ضربات تقترب من الروس “غير المبالين” في سوريا
– يامن مغربي
تشن إسرائيل ضربات جوية في سوريا ضد ما تقول إنها شحنات أسلحة ومخازن تتبع لإيران و”حزب الله”، تعترف ببعض الضربات ولا تعلّق في أحيان كثيرة، لكنها لم تؤثر على القواعد أو القوات الروسية في سوريا رغم اقترابها منها.
وتزايدت هذه الضربات خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع تكثيف إسرائيل استهدافاتها لمقار وشخصيات في “حزب الله”، واستعدادها لعمليات غزو بري جنوبي لبنان، بدأت تنفيذها في 1 من تشرين الأول الحالي.
وسط هذه الضربات والحرب المرشحة للانتقال من كونها بين جيش وحركات مسلحة في لبنان وفلسطين المحتلة، هزّ انفجار الساحل السوري وتحديدًا قرب قاعدة “حميميم” العسكرية، أكبر قاعدة لروسيا خارج حدودها، في 3 من تشرين الأول الحالي.
وقالت وكالة “سبوتنيك” الروسية، إن الدفاعات الجوية السورية تصدت لأهداف معادية قبالة سواحل مدينة جبلة في ريف اللاذقية.
وأضافت أن أحد الصواريخ سقط في أطراف المدينة، ما أدى إلى اندلاع حريق في الموقع، تزامنًا مع سماع أصوات انفجارات قوية.
ونقلت الوكالة عن مصدر أمني (لم تسمِّه) أن الدفاعات الجوية تعاملت لأكثر من نصف ساعة مع أهداف معادية يرجح أنها طائرات مسيرة حاولت تباعًا استهداف بعض المواقع على أطراف مدينة جبلة السورية.
ونشرت “سبوتنيك” تسجيلًا مصورًا قالت إنه يعود للانفجارات التي شهدتها المنطقة، ومحاولات الدفاع الجوي التصدي للهجوم.
من جانبها، نقلت وكالة الأنباء الروسية (تاس) الرسمية عن تقارير إعلامية، أن إسرائيل شنت ضربات على مدينة جبلة في سوريا، دون الإشارة إلى أن الضربات وقعت على مقربة من قاعدتها الجوية الرئيسة في المنطقة.
هل هاجمت إسرائيل أهدافًا روسية؟
الضربات التي استهدفت “حميميم” ركزت على ضرب الجانب السوري منها لا العسكري التابع لروسيا، إذ تقع القاعدة قرب مطار “الباسل” الدولي، وكانت سابقًا معدّة لهبوط الطائرات المروحية، قبل أن تقدم موسكو على توسعتها بعد دخول قواتها إلى جانب النظام السوري في 2015.
ولم تعلّق روسيا على الاستهداف بشكل رسمي، حتى لحظة نشر هذا التقرير.
استهداف القاعدة يأتي في ظل اتساع رقعة المعارك بين “حزب الله” وطهران من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وهو ما يعني وجود ارتدادات مستقبلية على النظام السوري، الذي تتقاسم كل من طهران وموسكو النفوذ ضمن مناطق سيطرته، سواء عسكريًا أم اقتصاديًا وحتى على مستوى المؤسسات الحكومية والخدمية، ويأتي كذلك وسط انشغال روسي بحربها ضد أوكرانيا.
الدكتور نصر اليوسف، الخبير بالشأن الروسي، قال ل، إن وسائل الإعلام الأساسية في روسيا لم تهتم بخبر الهجوم، وذكرت أن الغارة التي وصفتها بـ”المكثفة” من المرجح أنها إسرائيلية من البحر، مع إجماع من قبل هذه الوسائل على أنه استهداف لمطار “حميميم” لا القاعدة العسكرية الروسية، وإنما المواقع السورية وربما الجزء المدني.
وفق ما نقلته وسائل الإعلام الروسية، فإن الهجوم استهدف حمولة كانت قد أحضرتها إيران للتو، وهناك صور تشير إلى انفجارات هائلة نتيجة الضربة، ما يعني أن الشحنة لم تكن مساعدات إنسانية بل ربما ذخائر وغيرها، وفق اليوسف.
يمكن استهداف القاعدة بجزئها السوري، وفق الخبير بالشأن الروسي، وسبق أن وجهت إسرائيل ضربات على الأراضي السورية ضد أهداف إيرانية، لكن الجديد في الأمر أن الهدف كان قريبًا للغاية من “حميميم”.
وعمدت إسرائيل إلى استهداف مخازن أسلحة وشخصيات إيرانية وأخرى تابعة لـ”حزب الله” في سوريا.
على مقربة من الروس
كانت الدفاعات الجوية السورية تصدت لأهداف، لم تُعرف طبيعتها، في المنطقة الساحلية بالقرب من محافظة طرطوس، على مقربة من “حميميم”.
وقالت إذاعة “شام إف إم” المقربة من النظام، إن الدفاعات الجوية تصدت، في 24 من أيلول الماضي، لأهداف معادية بسماء محافظة طرطوس، وأضافت أن أصوات الانفجارات التي سمعت في مدينة جبلة ناجمة عن مساندة الدفاعات الجوية للتصدي لأهداف معادية من البحر بين جبلة وطرطوس.
وذكرت وكالة “سبوتنيك” الروسية أن جيش النظام تعامل مع جسم معادٍ، وأطلق صاروخًا اعتراضيًا واحدًا فوق المياه الإقليمية.
ونشرت الوكالة الروسية تسجيلًا مصورًا يظهر محاولات اعتراض أجسام طائرة في سماء طرطوس.
وعلى بعد أقل من 70 كيلومترًا عن “حميميم”، نفذت إسرائيل عملية إنزال جوي، في 8 من أيلول الماضي، استهدفت مركز البحوث العلمية في مصياف.
ونفذت العملية من قبل 100 عنصر من القوات الخاصة الإسرائيلية، بعد سلسلة من الضربات الجوية، واستمرت 15 دقيقة، على عمق نحو 60 مترًا تحت الأرض، بحسب ما أكدته صحيفة “نيويورك تايمز“، نقلًا عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين وإسرائيليين.
وتعتقد الصحيفة أن هذه العملية هي “الطلقة الأولى” في الحملة الإسرائيلية ضد “حزب الله” اللبناني وقادة إيران، خاصة أن المركز كان يستخدم لإنتاج الصواريخ ويتبع بالاسم فقط للنظام السوري.
وسبق أن انتقدت روسيا الغارات، إذ تندد موسكو بالضربات وتبدي عدم الرضا عنها، وتشير التصريحات الرسمية الروسية العلنية إلى عدم وجود اتفاق مع إسرائيل على السماح لها باستهداف مواقع في سوريا، لكن التفاهمات الروسية- الإسرائيلية لم تعد خفية أو حبيسة الغرف المغلقة، إنما كانت واضحة ومنذ سنوات.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، في حديث ل، أن القصف لو طال الجانب الروسي من “حميميم” لكانت العواقب كبيرة على العلاقات بين موسكو وإسرائيل.
ومن جهة ثانية، فالتصعيد الكبير بين إيران وإسرائيل ستكون له تداعيات على وجود روسيا في سوريا، وكلما اتسع نطاق تداعيات الحرب كان من الصعب على روسيا تحصيل مصالحها ودورها في سوريا من هذه التداعيات.
وتستغل إسرائيل انشغال موسكو بحربها ضد أوكرانيا لتتحرك بهوامش إضافية لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وفق علوش.
كيف تنظر موسكو إلى ما يحصل في المنطقة؟
لم يكن دخول روسيا إلى جانب النظام السوري في حربه بشكل مجاني، واستغلت موسكو حاجة الأسد لقواتها لتحقيق مصالحها المتمثلة بالوصول إلى المياه الدافئة، والبحر الأبيض المتوسط.
لكن دخول موسكو إلى سوريا لا يعني أنها المتنفذة الوحيدة في البلاد، فوجود إيران وميليشياتها وتغلغلها في المؤسسات الحكومية والخدمية، وضع كلا الطرفين بحالة من التنافس الدائم في سوريا، وضمن تحالفات في ملفات أخرى.
تواجه طهران ظروفًا صعبة، وربما هي الأصعب منذ الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988)، فتداعيات العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، في طهران، ثم استهداف كبار قادة “حزب الله” في بيروت وسوريا، جعلت موقف طهران حساسًا وصعبًا، مع انكفاء حليفها في سوريا عن التدخل كلامًا وفعلًا.
لا تُعرف ما النتيجة النهائية للمعركة الدائرة اليوم، التي قد تشمل نيرانها الأسد نفسه، ومصالح إيران في مناطق سيطرته، ما يجعل موسكو بدورها تنظر عن قرب إلى ما يحصل.
وفق الخبير نصر اليوسف، فإن الموقف الروسي المعلن هو رفض وتنديد ما تفعله إسرائيل، كما أن هناك تصعيدًا في اللهجة الروسية ورفضًا واضحًا حتى في مجلس الأمن ضد ما تقوم به إسرائيل، بدعوى أن ذلك يمكن أن يجر المنطقة إلى حرب واسعة تزهق مئات آلاف الأرواح.
إلى جانب هذا الحراك، تصدر بيانات تنديد واستهجان روسية لما تقوم به إسرائيل، وعقب كل ضربة كبيرة يصدر بيان من الخارجية الروسية، لكنها تقع ضمن إطار “رفع العتب”، بحسب اليوسف.
وسبق أن دخلت موسكو على خط الصراع الحالي، إذ نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في آب الماضي، تقريرًا قالت فيه إن روسيا تعمق علاقاتها مع إيران، وكانت أحدث الإشارات حينها اجتماع أمين مجلس الأمن الروسي، ووزير الدفاع السابق، سيرغي شويغو، مع الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ومع رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري.
وفق المجلة، ترى موسكو فائدة من الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط، لصرف النظر عن معاركها في أوكرانيا.
وفي 5 من آب الماضي، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إن إيران طلبت من روسيا أنظمة دفاع جوي متطورة استعدادًا لحرب محتملة ضد إسرائيل.
وأفاد مسؤولون إيرانيون للصحيفة الأمريكية، أن روسيا بدأت فعلًا بتسليم إيران أجهزة رادار متقدمة ومعدات دفاع جوي.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش أن ما يعني موسكو بشكل مباشر حماية مصالحها في سوريا، وأن تحافظ على دورها كضابط إيقاع بين الأطراف المتصارعة على امتداد الجغرافيا السورية.
وأضاف أن لموسكو دورًا في إيجاد هامش لتحرك إسرائيل في سوريا، إذ لا يمكن تخيل أن تتحرك الأولى بمفردها بمعزل عن التنسيق مع موسكو بما يتعلق بهذا الجانب.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي