ظروف صعبة تغير عادات مهور الزواج في السويداء
– يامن مغربي
تلعب الاضطرابات الأمنية والحروب دورًا مباشرًا بتغيير بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، خاصة إن استمرت لفترات طويلة، كما هو الحال في سوريا، التي تعيش هذه الظروف منذ عام 2011، عقب بدء الثورة السورية واختيار النظام السوري الحل الأمني كرد على مطالب المتظاهرين.
مع تطور مسار الأحداث العسكرية والأمنية، نشأت أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية، ترافقت مع موجة نزوح داخلي ولجوء خارجي واسعة، وهو ما أفضى بدوره إلى تغييرات في بعض الأفكار المتوارثة بالمجتمع.
تتسم محافظة السويداء بخصوصية اجتماعية ودينية، إذ ينتمي معظم سكانها لطائفة “الموحدين الدروز”، ويخضع الزواج والطلاق لقوانين المحكمة المذهبية، وتغلب العادات والتقاليد على ظواهر أخرى مثل المهور وتوريث البنات والنساء، وهي من القضايا التي تأثرت بالمستجدات وشهدت تغيرات في بعض جوانبها.
المهر بين زمنين
تغيرت قيمة المهر المطلوب للزواج في السويداء كباقي مناطق سوريا، وفقًا للظروف الاقتصادية في البلاد، وحتى عام 2011، كان المهر المطلوب وسطيًا في سوريا 200 ألف ليرة (حوالي 2000 دولار وفق أسعار 2011) للمقدّم (المبلغ الذي يدفع قبل الزواج) ومثله للمؤخّر الذي يدفع في حال الطلاق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المبالغ قد تنخفض أو ترتفع تبعًا للحالة المادية للعريس.
كما يلعب المستوى الاجتماعي دورًا في قيمة المهر، لتتحول المسألة إلى ما يشبه العرف الاجتماعي، إذ لا ينص قانون محدد على مبلغ معيّن للمهر المطلوب.
عن التغيرات في السويداء، تواصلت مراسلة مع بعض العائلات، التي أفادت أن قيمة المهر باتت تحدد بالذهب، أو الدولار الأمريكي، عوضًا عن الليرة السورية، بعد انهيار قيمة الأخيرة والأزمة الاقتصادية في سوريا.
وأضاف شهود من العائلات في المحافظة، أن البعض بات يطلب ما يصل إلى مبالغ كبيرة بين المقدم والمؤخر، لكنها حالات لا يمكن تعميمها.
الظروف تغير النظرة إلى المهور
بعض الفتيات أو أسرهن، يحاولون رفع عبء المهور عن الشبان، وفق سهير أبو فرج، التي تزوجت في السنوات الأخيرة، وقررت أن تزيل عبء المهر عن خطيبها قبل الزواج.
قالت سهير ل، إنه وفي الظروف الحالية، هناك عزوف عن الزواج، ومن يقدم على الزواج يحاول أن يتم الأمر بأقل التكاليف.
تزوجت سهير بالحد الأدنى الممكن، ورفضت كتابة المهر (المقدّم والمؤخّر) أو شراء الذهب، ولدى كتابة العقد في المحكمة المختصة، لم يقبل القاضي بهذا الأمر، فاضطرت لوضع مبلغ رمزي.
وتنظر العائلات عادة إلى موضوع المهر على اعتباره ضمانًا للمرأة في حال طلاقها، وهو أمر موجود في الدين الإسلامي وبعض المذاهب في الديانة المسيحية.
دعمت عائلة سهير قرارها، على اعتبار أن ضمان حقوقها يأتي عبر تعليمها لا عبر المهر المدفوع.
من جهتها، قالت شروق العيد، من سكان مدينة السويداء، إن من يريد تزويج ابنته في ظل الظروف الحالية، فعليه صرف النظر والاهتمام عن قيمة المهر، بسبب الظروف الاقتصادية الحالية.
وأضافت أن الاحترام بين الزوجين أهم بكثير من التفاصيل المادية، وأن المهر ليس ضمانًا حقيقيًا للمرأة، وفي حال حصول الطلاق بين الطرفين بعد مدة طويلة وفي ظروف كالتي تمر بها المنطقة، من انهيار لقيمة العملة والأزمة الاقتصادية، فإن ذلك لن يضمن مستقبل الفتاة بطبيعة الحال.
كما أن المهر يقلل من قيمة المرأة، كأن شخصًا ما يدفع ثمن المرأة التي ستكون زوجته، واختارت أيضًا أن يكون الإجراء شكليًا.
وجيهة الحجار، وهي ناشطة تقيم في السويداء، قالت ل، إن الظروف الراهنة تلعب دورًا كبيرًا فيما إن كان الزواج برمّته سيتم أم لا، وبالتأكيد بالنسبة للنساء والعائلات التي تعتبر قيمة المهر عنصرًا أساسيًا، فستعزف عن تزويج بناتها إن لم يكن العريس لديه القدرات المادية لدفع المبالغ المطلوبة.
وأضافت أن كثيرًا من الحالات شهدت توريطًا للشباب بمبالغ كبيرة لإتمام الزواج، وفي حالات أخرى كان المهر حاجزًا بين الشركاء، بحسب وصفها.
في حين قالت نغم تامر، وهي من السويداء أيضًا، إن الظروف الحالية تلعب دورًا كبيرًا في تغيير النظرة إلى المهر، إذ أدت إلى تراجع المستوى المادي لشريحة كبيرة من الناس، كما يشهد المجتمع حالات طلاق كثيرة، لذا تصر بعض العائلات على مهور مرتفعة وتطلبه بالذهب أو الدولار الأمريكي، نظرًا إلى انهيار قيمة العملة السورية.
بين الدين والمجتمع
يختلف قانون الأحوال الشخصية الخاص بطائفة “الموحدين الدروز” عن بقية الطوائف الإسلامية السورية، لكنه يتفق بوجوب دفع الزوج لمهر الزوجة.
وتشير المادة رقم 20 منه إلى “إلزام الزوج بمهر الزوجة ونفقتها منذ إجراء العقد الصحيح ويثبت حق التوارث”.
ويعدّ المهر أمرًا أساسيًا لإتمام الزواج، ليس لدى “الدروز الموحدين” فقط، بل كذلك عند الطوائف الإسلامية المختلفة، وكذلك في الدين المسيحي.
وفق “بوابة الأزهر الإلكترونية“، التابعة لمؤسسة “الأزهر”، إحدى أكبر الجهات الدينية في العالم الإسلامي، فإن المهر شُرّع “كرامة للنساء وإظهارًا لعظمة عقد الزواج ومكانته”، وأن الزوجة “شيء لا يسهل الحصول عليه إلا بالبذل والإنفاق، حتى لا يفرط الزوج فيه بعد الحصول عليه”.
وأضافت في تعريفها للمهر، أنه “المال الذي يجب على الزوج لزوجته كأثر من آثار عقد الزواج عليها”، وتعود ملكيته بشكل خالص للزوجة، تتصرف به كما تشاء ولها أن تهب منه لمن تشاء كما تريد.
النظرة الدينية إلى المهور تختلف مع وجهة نظر بعض الشرائح المجتمعية، التي ترى أن عملية المهر بحد ذاتها ترسم علاقة مختلفة بين الزوجين عن تلك المفترض أنها قائمة على المساواة.
حق للفتيات
ترى بعض الفتيات اللواتي قابلتهن في السويداء، أن المهر حق وضمان للفتاة، خاصة إن لم يكن من العاملات أو الموظفات، وفق ما قالته نغم عامر، في حين ترى أريج نعيم، أن المهر جزء من حقوق المرأة في المجتمع.
لكن الأمر يعود بحسب وجهة نظره أريج إلى بيئة الأهل، وهناك من يرى أنه أمر ضروري بغض النظر عن أي شيء آخر، في حين يرى آخرون أن المهم أن تكون ابنتهم سعيدة، خاصة أن قيمة الفتاة جوهرية وليست مادية، وعندما تزول هذه القيمة الجوهرية فلا سبيل لتعويضها بالمال.
وفق وجيهة الحجار، فإن المهر ليس إلا تقليلًا من شأن المرأة، إذ ربما كان المهر في بدايته كفكرة لتكريم المرأة، لكن مع الوقت أصبح يمثل العكس تمامًا، فالكثيرون يقررون الموافقة على الزواج من عدمها بحسب قيمة المهر، وكأن المرأة سلعة تُباع وتُشترى، وبحسب القدرة الشرائية للخاطب تتم الخطبة أو لا.
وأدت الظروف الاقتصادية والأمنية في سوريا إلى ارتفاع تكاليف الزواج، وتعقيد شروط البعض في تزويج بناتهم، بينما هناك عائلات تأخذ بعين الاعتبار ظروف الشبان والتحديات الاقتصادية الحالية، متجاوزة العادات.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي