اخر الاخبار

طلاب سوريون يواجهون “بورصة الجامعات التركية”

نوران السمان | مريم حاج سليمان

عاشت الطالبة السورية مياسة، التي تدرس في جامعة “أتاتورك” التركية “صدمتين”، بعدما ارتفع القسط السنوي لجامعتها بنسبة 100%، الأولى عندما تلقت الخبر كغيرها من الطلاب الأجانب، والثانية بعدما شعرت أنها ستحرم أخاها فرصة الدخول للجامعة، لاعتبارات تتعلق بتخفيف الأعباء عن والدها.

وكانت العديد من الجامعات التركية أعلنت، مطلع آب الماضي، عن رفع جديد للرسوم الجامعية الخاصة بالطلاب الأجانب، ومن بينها “أتاتورك” التي تدرس فيها مياسة والواقعة في ولاية أرضروم.

ولا يعتبر الرفع الجديد حالة استثنائية في القطاع التعليمي الخاص بالأجانب بتركيا، إذ سبق أن ارتفعت الرسوم لأكثر من مرة خلال السنوات الماضية.

ومع ذلك يأتي ارتفاع الرسوم حاليًا في ظل ظروف معيشية واقتصادية صعبة تعيشها تركيا، ويعاني منها السوريون على نحو أكبر.

وكانت تركيا أعفت الطلبة السوريين من تسديد الرسوم الجامعية، بموجب قرار تم التصديق عليه في عام 2014.

لكن مع إلغاء القرار عام 2020 ، واجه الطلاب المقبلون على دخول التعليم الجامعي صعوبات أدت في بعض الأحيان إلى إيقاف مسيرتهم الجامعية.

مياسة وطب الأسنان

في عام 2020، كانت الطالبة مياسة تدفع ثمانية آلاف ليرة تركية (233 دولارًا أمريكيًا) سنويًا كقسط جامعي لكلية طب الأسنان في جامعة “أتاتورك”.

وعليها الآن بعد الرفع الجديد للرسوم دفع 65 ألف ليرة سنويًا (ما يقارب 1800 دولار أمريكي)، وفق ما قالته ل.وتعتبر أقساط الفروع الجامعية محل اهتمام كبير عند الطلاب السوريين، ودائمًا ما تكون قيمة القسط سببًا في تفضيل فرع جامعي على آخر، تجنبًا لدفع مبالغ طائلة.

الحالة التي تعيشها مياسة الآن ستكون كفيلة بحرمان أخيها من تلقي التعليم الجامعي، وتربط السبب بـ”العبء المالي الكبير” الذي بات يفرض نفسه على والدها بين فصل وآخر.

ويعيش الاقتصاد في تركيا حالة تضخم، ووفقًا لبيانات نشرها  الاتحاد التركي لنقابات العمال، في 30 من أيلول الماضي، فإن نسبته بلغت 70 %.

وتوضح البيانات أن حد الفقر لعائلة من أربعة أفراد (المبلغ الإجمالي لنفقات الطعام والنفقات الشهرية الإلزامية الأخرى للملابس والسكن والنقل والتعليم والصحة والاحتياجات المماثلة) وصل إلى 64 ألفًا و595 ليرة (ما يعادل نحو 1880 دولارًا).

بينما لا يزيد متوسط الرواتب في تركيا على 24 ألف ليرة (تقريبًا 640 دولارًا)، بحسب موقع “Numbeo” المتخصص بحساب تكاليف العيش.

ريان طالبة سورية تتشابه قصتها مع حالة الطالبة مياسة، وأوضحت ل أن القسط الذي كانت تدفعه في 2021 بجامعة “بولنت أجاويد” بولاية زونغولداك بلغ عشرة آلاف ليرة تركية (291 دولارًا)، وبات عليها الآن دفع 60 ألف ليرة (1700 دولار) لقاء استكمال تعليمها في قسم الصيدلة.

وعبرت ريان عن استيائها من المبالغة في رفع هذه الرسوم، فـ”الكثير من الطلاب السوريين يختارون التسجيل في ولايات تركية بعيدة للحصول على تكلفة أقل، ولكن في النهاية لم يعد الارتفاع حكرًا على جامعة دون غيرها”.

جهود جماعية

دفع ارتفاع الرسوم للطلاب الأجانب في الجامعات التركية عددًا منهم خلال الأشهر الماضية إلى “توحيد الجهود” في جامعة “بولنت أجاويد”.

وجاء ذلك بهدف الضغط من أجل تحصيل أكبر نسبة تخفيض ممكنة، والاستفسار عن الأسباب التي تقف وراء عمليات مضاعفة الرسوم.

وأوضح الطالب عقيل السلال أن رسوم السنة الأولى في الجامعة لدراسة الطب زادت في عام 2024 إلى 150 ألف ليرة تركية أي (4300 دولار)، في حين ارتفعت رسوم الصيدلة إلى 60 ألف ليرة (1700 دولار)، وطب الأسنان إلى 80 ألف ليرة (2300 دولار).

طلب اعتراض قدمه الطلاب السوريون في جامعة “بولنت أجاويد” إلى رئاسة الجامعة

جمع الطلاب في الجامعة مؤخرًا قرابة 200 “ديليكشا” (طلب اعتراض) من الطلاب السوريين والأجانب في “بولنت أجاويد”، وجرى توجيهها بعد ذلك إلى رئاسة الجامعة.

وبررت الجامعة موقفها بالقول إن قرار رفع الرسوم مجددًا صدر بناء على مرسوم رئاسي ولا يمكن تغييره، لكن بعد معاينة القرارات الصادرة من الرئاسة التركية فإن قرار رفع الرسوم يشمل فقط الطلاب الجدد في دفعة عام 2025.

ونصت إحدى القرارات أن “تكون الزيادات للطلاب القدامى محدودة بحيث لا تتجاوز ضعفي الرسوم الأصلية”.

ومع ذلك، كانت جامعة “بولنت أجاويد” رفعت الأقساط في المرحلة الأخيرة إلى ستة أضعاف، وهو ما أثار احتجاجات واسعة، حسب قول الطالب.

وأضاف عقيل أن ما فعله الطلاب الأجانب من “جهد جماعي” دفع الجامعة إلى تخفيض أقساط طب الأسنان من 80 ألفًا إلى 60 ألف ليرة، وأقساط الصيدلة من 60 ألفًا إلى 50 ألف ليرة.
وفي غضون ذلك، انخفضت أقساط الطب من من150 ألفًا إلى 130 ألف ليرة.

يرى عقيل أن “التعاون بين مختلف الجاليات الأجنبية كان العامل الحاسم في الضغط على الجامعة، ولو كانت الجالية العربية فقط لما جئنا بنتائج إيجابية”.

الخاصة “أرخص” من الحكومية

عثمان جمال، مستشار تعليمي في تركيا، أوضح ل أن ارتفاع أقساط الجامعات الحكومية هذا العام وصل إلى نسبة 500%.

وقال إن رسوم التسجيل في بعض الجامعات الخاصة باتت أرخص من الجامعات الحكومية، كما أن الخاصة أيضًا “صارت الأكثر تقبلًا لدى الطلاب الأجانب لواقعية رسومها”.

وتضع الجامعات الخاصة جداول تعرض فيها للطلاب حجم الزيادة بالقسط في كل سنة أو تضع سعرًا ثابتًا وواضحًا.

لكن في المقابل، “لا توضح الجامعات الحكومية للطلاب الأجانب نسبة الزيادة عند البدء”، وفق المستشار التعليمي.

هل من حلول؟

قال رئيس “اتحاد طلبة سوريا” النشط في تركيا، محمد السكري، إن “الاتحاد” يسعى إلى معالجة مشكلة ارتفاع أقساط الجامعات المفروضة على الطلاب السوريين في تركيا، التي بدؤوا يعانون منها بالتحديد بعد عام 2020.

وشكّل “الاتحاد” لجنة متابعة في عام 2022 لبحث هذه المشكلة، كما زار وزارة التربية التركية والتقى بمدير شؤون الطلاب الدوليين لبحث آثار الأقساط السلبية.

وذكر السكري أن “الاتحاد” الذي يرأسه عمل أيضًا على التواصل مع مستويات أعلى في تركيا، بما في ذلك لقاءات مع الرئاسة التركية، دون أن يسفر ذلك حتى الآن عن حل المشكلة.
وأشار إلى أن “المشكلة في ارتفاع الأقساط هي تحديد الرسوم الدنيا دون تحديد سقف للحدود العليا”، ما منح الجامعات حرية مضاعفة الأقساط بشكل كبير.

“كفالات”

في مقابل “الجهود الفردية والجماعية”، أطلقت بعض الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني مؤخرًا حملات لمساعدة الطلاب المحتاجين لإكمال تعليمهم.
من بين تلك المنظمات فريق “ملهم التطوعي“، الذي أعلن في عام 2023 أنه تكفل بتسديد رسوم 248 طالبًا وطالبة في تركيا.

وفي هذا الصدد، قالت مسؤولة كفالات الطلاب في فريق “سندكم التطوعي”، ربى مراد، إن الفريق كفل ستة طلاب في جامعة “سكاريا” فقط، وساعدهم على تسديد أقساطهم الجامعية العام الماضي.

ولفت رئيس “اتحاد طلبة سوريا”، محمد السكري، إلى أن “الاتحاد” تمكن من تأمين منح دراسية للطلاب السوريين بالتنسيق مع “اللجنة السورية- التركية المشتركة” ومفوضية الأمم المتحدة، في محاولة لتخفيف العبء المالي عنهم.

لكنه قال إن “ضعف القدرة المالية المتاحة، تبقي هذه المحاولات بسيطة مقارنة بحجم المشكلة”.

ووفقًا لبيانات مجلس التعليم العالي في تركيا (YÖK) للعام الدراسي 2022-2023، يوجد 58 ألفًا و213 طالبًا جامعيًا سوريًا، من أصل 301 ألف و694 طالبًا جامعيًا أجنبيًا في تركيا.

وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 14 من أيلول الماضي، أنه يوجد في تركيا ما يقارب 340 ألف طالب دولي، وجاء ذلك في حفل افتتاح مجمع جامعة “مرمرة” التركية.
وأشاد بتأثير الطلاب الدوليين على المجتمع التركي، ومساهمتهم في الاقتصاد بما يقارب ثلاثة مليارات دولار.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *