ضغوط أوروبية على ميلوني لدعم البازوكا في مواجهة رسوم ترمب

تواجه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ضغوطاً متزايدة من شركاء بلادها في الاتحاد الأوروبي لـ”اختيار جانب” في الحرب التجارية عبر الأطلسي، في وقت تملك فيه فعلياً حق النقض ضد مسعى تقوده دول كبرى لدفع بروكسل إلى الرد بقوة على الرسوم الجمركية الأميركية، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وتعارض ميلوني، التي تربطها علاقات ودية بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، التحرك الفرنسي-الألماني لتصعيد رد الاتحاد الأوروبي على ما يُعرف بـ”الرسوم القائمة على أساس المعاملة بالمثل” البالغة 20%، والمقرر فرضها على صادرات التكتل.
وتدعو باريس وبرلين، مع عواصم أخرى داخل الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية إلى استهداف صادرات الخدمات الأميركية، مثل التكنولوجيا، رداً على إجراءات ترمب التي طالت تجارة بقيمة تتجاوز 360 مليار يورو.
وخلال اجتماع لسفراء الاتحاد الأوروبي، الخميس، أكدت فرنسا وألمانيا وإسبانيا وبلجيكا ضرورة استخدام التكتل أداة “الردع التجاري ومكافحة الإكراه” الخاصة به، المعروفة باسم “البازوكا” Bazooka، للمرة الأولى على الإطلاق، لتحقيق هذا الهدف، حسبما قال دبلوماسيان أوروبيان للصحيفة.
وأوضح الدبلوماسيان، أن استخدام هذه الأداة قد تُعرقله أقلية مرجّحة من الدول الأعضاء. ونظراً لحجم إيطاليا، فإنها ستكون “العضو الحاسم في معسكر الرافضين”، الذي يضم أيضاً رومانيا واليونان والمجر.
وقال أحدهما: “في مرحلة ما، سيتعين عليها أن تختار جانباً”، مضيفاً: “هناك حديث واسع الآن عن أن قطاع الخدمات سيكون الخطوة التالية”.
وقالت ميلوني في مقابلة مع “فايننشال تايمز”، الأسبوع الماضي، إن التلميح إلى أنها مضطرة للاختيار بين الولايات المتحدة وأوروبا هو تصرف “طفولي” و”سطحي”، مؤكدة أنها ستحمي مصالح إيطاليا.
وأضافت الزعيمة اليمينية القومية في إيطاليا، أنه “من مصلحة الجميع” تجاوز التوترات الحادة في العلاقات عبر الأطلسي، واصفة ردود فعل بعض القادة الأوروبيين تجاه ترمب بأنها “مُسيسة للغاية”.
وأوضحت أنها لا تعتبر الرئيس الأميركي “خصماً”، وأنها ستظل تحترم “الحليف الأول” لإيطاليا، قائلة: “أنا محافظة، وترمب زعيم جمهوري.. ولذا من المؤكد أنني أقرب إليه من كثيرين غيري، فأنا أتفهم الزعيم الذي يدافع عن مصالحه الوطنية.. لأنني أدافع عن مصالح بلادي أيضاً”.
ميلوني تدعو إلى التفاوض وتجنب التصعيد
وانتقدت ميلوني هذا الأسبوع، قرار ترمب بفرض رسوم جمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي لبلاده، واصفة إياه بأنه “خاطئ”، لكنها دعت في الوقت ذاته إلى التهدئة وإجراء مفاوضات صريحة، محذّرة من أن التصعيد قد يُلحق مزيداً من الضرر بالاقتصادات الأوروبية.
وذكرت في مقابلة مع هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيطالية Rai، الخميس: “لست مقتنعة بأن الخيار الأمثل هو الرد على الرسوم الجمركية برسوم مماثلة”، مشددة على أن إيطاليا تريد “إزالتها لا مضاعفتها”.
ورغم أنها كانت من أبرز المشككين في الاتحاد الأوروبي عندما كانت في صفوف المعارضة، فإن ميلوني “تعاونت” في بروكسل منذ وصولها إلى الحكم قبل عامين، وفقاً للدبلوماسي الثاني، والذي يرى أن “هشاشتها أمام الأسواق، في ظل مستويات الدين والعجز في إيطاليا”، ربما كان سبباً لـ”بقائها ضمن التكتل”.
ولكن إذا لم تُحرز المفاوضات تقدماً خلال الأسابيع المقبلة، فسيُطلب من ميلوني تأييد الرد على الولايات المتحدة، حسبما قال الدبلوماسيان، اللذان أضافا: “الأمر يتعلق بحماية إيطاليا، وهذا ما نفعله جميعاً من وقت إلى آخر، لكن علينا جميعاً أن نتكبد بعض الخسائر لنزيد الضغط على واشنطن. التجارة هي أول اختبار كبير”.
وتعكس مخاوف ميلوني من اندلاع حرب تجارية الرأي السائد بين مجموعات الأعمال في إيطاليا، التي لا تزال تعتبر الولايات المتحدة حليفاً وصديقاً، وثاني أكبر سوق لصادرات البلاد.
وقال ماركو سيموني، المستشار الاقتصادي السابق لرئيسَي وزراء إيطاليين من تيار يسار الوسط، للصحيفة البريطانية: “في هذه الحالة، هناك دولة واحدة تُلحق الضرر بنفسها على نحو هائل”.
وأضاف سيموني: “ماذا تفعل حين ترى صديقاً يؤذي نفسه، حتى لو كان ذلك يؤذيك؟ تقول له: لا تفعل هذا… لكن علينا أن نحافظ على هدوئنا. لا نبدأ الحروب”.
وحسبما يرى سيموني فإن “التداعيات المدمرة” للرسوم الجمركية على الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك إفلاس الشركات وفقدان الوظائف، ستخلق ضغطاً داخلياً كبيراً للتراجع عنها.
تحذيرات من “ركود اقتصادي” في أميركا
وتابع بالقول: “لننتظر ستة أشهر. ستكون الولايات المتحدة في حالة ركود علني، والشركات الأميركية ستتوسل إلى الحكومة لرفع الرسوم”.
وحذَّر سيموني من أن أي رد انتقامي سيمنح ترمب “أفضلية هائلة”، موضحاً: “عندما يضرب الركود أميركا، سيقول للناخبين إن الركود سببه الرد الأوروبي”.
من جهته، عبّر الملياردير إيلون ماسك، السبت، عن أمله في تأسيس نظام “خالٍ من الرسوم الجمركية” بين أميركا وأوروبا، من شأنه أن يُنشئ “منطقة تجارة حرة”.
وقال ماسك لنائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، خلال فعالية لحزب “الرابطة الإيطالي” اليميني المتطرف، الذي يقوده سالفيني، إن “من الأفضل، من وجهة نظري، أن تنتقل كل من أوروبا والولايات المتحدة إلى وضع خالٍ من الرسوم الجمركية.. هذا ما آمل أن يحدث”.
وبموجب خطط ترمب التي أُعلن عنها، الأربعاء، ستخضع إيطاليا، التي تتمتع بفائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة، لرسوم جمركية عامة بنسبة 20%، شأنها شأن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وأضاف ماسك، الذي أعرب مراراً عن دعمه للأحزاب اليمينية في جميع أنحاء أوروبا، أنه يأمل أيضاً في رؤية “حرية تنقل أكبر بين أوروبا والولايات المتحدة”.
كما أعرب ماسك، الذي دعم سابقاً أيضاً ميلوني وحزبها “إخوة إيطاليا”، عن دعمه لحزب “الرابطة” بزعامة سالفيني.
أداة “البازوكا”
وتتيح أداة مكافحة الإكراه “البازوكا” اتخاذ إجراءات انتقامية، مثل سحب حماية حقوق الملكية الفكرية، أو تقييد استخدامها تجارياً، من خلال حظر تنزيل البرمجيات أو خدمات البث.
كما يمكن لدول الاتحاد الأوروبي أن تمنع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أو تقيّد الوصول إلى السوق الأوروبية أمام البنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية الأخرى.
وكانت إيرلندا قد أعلنت معارضتها العلنية لاستخدام أداة مكافحة الإكراه “البازوكا”، التي أُقرت في عام 2023، وذلك قبل اجتماع وزراء التجارة الأوروبيين في لوكسمبورج، الاثنين.
وأبلغت ميلوني أعضاء حكومتها، مساء الجمعة، أن الاتحاد الأوروبي يجب أن ينتهز صدمة رسوم ترمب الجمركية كفرصة لمعالجة “الرسوم التي فرضتها (دول التكتل) على أنفسها”، داعية إلى التخلي عن القواعد البيئية “الأيديولوجية”، وتقليص التنظيمات “الخانقة”، وتسريع “السوق الموحدة”.
وكان ترمب قد فرض، حتى قبل الإعلان عن الرسوم العالمية هذا الأسبوع، رسوماً بنسبة 25% على واردات من الصلب والألومنيوم والسيارات.
في المقابل، أعلنت المفوضية الأوروبية أنها سترد على رسوم الصلب بفرض ضرائب على صادرات أميركية تصل قيمتها إلى 26 مليون يورو، بينما طالبت كل من إيرلندا وفرنسا وإيطاليا بحذف مشروب كحلي من قائمة المنتجات المستهدفة.
ومن المقرر أن ترسل المفوضية قائمتها النهائية للتدابير الانتقامية، والتي تختلف عن أي استخدام لأداة مكافحة الإكراه، إلى الدول الأعضاء، الاثنين، مع توقُّع بإجراء تصويت عليها في 9 أبريل الجاري.
وإذا تمت الموافقة عليها، ستصبح قانوناً في 15 أبريل الجاري، وتدخل حيز التنفيذ في 15 مايو المقبل، وفق الصحيفة البريطانية.