طباعة العملة السورية في أوروبا.. ملف على الطاولة

– أمير حقوق
قال القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا، ميخائيل أونماخت، ل، في 16 من آذار الحالي، إن العملة السورية ستتم طباعتها في الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن الاتحاد الأوروبي علّق عقوبات على عدة قطاعات، كالنقل والطاقة والتبادل المالي بين البنك المركزي والبنوك الرسمية الأخرى، ما سيعطي فرصًا إضافية للتعاون الاقتصادي.
ووافقت دول الاتحاد الأوروبي، في 24 من شباط الماضي، على تعليق مجموعة من العقوبات المفروضة على سوريا، التي فرضت على دمشق خلال حكم رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، وشمل التعليق قطاعي النقل والطاقة، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء.
كما أزال الاتحاد خمسة كيانات خاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية من قوائم العقوبات، هي البنك الصناعي، وبنك التسليف الشعبي، وبنك الادخار، والبنك التعاوني الزراعي، والخطوط الجوية العربية السورية، وسمح بتوفير الأموال والموارد الاقتصادية للبنك المركزي السوري.
تواصلت مع مصرف سوريا المركزي، للحصول على رد رسمي حول توجه سوريا لطباعة عملتها المحلية في أوروبا، وشكل الاتفاقية الممكن انعقادها، ولكن لم تحصل على أي رد.
واقع العملة السورية يعكس الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، ويعتبر موضوعًا مهمًا للنقاش حول الحلول الاقتصادية المطلوبة للنهوض بالاقتصاد السوري واستقرار العملة.
فتحت ملف “طباعة العملة السورية في أوروبا”، لقراءة الأثر الاقتصادي وأبرز الانعكاسات والشروط الواجب توفرها.
عقود الطباعة نُفذت في روسيا
تسلمت سوريا شحنة جديدة من عملتها المحلية المطبوعة في روسيا، في 5 من آذار الحالي، ومن المتوقع وصول المزيد من الشحنات في المستقبل، وفق ما نقلته وكالة “رويترز”.
التعاقد على طباعة العملة السورية كان موقعًا منذ عدة سنوات قبل 8 من كانون أول 2024، ما بين روسيا والنظام السابق، وهذا ما يفسر تأخر السلطة الحالية عن طباعة عملة جديدة، باعتبار أن روسيا كان لديها بقية المخزون المتعاقد عليه من فئة 5 آلاف ليرة، التي تم توريدها مؤخرًا.
عابد فضلية
أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق”
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” الدكتور عابد فضلية، ذكر أن الطبعة الأخيرة التي وصلت منذ بضعة أسابيع، قيل إنها طبعت في إيران، وهو أمر غير صحيح.
وتابع فضلية ل، أن التعاقد على طبعها كان موقعًا منذ عدة سنوات قبل 8 من كانون الأول 2024، ما بين روسيا والنظام السابق، وهذا ما يفسر تأخر السلطة الحالية عن طباعة عملة جديدة، باعتبار أن روسيا كان لديها بقية المخزون المتعاقد عليه من فئة 5 آلاف ليرة، التي تم توريدها مؤخرًا.
وأكد أن جميع عقود الطباعة تم تنفيذها في روسيا، لأن الطباعة في أي دولة أوروبية أخرى لم يكن ممكنًا، بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية على سوريا، التي يعود تطبيقها في الحقيقة إلى عدة عقود سابقة لعقوبات “قيصر”.
عمليات الطباعة المستقبلية ستكون على الأغلب في إحدى الدول الأوروبية، ويتوقع أن تكون النمسا، بحسب فضلية، بناء على ما ذكره القائم بأعمال الاتحاد الأوروبي في سوريا، وكأنه يقول، توجد مفاوضات بشأن ذلك.
وفي 14 من شباط الماضي، وصلت أول شحنة أموال سورية من روسيا إلى مطار “دمشق”، دون أن يعلن المصرف عن كميتها أو مصدرها هل هي ناتجة عن عملية طباعة أم أنها أموال مصادَرة.
تصميم العملة الجديدة
دراسة شكل وتصميم العملة المطبوعة مهمة جدًا لأسباب متعددة، تشمل الأمان والرؤية الثقافية والهوية الوطنية والتأثير الاقتصادي، كما أن التصميم الجيد للعملة ليس مجرد مسألة جمالية، بل يلعب دورًا أساسيًا في تعزيز الاستقرار والثقة في النظام المالي والاقتصادي للبلد.
ويرى الدكتور عابد فضلية أن طباعة الأوراق النقدية الجديدة صار اليوم أمرًا ضروريًا، أكثر من أي وقت مضى، ولا شك أن الحكومة الحالية تعرف ذلك، وتريد ذلك، إلا أن ما يجعل هذا الأمر صعبًا هو أن الأوراق النقدية الجديدة بجميع فئاتها لن تكون نسخة طبق الأصل عن الأوراق المستخدمة حاليًا، بل تتطلب تغيير الصور والكتابات الظاهرة على وجهي الورقة، لتكون شكلًا جديدًا مطورًا مختلفًا.
وأشار إلى أن شكل العملة السورية المطبوعة يجب أن يعكس وجه سوريا اليوم، فهي ليست مجرد ورقة تستخدم في الدفع والشراء، بل تعد وثيقة وطنية افتراضية.
وذكر أن التصميم هو من أصعب الخطوات في التعاقد بين سوريا وأي بلد، لكن، وبعد إتمام عملية الطباعة الأولى، تصبح عمليات الطباعة التالية سهلة وسريعة وأقل تكلفة.
ويتصور فضلية أن من أهم ما يجب أن تتميز به العملة الورقية هو:
- أن تكون متقنة التصميم بحيث تكون صعبة أو مستحيلة التزوير.
- أن تكون متينة، غير قابلة للاهتراء بسهولة، ولا يتلفها الماء.
تبعات وظروف الطباعة في أوروبا
طباعة العملة تحتاج إلى تكنولوجيا غير متوفرة في سوريا الآن، واستقطابها يحتاج إلى وقت طويل، بحسب الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي.
ويرى قضيماتي أن سوريا اليوم إذ لم يصلها دعم مخصص لطباعة العملة، فهي لا تستطيع طباعة عملتها داخليًا، باعتبار ذلك مكلفًا، مشيرًا في ذات الوقت إلى أن طباعتها في الخارج له تبعات مستقبلية.
قد توفر طباعة العملة السورية في أوروبا بعض الفوائد المتعلقة بالجودة والثقة، إلا أنه يتعين أيضًا مراعاة التحديات الكبيرة المرتبطة بالسيادة الوطنية والسياسات الاقتصادية والعقوبات.
ويتطلب أي نوع من هذا التعاون دراسة شاملة واستراتيجية، خاصة بالسياسات الاقتصادية المالية، للنظر في جميع العوامل المؤثرة.
أهم دوافع طباعة العملة السورية في أوروبا هو ندرة الخبرات الكافية لطباعة العملة محليًا، ونقص آلات الطباعة ومعداتها في سوريا.
أدهم قضيماتي
خبير اقتصادي
ويعتقد الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي، أن أهم دوافع طباعة العملة السورية في أوروبا هو ندرة الخبرات الكافية لطباعة العملة محليًا، ونقص آلات الطباعة ومعداتها في سوريا.
ولكن تحديد جهة الطباعة يتم عبر دراسة العروض المقدمة ودراسة مواقف كل دولة سياسيًا، وفق رأيه.
وتابع أن الطباعة الخارجية أمر حتمي لوقت معيّن، باعتبار سوريا خارج المنظومة المالية العالمية، على أن يترافق ذلك مع تقديم دراسات مشتركة من قبل الدولة السورية والدولة التي تطبع عملتها، حتى تتوفر دراسة موحدة للجهتين لتقديم الخدمة بشكل صحيح، وطرح كميات محددة من العملة، وهي حالة إسعافية.
وأضاف أن الدول الأوروبية لديها خبرة كبيرة بطباعة العملة، وهي تطبع عملتها داخليًا، وهذه الخبرة تعد أساسية وضرورية تفيد ملف طباعة العملة السورية.
وطباعة العملة المحلية داخليًا تعد خطوة استراتيجية تعزز من السيادة الوطنية، وتدعم الاقتصاد، وتحسن من مستوى الأمان والثقة في العملة.
كما تسهم في تطوير الهوية الثقافية وتعزيز الاستقلال المالي، ما يجعلها عنصرًا حيويًا في استقرار ونمو الاقتصاد الوطني.
شكل الاتفاقية
لا شك أن طباعة العملة المحلية لسوريا خارج البلد تتطلب وضع اتفاقية مبنية على دراسة متأنية واعتبارات استراتيجيات متعددة، فالتعاون بين سوريا والبلد الطابع لعملتها، هو عنصر أساسي لنجاح العملية وتحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة، مع التأكيد على الأمان والجودة.
وقال الخبير قضيماتي ل، إن طباعة العملة خارج سوريا ينبغي أن يكون ضمن شروط، أهمها ألا يستخدم هذا الملف كورقة ضغط على الحكومات المتلاحقة في سوريا، وثانيًا تكلفة طباعتها، وكذلك الجودة ودرجة صعوبة التزوير والتلاعب فيها، وهي شروط توضع موضع اهتمام للوصول لاتفاقية صحيحة.
الخبير قضيماتي استبعد أن تكون هناك اتفاقيات جرى توقيعها بخصوص طباعة العملة السورية في الخارج، والسبب أن ذلك يتطلب نوعًا من الاستقرار للاقتصاد السوري، ومعرفة القيمة الحقيقية للعملة السورية لبدء طباعتها، وخلال هذه الفترة التي ربما تستغرق سنة أو أكثر، تدرس العروض التي تقدم من عدة دول، وهذه الحيثية تترك للقائمين على المصرف المركزي ووزارة المالية.
وتابع أنه يجب أن تتضمن الاتفاقية شروطًا أساسية يتم الاتفاق عليها من قبل الجانبين، لأن الأمر يتعلق باقتصاد دولة ناشئة، فأي خلل بطباعة العملة وتوريدها لسوريا، وحتى حجم الطباعة يولد مشكلات اقتصادية بالمستقبل، لذلك فإن الشروط والبنود يجب أن تدرس بطريقة صحيحة.
العقد المبرم لطباعة العملة الورقية هو عقد ذو بعد وطني لمن سيستلم العملة، وتجاري بالنسبة لمن يُكلف بالطباعة.
عابد فضلية
أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق”
من جانبه، يرى الدكتور عابد فضلية أن العقد المبرم لطباعة العملة الورقية، هو عقد ذو بعد وطني لمن سيستلم العملة، وتجاري بالنسبة لمن يُكلف بالطباعة.
فئات العملة.. بين مؤيد ومعارض
حول تغيير فئات العملة السورية المطبوعة، يختلف الخبراء بين مؤيد ومعارض لإصدار فئات أكبر من المتداولة حاليًا.
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” الدكتور عابد فضلية، يعتقد أن الحكومة السورية السابقة لم تراعِ أمرًا مهمًا، وهو ضرورة طبع فئات أكبر من فئة الـ5 آلاف ليرة، إذ إن مشكلة تدني قيمة الفئة الكبرى تكمن في أن المواطن يضطر لاستخدام الكثير من الأوراق لتسديد ثمن أشياء عادية، فيتسارع تلف العملة.
الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي لديه رأي مختلف، فالعملة السورية المتداولة اليوم تفي إلى درجة معينة بالغرض، ويمكن الحفاظ على شكل العملة حاليًا والفئات خلال فترة معيّنة، وطباعة عملة جديدة بفئات جديدة، ولا أحد ينصح بطباعة فئات كبيرة كفئة الـ10 آلاف ليرة لأن ذلك يزيد من حالة التضخم.
ويجب عند طباعة عملة أن يسحب مقابلها كمية من النقد، ويتم استقطاب الفئات المتبقية من روسيا من القطع السوري، ويتم تداولها، والنظام السابق كان يصدر فئات كبيرة دون دراسات وبيانات، وهذا يلعب دروًا مهمًا في تحديد قيمة العملة، لذلك يحتاج إلى دراسات وزارة المالية لإصلاح الخلل.
وكان مصرف سوريا المركزي طرح الفئة النقدية الجديدة من فئة الـ5 آلاف ليرة، ليتم تداولها جنبًا إلى جنب مع باقي الفئات النقدية المتداولة حاليًا منذ 24 من كانون الثاني 2021.
وخلال الفترة الماضية، اعتمد مصرف سوريا المركزي على سياسة حبس السيولة، وحقق ذلك ارتفاعًا “وهميًا” في قيمة الليرة، وهي سياسة تفضي إلى نقص النقد المتاح في الأسواق، سواء كان في أيدي الأفراد أو الشركات أو حتى البنوك.
تاريخ طباعة العملة السورية
حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، لم تكن العملة الورقية السورية مستقلة عن العملة الورقية اللبنانية، حيث كان البلدان يستخدمان نفس العملة، وكانت تُطبع هذه العملة المشتركة في فرنسا كامتداد لفترة الاحتلال الفرنسي، وفق ما قاله الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” الدكتور عابد فضلية.
وأضاف فضلية أنه بعد أن انفصلت العملتان، صارت سوريا تطبع عملتها في الدول الأوروبية، ومنها النمسا وسويسرا، وبعد عام 1970، صارت عملة سوريا تُطبع غالبًا في الاتحاد السوفييتي، ولاحقًا في روسيا، وما زالت تُطبع هناك حتى الآن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي