طاولة عراقية تحرك مسار التقارب بين أنقرة ودمشق
– حسام المحمود
أعادت مجموعة من التصريحات السياسية التي صدرت بتتابع، منذ مطلع حزيران الحالي، عن مسؤولين عراقيين وأتراك، ملف التقارب التركي مع النظام السوري إلى الواجهة مجددًا.
مساعي التقارب التي افتتحتها ورعتها موسكو، في 28 من كانون الأول 2022، أعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، انهيارها رسميًا في 29 من كانون الثاني الماضي.
رغم الإعلان الروسي الرسمي الذي أرجع سبب الانهيار بمضمونه إلى تمسك كلا الطرفين (تركيا والنظام السوري) بوجهات نظرهما وشروطهما حيال التطبيع، عزا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تعثر خطوات التطبيع واستحالتها حاليًا إلى الوضع في قطاع غزة، وفق ما نقلته وكالة “نوفوستي” الروسية في 2 من آذار الماضي.
الأوضاع التي تحدث عنها لافروف لم تتغير، وعلى العكس، تسير نحو الأسوأ بمنطق أرقام القتلى والدمار في غزة، والشروط الثابتة التي يأمل طرفا محادثات غزة (إسرائيل وحماس) بتحقيقها.
وعلى ضوء هذه المعطيات، تصدّر العراق مساعي تقارب جديدة لم تتحدد ملامحها وما إذا كانت ستبدأ من الصفر، أو ستتابع من حيث توقف مسار الطاولة الرباعية (تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري).
خطى متسارعة
في 5 من حزيران، ذكر مصدر حكومي عراقي أن اجتماعًا سيعقد قريبًا بين مسؤولين من النظام السوري وتركيا، في العاصمة العراقية، بغداد.
وبحسب ما نقلته وكالة “شفق نيوز” العراقية عن مصدر حكومي مطلع لم تسمِّه، فإن مساعي العراق لتذويب الخلافات بين سوريا وتركيا، ومحاولة إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، أثمرت عن لقاء سيجمع مسؤولين من دمشق وأنقرة في بغداد خلال الفترة المقبلة.
وأضافت الوكالة أن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، يسعى لمصالحة البلدين وعودة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها، ولهذا اتفق مع مسؤولين من النظام السوري وتركيا للجلوس على طاولة الحوار من خلال اجتماع في بغداد.
الوكالة العراقية أشارت إلى أن هناك “ترحيبًا كبيرًا” من قبل دمشق وأنقرة بالوساطة العراقية، مضيفة أن السوداني وفريقه الحكومي “توصلوا خلال الفترة الماضية إلى نتائج إيجابية بهذه الوساطة عبر اتصالات ولقاءات ثنائية غير معلنة”.
الحديث عن اجتماع من هذا النوع تزامن مع اتصال هاتفي بين رئيس النظام، بشار الأسد، ورئيس الوزراء العراقي، السوداني.
منصات “رئاسة الجمهورية” السورية عبر مواقع التواصل، قالت إن الاتصال تناول ملفات مشتركة، منها تعزيز أمن الحدود والجهود المبذولة لترسيخه، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وسبل تعزيز تعاون البلدين، والحرب الإسرائيلية على غزة، دون أي إشارة للمباحثات التي ترعاها وتستضيفها بغداد، ودون زيادة على ما نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع) بهذا الصدد.
وقبل يوم واحد فقط من الاتصال، وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني، في دمشق، قال وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إن الشرط الأساسي لأي حوار سوري- تركي هو إعلان أنقرة استعدادها للانسحاب من الأراضي السورية.
وأضاف المقداد خلال لقائه نظيره الإيراني، علي باقري كني، بدمشق، “نحن لا نتفاوض مع من يحتل أراضينا”، موضحًا أنه “لا يجوز استمرار احتلال تركيا لأراضينا ودعم القوى الإرهابية والمسلحة في الشمال السوري”.
المقداد طالب أيضًا بتعهدات تركية دقيقة تعكس التزام أنقرة بالانسحاب من الأراضي السورية “التي تحتلها”، ووقف دعمها للتنظيمات “الإرهابية”، وفق ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).
بطلب تركي؟
تأكيد النظام السوري على موقفه من التفاوض مع أنقرة، والذي كان يشدد عليه قبل وخلال وبعد كل لقاء من لقاءات مسار “الرباعية” في موسكو، جاء بعد تصريحات للسوداني، في 31 من أيار، كشف خلالها عن دور عراقي مستقبلي لتحقيق “مصالحة” بين تركيا والنظام السوري.
وقال السوداني خلال مقابلة مع صحيفة “haberturk” التركية، إن العراق لعب دورًا كبيرًا في إقامة علاقة بين السعودية وإيران، ولم يكن الوضع سهلًا، لكن العراق نجح في ذلك.
وأضاف، “نحاول خلق مثل هذا الأساس للمصالحة والحوار بين سوريا وتركيا”، لافتًا إلى إجرائه مناقشات مستمرة حول الأمر مع الرئيس التركي، ورئيس النظام السوري، وآملًا أن تكون هناك بعض الخطوات في هذا الصدد قريبًا.
بالنسبة لأنقرة، فالشروط التي طرحتها في حزيران 2023 لم تتغير، وأكد عليها وزير الدفاع التركي، يشار غولر، في 1 من حزيران، حين أبدى استعداد بلاده للانسحاب العسكري من سوريا، ضمن أطر وشروط محددة ليست جديدة بالنسبة لأنقرة.
وقال إن المفاوضات مع النظام السوري تجري بين أربعة أطراف، هي إيران وتركيا والنظام السوري وروسيا، والهدف التوصل إلى حل سياسي في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن (في إشارة إلى القرار 2254).
وأضاف غولر، “نحن مستعدون لدعم إقرار دستور شامل وإجراء انتخابات حرة وتوفير بيئة تطبيع وأمنية شاملة، وبعد أن يتم ذلك، ويجري ضمان أمن حدودنا بشكل كامل قد نفكر في الانسحاب إذا لزم الأمر”، وفق ما نقلته وسائل إعلام تركية، منها”Odatv” .
الباحث في العلاقات التركية محمود علوش، أوضح ل أن عرض رئيس الوزراء العراقي للوساطة بين أنقرة ودمشق قد يكون مدفوعًا بطلب تركي، كون ذلك تزامن بعد زيارة الرئيس التركي إلى العراق، دون إلغاء رغبة السوداني باستعراض مكانة بغداد على المستوى الإقليمي عبر محاولة لعب دور وساطة من هذا النوع، بما يتماشى مع السياسة الخارجية الجديدة لبغداد التي تسعى لبناء علاقات مع مختلف الجهات الفاعلة في المنطقة وتحاول تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة على المستوى الإقليمي.
وفي 22 من نيسان الماضي، زار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، العراق، لأول مرة منذ 12 عامًا، واستمرت الزيارة ليوم واحد، ورافقه حينها وفد من وزراء الحكومة التركية، واستمرت الزيارة ليوم واحد، والتقى خلالها رئيس الوزراء العراقي.
بديل عن “الرباعية”؟
حول إمكانية تحقيق بغداد لنجاح في مسألة التقارب بين الجانبين، بعد جهود روسية استمرت لأكثر من عام في هذا الإطار، ولم تثمر على الأرض بأبعد من لقاءات على مستوى وزراء الدفاع وزراء الخارجية، ونوابهم، وقادة استخبارات الأطراف الأربعة، يرى الباحث محمود علوش أن من الصعب على بغداد التوصل إلى نتائج مهمة في المسار، كون التعقيدات التي تواجه المسار كبيرة ولا تتعلق بكفاءة الوسطاء، مقدار ما تتعلق بصعوبة إيجاد أرضية مشتركة بين أنقرة ودمشق يمكن أن تدفع مسار الحوار.
الباحث أشار إلى وجود وضع جديد في سوريا، يتلخص باعتزام “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا إجراء انتخابات محلية، والشكوك المحيطة بمستقبل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، إلى جانب التحولات في العلاقات التركية- العراقية مؤخرًا، والتي ربما تخلق ديناميكيات جديدة في الصراع التركي مع حزب “العمال الكردستاني” (تضعه تركيا على لوائح الإرهاب، وترى في “الإدارة الذاتية” امتدادًا له في سوريا).
وتشكل هذه التحولات حافزًا لأنقرة ودمشق لإيجاد أرضية مشتركة، لأن مشروع الانفصال أصبح يشكل تهديدًا جديًا لوحدة الأراضي السورية، ما يضر بمصلحة النظام السوري وتركيا، وفق علوش.
وبعدما كان مقررًا إجراؤها في 11 من حزيران، أعلنت “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، في 6 من حزيران، تأجيل انتخابات البلديات في مناطق سيطرتها، دون تحديد موعد بديل ودقيق، معللة هذا التأجيل بأنه “استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، وحرص على تنفيذ العملية الانتخابية بشكل ديمقراطي”.
وعلى مدار الأيام الماضية، تعاقبت ردود الفعل المعارضة لهذه الخطوة، سواء من مؤسسات وجهات سياسية معارضة للنظام، كـ”الحكومة السورية المؤقتة” والمكتب السياسي لـ”الإخوان المسلمون” في سوريا، أو من دول فاعلة في المنطقة والملف السوري، إذ أكدت الولايات المتحدة أن أي انتخابات تجري في سوريا “يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة”، وهي شروط غير متوفرة في شمال شرقي سوريا حاليًا، وفق تصريحات للنائب الرئيسي للمتحدث الصحفي باسم الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، في 30 من أيار.
كما شدد الرئيس التركي في اليوم نفسه، على أن بلاده لن تسمح بإنشاء منظمة “إرهابية” شمالي سوريا والعراق، خارج حدودها الجنوبية، وأنه لا يمكن تحقيق أي شيء بفرض الأمر الواقع.
بلا إطار واسع لأي تقدم في المفاوضات بين أنقرة ودمشق لا يمكن لهذا المسار أن ينجح، وأعني الحاجة إلى انخراط روسي- إيراني أكبر إلى جانب بغداد لدفع المسار، دون إمكانية المراهنة على نجاح الحكومة العراقية بهذه الوساطة ما لم تكن هناك رغبة لدى أطراف الرباعية في دفع مسار الحوار.
محمود علوش
باحث في العلاقات التركية
الباحث محمود علوش استبعد أن ينسف الدور العراقي في هذا المجال، الحاجة للجنة الرباعية في مسار التقارب، والتي تتجلى مهمتها الحالية في وضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات التركية مع النظام، ما يجعلها حاجة، وهذا يعني استبعاد التوصل لأي تقدم حقيقي في هذا المسار بمعزل عن أي وساطة جديدة، إذا لم يكن هذا التقدم نتيجة لعمل “الرباعية”.
قطعت العلاقات رسميًا بين تركيا والنظام السوري، على خلفية التعاطي الأمني للنظام السوري مع الثورة الشعبية عام 2011، ودعم تركيا للاحتجاجات ثم دعمها لفصائل المعارضة وانتشارها في الشمال السوري إلى جانب تشكيلات عسكرية مدعومة منها.
ورغم الخلافات بين الجانبين، يتوافقان بضرورة تفكيك مشروع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال شرقي سوريا، الذي تعتبره أنقرة امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المحظور والمصنف إرهابيًا، وترى فيه دمشق مشروعًا انفصاليًا.
اقرأ المزيد: غزة مؤثرة في تقارب أنقرة- دمشق.. لماذا تصر موسكو؟
مرتبط
المصدر: عنب بلدي