدافع من أجل الحصول على تلك المساعدات خلال الأشهر الأخيرة أصبح “مميتاً” في كثير من الأحيان.

وأشارت إلى ارتفاع أعداد الوفيات في مواقع المساعدات بأكثر من 8 أضعاف خلال الفترة بين مايو ويونيو، بالتزامن مع بدء عمل “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، وهي مجموعة أنشئت لتوزيع المساعدات.

وتسيطر إسرائيل على كل منافذ الدخول إلى غزة، حيث استؤنفت عمليات إغاثة محدودة بقيادة الأمم المتحدة في 19 مايو، بعد إغلاق استمر 11 أسبوعاً. وبدأت مؤسسة غزة الإنسانية، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً وتدعمها إسرائيل والولايات المتحدة، توزيع المساعدات الغذائية بعد ذلك بأسبوع.

وافتتحت “مؤسسة غزة الإنسانية” 4 مراكز توزيع كبيرة (تُعرف باسم مواقع التوزيع الآمنة)، 3 منها في الجنوب وواحد في وسط غزة، مع وجود خطط لإنشاء المزيد.

ولا تزال بعض المساعدات توزع في مواقع الأمم المتحدة الأصغر حجماً، ولكن الإمدادات هناك أوشكت على النفاد، وتقول جهات تنظيمية إن إسرائيل حدّت من عمليات التسليم بشكل صارم منذ أشهر.

وتقع المراكز الأربعة التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، والتي سبق أن أمرت السكان بإخلائها، وهي متصلة بالمناطق غير العسكرية عبر ممرات تبدأ من مسافة تصل إلى 4 كيلومترات، ولا يمكن الوصول إليها إلا سيراً على الأقدام. 

وتُظهر صور الأقمار الصناعية الحشود التي تتجمع عند نقاط التفتيش. وداخل المركز، توجد صناديق من المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والمعكرونة وزيت الطهي. وتقول “مؤسسة غزة الإنسانية” إنها وزعت منذ مايو أكثر من 91 مليون وجبة، أي أقل من وجبة واحدة يومياً لكل شخص.

فوضى وانهيار للنظام

وغالباً ما ينهار النظام حول مراكز توزيع المساعدات، ففي 15 يوليو، رصدت “إيكونوميست” خلال زيارة إلى نقطة مراقبة إسرائيلية، حشداً يقتحم مركزاً تابعاً لمؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية بعد أن سمح الحراس لمجموعة من النساء بالانضمام إلى مقدمة الطابور، ثم أطلقوا الغاز المسيل للدموع، وتوقفوا عن توزيع الصناديق قبل إغلاق المركز.

ووفقاً للمجلة، يمكن أيضاً رؤية أدلة على الفوضى من الفضاء، حيث تظهر صور الأقمار الصناعية في 18 يوليو أحد مواقع المساعدات شمال رفح مكتظاً بمئات الأشخاص. وأفادت تقارير بأن العديد منهم قُتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي، بحسب “مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة”.

وتُظهر بيانات المشروع، أن معظم الوفيات المرتبطة بالمساعدات منذ 26 مايو الماضي، كانت بسبب إطلاق النار الإسرائيلي بالقرب من مراكز مؤسسة غزة الإنسانية. ويقول الجيش الإسرائيلي، إنه لا يطلق النار على الحشود إلا عندما يشكلون “تهديداً”، كما يشكك في صحة أعداد الضحايا الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية.

ولفتت المجلة إلى وفيات ناجمة عن عمليات تدافع، ففي 16 يوليو الجاري، لقي ما لا يقل عن 20 شخصاً مصرعهم، في تدافع في مركز تابع لمؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية.

ودعت أكثر من 240 جمعية خيرية ومنظمة غير حكومية إلى إغلاق “مؤسسة غزة الإنسانية”. وفي 21 يوليو الجاري، اتهمت 25 حكومة، من بينها بريطانيا وفرنسا، إسرائيل بـ”تقطير”، المساعدات ودعتها إلى التقيد بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني.

وحذّرت الهيئة الدولية الرائدة في مراقبة أزمات الغذاء، المعروفة باسم “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي”، من أن “السيناريو الأسوأ وهو حدوث مجاعة يتكشف حالياً في قطاع غزة”.

وذكر برنامج الأغذية العالمي، أن لديه 170 ألف طن من المواد الغذائية خارج غزة، وهو ما يكفي لإطعام كل السكان لمدة 3 أشهر لكنه لا يزال بحاجة إلى الحصول على تصريح لإدخالها إلى القطاع.

شاركها.