اخر الاخبار

صيام الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات

د. أكرم خولاني

يبتهج المسلمون جميعًا بقدوم شهر رمضان، ويقيمون طقوسًا خاصة بالإفطار والسحور، لكن هناك حالات خاصة لا يمكن الجزم بقدرتها على الصيام من عدمها بشكل عام، مثل النساء الحوامل والمرضعات والأطفال، إذ تتطلب كل حالة تقييمًا منفصلًا بناء على وضعها الصحي واحتياجاتها الغذائية.

وبينما تبقى المسائل الفقهية من اختصاص رجال الدين، فإننا هنا نناقش الأمر من الناحية الطبية، مع تقديم إرشادات تساعد في اتخاذ القرار المناسب لضمان صيام آمن دون الإضرار بالصحة.

هل يصوم الأطفال؟

تختلف قدرة الأطفال على الصيام تبعًا لعوامل عديدة، منها بنيتهم الصحية، والتغذية التي يحصلون عليها، وظروف الطقس المحيط بهم.

الأطفال دون سن السابعة لا يُنصح لهم بالصيام إطلاقًا، نظرًا إلى حاجتهم المستمرة إلى الغذاء والسوائل لدعم نموهم السليم. أما الأطفال بين سن السابعة والعاشرة، فقد يكون الصيام الكامل صعبًا عليهم، لذا يمكن تدريبهم عليه تدريجيًا بطرق مثل “صيام العصافير”، حيث يصوم الطفل حتى الظهر ثم يفطر قليلًا ليكمل صيامه حتى المغرب، أو “صيام درجات المئذنة”، حيث يُسمح له بتناول وجبة خفيفة بين الظهر والعصر ثم إكمال صيامه.

الهدف من ذلك هو تعويدهم على الصيام دون إجهاد أو مضاعفات صحية.

بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والـ12، يمكنهم الصيام طوال اليوم إذا لم يكن لديهم أي مشكلات صحية، لكن ينبغي للأهل مراقبة حالتهم جيدًا والتأكد من التزامهم بوجبة السحور الغنية بالبروتينات والكربوهيدرات، مثل البيض والحليب والجبن والحبوب الكاملة.

كما يجب أن تكون وجبة الإفطار متوازنة تحتوي على السوائل والشوربات لتعويض فقدان الماء، مع تجنب الأطعمة المالحة والتوابل التي قد تزيد من الشعور بالعطش خلال النهار.

يُفضّل أيضًا تقليل المجهود البدني خلال ساعات الصيام، خاصة في الأيام الحارة، وتنظيم النوم لضمان عدم تأثر التركيز الدراسي خلال رمضان.

ومن الضروري الانتباه لأي علامات على نقص السوائل أو انخفاض مستوى السكر في الدم، مثل الشعور بالخمول، الدوار، الصداع، أو فقدان التوازن، وفي هذه الحالات يجب أن يفطر الطفل فورًا.

أما الأطفال الأكبر من 12 عامًا والمراهقون فيمكنهم الصيام كالبالغين، ما لم يكن هناك مانع طبي يمنعهم من ذلك.

صيام الحوامل

بالنسبة للنساء الحوامل، يعتمد الأمر على الحالة الصحية للأم والجنين.

في حال كانت الحامل تتمتع بصحة جيدة ولا تعاني من أمراض مزمنة مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم، يمكنها الصيام بأمان، خاصة خلال الثلث الثاني من الحمل، حيث يكون الجسم قد تكيف مع الحمل بشكل أفضل.

ومع ذلك، فإن هناك حوامل لا يشعرن بأي صعوبة طوال فترة الحمل، بينما تعاني أخريات من مشكلات مثل الغثيان، التعب، أو الدوخة التي قد تجعل الصيام أكثر مشقة.

وللحد من أي آثار سلبية، يجب أن تحصل الحامل على قسط كافٍ من الراحة خلال النهار، وتحرص على شرب كمية كافية من الماء بعد الإفطار، إلى جانب تناول وجبات غذائية غنية بالبروتينات سهلة الهضم مثل اللحوم البيضاء والسمك والفاصولياء والبيض، بالإضافة إلى الخضراوات الطازجة والفواكه للحفاظ على مستوى الفيتامينات والمعادن في الجسم. وفي المقابل، يُنصح بالحد من تناول السكريات والدهون، لأنها قد تسبب اضطرابات هضمية.

إذا شعرت الحامل بأعراض مثل تعب شديد، صداع حاد، إقياء، دوخة، اضطراب في الرؤية، أو انخفاض ملحوظ في حركة الجنين خلال الأشهر الأخيرة من الحمل، فينبغي لها كسر الصيام فورًا واستشارة الطبيب.

أما إذا كانت تعاني من مشكلات صحية مثل فقر الدم، أمراض القلب، أو سكري الحمل، فمن الأفضل تجنب الصيام تمامًا، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة على صحتها وصحة الجنين.

المرأة المرضع

أما بالنسبة للمرأة المرضع، فإن تأثير الصيام يختلف حسب عمر الرضيع ومدى اعتماده على حليب الأم. خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل، يُوصى بأن تستمر الأم في الإرضاع الحصري، مما يجعل الصيام أكثر صعوبة بسبب حاجة الجسم لإنتاج كمية كافية من الحليب.

في هذه الحالة، قد تشعر المرضع بالتعب، الدوار، أو جفاف الحلق، وإذا لاحظت أي علامات تدل على الجفاف مثل العطش الشديد أو تغير لون البول إلى الداكن، فمن الضروري أن تفطر فورًا وتشرب كمية كافية من الماء.

أما إذا كان الطفل قد بدأ بتناول أطعمة أخرى بجانب الرضاعة، فإن تأثير الصيام يكون أقل، إذ يمكن تعويض نقص السوائل والعناصر الغذائية من خلال تغذية الطفل بأطعمة مكملة خلال النهار.

ولتجنب أي آثار سلبية للصيام على المرضع، يُنصح بشرب كمية كافية من الماء، لا تقل عن 8-10 أكواب يوميًا بين الإفطار والسحور، إلى جانب تناول وجبات متكاملة غنية بالكربوهيدرات المعقدة مثل الأرز والبطاطا والخبز الأسمر، وتناول منتجات الألبان والخضراوات الطازجة لتعويض نقص الفيتامينات والمعادن.

كما يجب الحصول على فترات راحة كافية خلال النهار، والحرص على تناول السحور لتجنب الإجهاد.

وإذا لاحظت الأم أن طفلها لا يحصل على كمية كافية من الحليب، مثل انخفاض عدد الحفاظات المبللة أو استمرار بكائه بسبب الجوع، فمن الأفضل استشارة الطبيب واتخاذ قرار مناسب بشأن الصيام.

ختامًا، يظل الصيام تجربة فردية تختلف من شخص لآخر وفقًا لاحتياجاته الصحية، لذا من الضروري أن يستمع الصائم إلى جسده وألا يتردد في الإفطار إذا شعر بأن الصيام قد يؤثر سلبًا على صحته، فالإسلام دين يسر، وقد أباح الإفطار لمن يجد مشقة في الصيام حفاظًا على صحته وسلامته.

إن الاهتمام بالتغذية السليمة، والحفاظ على الترطيب، ومراقبة الحالة الصحية في أثناء الصيام، يسهم في جعل رمضان شهرًا صحيًا وآمنًا للجميع.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *