تشهد منطقة الشرق الأوسط توترًا متصاعدًا بين الولايات المتحدة وإيران وسط مؤشرات متزايدة على احتمالية تنفيذ ضربة عسكرية قد تطال البنية التحتية النووية الإيرانية، وتتمدّد نحو أذرع طهران العسكرية في العراق واليمن، وبينما تستعد إسرائيل لما يبدو أنه “ساعة صفر” محتملة، يكتنف الغموض نوايا طهران وردود فعلها، وسط تراجع لافت في المسار الدبلوماسي وانسداد أفق المفاوضات النووية.
تحركات لافتة من واشنطن وإجلاء في المنطقة
خلال الأيام الماضية، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية أوامر بإجلاء موظفيها غير الأساسيين من سفاراتها في العراق والكويت والبحرين، كما منحت الإذن للعائلات بالمغادرة من القواعد الأميركية في الخليج.
وبحسب تقارير أمنية، فإن الخطوة تأتي في ظل معلومات استخبارية حول “تهديدات جدية” متنامية من إيران أو أذرعها في المنطقة.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور عبدالسلام طالب، المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز: “الاستعدادات العسكرية الأميركية في قواعدها بالخليج جاهزة على الدوام، والمسألة ليست حرباً شاملة، إنما مجرد ضربات محددة ولفترة قصيرة.”
الاستعدادات الإسرائيلية.. خطط جاهزة وتنسيق حذر
من جانبها، كثّفت إسرائيل من تحركاتها العسكرية، حيث أكدت مصادر غربية وإسرائيلية متطابقة أن الجيش الإسرائيلي أجرى مناورات واسعة النطاق تحاكي ضرب منشآت نووية تحت الأرض بوقت سابق. ويشير تقرير لصحيفة نيويورك بوست إلى أن إسرائيل تدرس توجيه ضربة “منفردة” لإيران حتى في حال غياب المشاركة الأميركية المباشرة.
ويرى الدكتور طالب أن “من سيشن الضربة بلا شك هو إسرائيل، بغطاء وحماية ودعم أميركي.”
وبحسب تقارير عسكرية، فإن واشنطن تجهّز “خيارات عملياتية” لتقديم الدعم الجوي أو الاستخباراتي إذا ما قررت إسرائيل المضي في الضربة.
وقد زادت من وتيرة التنسيق الأمني والعسكري مع تل أبيب، في ظل تعثر الجولة الأخيرة من المفاوضات النووية التي كانت مقررة في سلطنة عُمان.
الميليشيات في العراق.. الهدف الأول؟
في تطوّر موازٍ، تشير معطيات ميدانية إلى احتمالية استهداف الميليشيات الإيرانية في العراق كمرحلة أولى في أي تحرك عسكري. ويأتي هذا التوجه في ظل تهديدات واضحة من فصائل مسلحة موالية لطهران باستهداف المصالح الأميركية في حال تم ضرب إيران.
ويؤكد الدكتور عبدالسلام طالب هذه القراءة بقوله: “نعم، ستشمل الضربة ميليشيا إيران في العراق حتماً، كنوع من التأمين الوقائي لمنع أي ردات فعل غير متوقعة. بل أعتقد أن ضربات الميليشيات في العراق ستسبق ضرب إيران، إذ يجب شل حركتها ومنعها من القيام بأي عمل خاطئ.”
البرنامج النووي تحت نيران الصواريخ؟
تتمحور التقديرات الغربية حول أن أي ضربة عسكرية ستستهدف بشكل رئيسي البرنامج النووي الإيراني، وخاصة المنشآت الواقعة تحت الأرض مثل نطنز وفوردو.
وقد أشار تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران رفعت مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60%، وهو ما يزيد من احتمالية التصعيد.
ويرى د. طالب أن هدف الضربة يتجاوز التلويح التكتيكي، حيث يقول: “سوف تقوم إسرائيل بقصف المفاعلات كلها وتدمرها، ولن تُبقي شيئاً. لا برنامج ولا غيره.”
هل ترد إيران؟
رغم التصريحات النارية الصادرة عن قادة الحرس الثوري الإيراني، إلا أن ردود الفعل الإيرانية على ضربات سابقة بما فيها اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني كانت محدودة ومحسوبة.
ويعلق الدكتور طالب على ذلك بقوله: “إيران لن ترد، ولا تنسَ أنهم قتلوا رئيسها في عقر دارها وكان ردهم سخيفاً وهزيلاً ومضحكاً. وإن ردّت، فسيكون رداً محدوداً لحفظ ماء الوجه.”
التحول الإقليمي.. خارطة جديدة حتى 2027؟
بحسب مراقبين، فإن التحركات الأميركيةالإسرائيلية ليست فقط موجهة ضد إيران، بل تأتي ضمن إعادة رسم المشهد الإقليمي حتى عام 2027، وهو الموعد الذي أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة كأفق “نهاية المواجهة الكبرى”.
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور عبدالسلام طالب: “هناك تغيير كبير في الشرق الأوسط تخطط له أمريكا، لكن اليد الضاربة فيه ستكون إسرائيل. البعض قال إنها مجرد تهديدات، وأقول بل إنها الحقيقة. هذه المرة ستقوم إسرائيل بضرب إيران حتماً. من كان يعتقد أن إسرائيل ستضرب حزب الله، وهو الذي حمى حدودها وساهم في مسرحية الممانعة والمقاومة؟”
ويضيف: “حسابات إسرائيل هذه المرة مختلفة، وستدوم الحرب في الشرق الأوسط حتى منتصف عام 2027، كما صرّح نتنياهو. هذه خطة معدة مسبقاً وتُنفّذ بحذافيرها، ومنها طبعاً إسقاط نظام الأسد، وضرب حزب الله والحوثيين.”
على أعتاب التحول الحاسم
كل المؤشرات الميدانية والدبلوماسية تقود إلى استنتاج واحد: المنطقة تقف على حافة مواجهة كبرى، قد تبدأ بضربات محدودة لكنّها تحمل بذور تصعيد لا يمكن التحكم به. الضربة العسكرية إن نُفذت لن تكون ضد إيران وحدها، بل ضد كامل خارطة نفوذها في الشرق الأوسط.
وبينما يستعد حلفاء طهران في العراق واليمن، تترقب المنطقة اللحظة التي ستتحول فيها الحسابات الاستراتيجية إلى نار فوق الأرض.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية