– عمر علاء الدين

يشكّل السكن الجامعي في دمشق مجتمعًا متنوعًا من الشابات والشبان السوريين المنحدرين من مختلف المكونات والمحافظات، وفرصة للتعرف إلى ثقافات وعادات وبناء صداقات تستمر طويلًا.

بذور تأسيس المدينة الجامعية بدمشق بدأت من الوحدتين الأولى والثانية، في عام 1962 وصولًا إلى 27 وحدة سكنية تؤوي 13 ألف طالب، بحسب أحدث الإحصاءات الرسمية لجامعة “دمشق”.

وبعكس ما تبدو عليه من الخارج، تحمل الوحدات السكنية من الداخل قصصًا لطلبة كثر، وآمالًا حملها أولئك الطلبة خلال رحلتهم الدراسية.

دخلت المدينة الجامعية، واستمعت إلى الطلاب وقصصهم، ومعاناتهم جراء سوء الخدمات، وتفاصيل حول ما حصل بعد سلسلة من التوترات والأحداث على خلفية انتشار تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد، نُسب لأحد شيوخ الطائفة الدرزية، وهو ما نفته وزارة الداخلية السورية، والشيخ نفسه لاحقًا في 27 من نيسان الماضي.

سوء خدمات

محمد العمر، طالب في كلية الإعلام سنة ثالثة قسم الإذاعة والتلفزيون، عبر عن استيائه الشديد مما وصل إليه حال السكن الجامعي قبل سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024، وتحديدًا الوضع الفني والخدمي للوحدة الأولى- ذكور التي يقطن فيها.

وتبدو الإطلالة على أوتوستراد المزة من غرفة محمد جيدة، لكنه قال ل، إن الإطلالة هي الشيء الجيد الوحيد حاليًا، في ظل سوء الخدمات والواقع الصعب الذي تعيشه الوحدة المذكورة على صعيد النظافة ومتانة البناء، وأهلية المرافق الموجودة في الوحدة (دورات المياه، الحمامات).

وأضاف، “طموحنا بسيط، وهو الحصول على حياة تليق بطالب جامعي. تحسنت الكهرباء عقب سقوط النظام، الذي كان يزود الوحدات السكنية للذكور بثلاث ساعات كهرباء لكل 24 ساعة، أما اليوم فهي في واقع آخر، حيث تبقى الكهرباء لمدة 16 ساعة متواصلة”.

الكهرباء مهمة لكنها ليست همنا الوحيد، بل إن نظافة دورات المياه وتأهيلها هو الأهم، لأنها وصلت إلى حالة أصبحت فيها غير صالحة للاستخدام البشري، بحسب ما قاله محمد ل.

ويوجه الشاب رسالة للإدارة في المدينة قائلًا، إن تسوية المرافق الصحية أهم من الحدائق لأن الأساسيات أولى وأهم من الرفاهيات.

ورصدت إصلاحات قامت بها إدارة المدينة، حيث رممت الحدائق والأرصفة، وقامت بطلاء المقاعد بالتعاون مع “الدفاع المدني السوري” والطلبة، في إطار مبادرة “رجعنا يا شام” في 25 من شباط الماضي، كما نظمت الإدارة، في شهر رمضان الماضي، إفطارات جماعية لطلاب المدينة.

سكن أم فرع أمني

كان السكن الجامعي في المزة محاطًا بالفروع الأمنية من كل جانب، وفق ما روى سعيد الخلف ل، وهو طالب في كلية السياحة بجامعة “دمشق”، شارحًا حالة الرعب التي كان يعيشها الطلاب.

يبعد فرع المنطقة والمربع الأمني، سابقًا، قرابة 500 متر عن حرم السكن من جهة البرامكة، وإضافة إلى هذا الجو، كانت توجد قوات من ميليشيا “كتائب البعث” على الأبواب وتتجول في الداخل بين الطلبة، وكانت هناك مفرزة لفرع “أمن الدولة”، توجد أيضًا على الباب من جهة مستشفى “المواساة”.

وبحسب سعيد، كانت المفرزة تتلقى تقارير دورية عن الطلاب الذين يؤدون الصلاة أو يقيمون تجمعات احتفالية أو غنائية، وهذه التقارير كان يزودها بها أعضاء من “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” سابقًا.

وكان جيش النظام السابق يدخل إلى السكن، ويأخذ تموين الخبز من الفرن المخصص للطلاب، بينما يبقى الطلبة في كثير من الأحيان دون خبز.

التضييق على الطلبة وصل إلى أبعد من ذلك، فبينما كانت إدارة المدينة السابقة تحشر من 4 إلى 6 طلاب في الغرفة الواحدة، يستطيع أي طالب له علاقات بحزب “البعث” السابق، أو “اتحاد الطلبة”، الحصول على غرفة كاملة لوحده، وفقًا للطالب سعيد.

وتقول “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، إن “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” هو كيان مرتبط بشكل وثيق مع عدد من الأجهزة الأمنية، ومتورط بعشرات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من أبرزها قمع المظاهرات الطلابية المناهضة للنظام السوري، وملاحقة والتسبب باعتقال آلاف الطلاب الجامعيين، وقد تعرض عدد “كبير” من هؤلاء للتعذيب والإخفاء القسري بشكل منهجي واسع.

إضافة إلى ذلك، أسهم “الاتحاد الوطني” بتجنيد العشرات من الطلاب لمصلحة الأجهزة الأمنية، وجمع بيانات عن زملائهم الطلاب الناشطين في الحراك السياسي ضد النظام السوري، بهدف ملاحقتهم والتضييق عليهم وفصلهم من جامعاتهم.

بعد سقوط التمثال

“كلما كنت أنظر صباحًا إلى تمثال رئيس النظام السابق، حافظ الأسد، في وسط المدينة الجامعية، كنت أشعر أنه يترصدني حتى أخطئ بكلمة أو بنظرة، وبحسِّي كطالبة في الهندسة المدنية، كنت أخمن كم كلَّف ذلك التمثال المقيت من أموال طائلة، ولو أن تكلفته كانت قد استخدمت في ترميم وحدتنا السكنية، كيف سيكون وضعنا”، هذا ما قالته هزار الدرويش، طالبة السنة الثالثة في الهندسة المدنية بجامعة “دمشق”.

هزار وصفت وضع الطالبات قبل سقوط النظام بـ”المزري” في ظل وجود من 7 إلى 9 طالبات في الغرفة الواحدة، إضافة إلى تسلط بعض المشرفات على رقابهن وبل وابتزاز بعضهن ماليًا، في بعض الأحيان، للحصول على غرفة.

إلا أن الوضع الآن تغير قليلًا، إذ تمت إقالة المشرفات اللاتي ضايقن الطالبات، وأتيح التسجيل على غرف جديدة دون عوائق، بحسب هزار.

سقوط التمثال الذي دمره الطلبة بأيديهم، في 12 من آذار الماضي، كان تعبيرًا عن سقوط الخوف الذي جثم على صدورهم لسنوات.

تغير الحال بعد سقوط النظام، وساد مناخ سياسي وفكري منفتح بين الطلاب، وخصوصًا في المقاهي الموجودة ضمن المدينة.

يعرب يزن أبو ناجي، طالب السنة الرابعة في كلية الحقوق بجامعة “دمشق”، عن فرحته بالجو الجديد، إذ بات يتناقش مع أصدقائه حول الأوضاع السياسية في سوريا ومآلاتها والقضايا الحساسة في البلد.

وقال يزن ل، “لو أننا فتحنا نقاشًا كهذا قبل سقوط النظام، لكان مصيرنا مجهولًا”، معربًا عن تفاؤله بالمناخ الموجود، إلا أن الوضع الحالي للبلاد برأيه لن يسير للأفضل إذا استخدمت حرية التعبير في غير محلها على غرار ما جرى في السكن الجامعي بحمص، في 27 من نيسان الماضي.

قرار يمنع التحريض

شهد السكن الجامعي في مدينة حمص، مساء 27 من نيسان الماضي، هجوم بعض الطلاب على طلاب آخرين، إثر انتشار التسجيل صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي، احتوى إساءة للنبي محمد، وأكد مدير السكن الجامعي في حمص ل، خالد جمعة، أن الأوضاع هدأت وعادت لطبيعتها.

في 8 من أيار الماضي، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر رحيل مجموعة من طلاب من أبناء الطائفة الدرزية إلى منازلهم، عقب الأحداث التي حصلت في السكن الجامعي بحمص، حيث يعود تاريخ التسجيل إلى 28 من نيسان.

مدير المدينة الجامعية، عمار الأيوبي، قال في تصريحات لقناة “الإخبارية” الحكومية، إن التسجيل المصور هو مقطع سجل قبل نحو عشرة أيام، أي في اليوم الذي تلا انتشار تسجيلات صوتية مسيئة للنبي، وقبل أحداث جرمانا وصحنايا، وقبل حدوث أي توترات.

وتابع، “الطلاب الذين غادروا المدينة الجامعية غادروا بناء على طلبهم واختيارهم، ولم يجبرهم أحد على الخروج”.

وعلى خلفية الأحداث في السكن الجامعي بحمص، أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي في سوريا، مروان الحلبي، قرارًا يحظر نشر أو تداول أو ترويج، بأي وسيلة كانت شفهية أو كتابية أو افتراضية عبر الشبكة الإلكترونية، أي محتوى يتضمن تحريضًا على الكراهية أو الطائفية أو يسيء إلى الوحدة الوطنية أو السلم الأهلي.

وخصت الوزارة في قرارها، الذي صدر في 10 من أيار الماضي، كلًا من أعضاء الهيئة التدريسية والطلاب والعاملين في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وجميع الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد العليا، والجهات التابعة للوزارة أو المرتبطة بالوزير.

ونص القرار في المادة الثانية منه على أن مخالفته تعرض مرتكبها للمساءلة الجزائية والمدنية والمسلكية، والتحويل إلى المجالس المختصة (التأديب، الانضباط)، لاتخاذ العقوبات الرادعة.

وبحسب القرار، قد تصل العقوبات إلى الفصل النهائي أو الإحالة إلى القضاء، حسب أحكام القوانين والأنظمة النافذة.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.