اخر الاخبار

عائدون إلى القصير يفترشون ركام منازلهم

– جنى العيسى

لأسبوعين متواصلين من العمل نهاية كانون الأول 2024، عمل أولاد عمار الثلاثة على إزالة الركام داخل وفي محيط منزلهم، وتنظيف الغرف التي كانت مليئة بالحجارة والردم من آثار القصف الذي طال المنزل كغيره من معظم منازل مدينة القصير جنوبي محافظة حمص منذ عام 2013.

عاد عمار مع عائلته المكونة من سبعة أشخاص، وأكبر أطفاله بعمر 23 سنة، وأصغرهم بعمر 7 سنوات، بعد أن عاشوا لأكثر من 12 سنة في مدينة طرابلس اللبنانية كلاجئين بوضع معيشي صعب لم يمكنهم من العودة إلى بلادهم ومعهم تكاليف إعادة ترميم منزلهم.

أغلقت العائلة بشكل مؤقت نوافذ المنزل بأمتار من النايلون ثبتت بقطع خشبية على أطراف النوافذ، ونتيجة غلاء أسعار باب المنزل الرئيس أو أبواب الغرف الداخلية، اضطرت العائلة إلى الاستعاضة عن ذلك ببطانيات وقطع قماش سميكة كبديل عن الأبواب.

أتاح سقوط النظام المخلوع إمكانية عودة السكان إلى مدينة القصير جنوبي محافظة حمص وسط سوريا، بعد سنوات من تهجيرهم عام 2013.

اصطدمت رغبتهم بالعودة والاستقرار بمظاهر وآثار دمار كبير في ممتلكاتهم الخاصة من منازل ومحال وعقارات، وسط ضعف إمكانياتهم المادية وغياب قدرتهم بشكل كامل على تحمل تكاليف الترميم.

معظم العائلات التي عادت إلى المدينة قادمة من مخيمات “عرسال” اللبنانية أو من الشمال السوري، حيث كانوا يعيشون هناك بالأساس في فقر مدقع.

هذه الحالة أجبرت العائدين على السكن في ركام منازلهم، فمنهم من بدأ بتجهيز غرفة واحدة مثلًا مع حمام ومطبخ، بشكل مبدئي للسكن فيها، على أمل إعادة ترميم المنزل مع الوقت، دون خطة واضحة توضح مصدر تمويل أو وقت انتهاء ترميم المنزل بالكامل.

لا خيار أفضل من العودة

كان عمار يعمل معلم مدرسة لمادة الحساب الذهني في إحدى مدارس طرابلس اللبنانية، ورغم أن راتبه الشهري كان جيدًا قياسًا بمعدلات الرواتب في لبنان، فإن ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم كفاية الراتب لتلبية متطلبات سبعة أفراد، جعل من المعيشة هناك صعبة جدًا.

سقوط النظام دفع العائلة للعودة دون تفكير، وفق ما قاله عمار ل، رغبة بالاستقرار في بلادهم كسبب رئيس، ثم هربًا من العنصرية التي يمارسها بعض اللبنانيين على اللاجئين السوريين المقيمين هناك، والتي وصلت خلال السنوات الماضية إلى حدود غير مقبولة.

رغم صعوبة المعيشة في مدينة القصير ووصول العائلة إلى مرحلة البدء من جديد، من ناحية إعادة إعمار منزلهم أو عودة الأطفال إلى المدارس أو حتى بحث عمار عن عمل، فإن العائلة سعيدة جدًا بالعودة بسبب شعورها بالانتماء إلى منزلها وحارتها ومنطقتها.

وسط كثرة المتطلبات في الحياة الجديدة التي انتقلت إليها العائلة، يعيش عمار حالة من المفاضلة بين الأولويات، فإعادة إعمار المنزل أولوية، إلا أن عودة أطفالهم إلى المدارس أيضًا أولوية، وفيها تكاليف تتعلق بإعادة تسجيل الأولاد بعد تقديم أوراق ثبوتية وتقديم سبر يثبت المرحلة التي سيدرسها الطلاب.

لم تستطع العائلة حتى الآن تأمين الخدمات الأساسية لمنزلها، فمثلًا لا تزال تؤجل مسألة وصل كهرباء الدولة بشكل نظامي إلى المنزل بسبب الحاجة إلى دفع تكاليف تتجاوز 100 دولار أمريكي، فيما تحصل على كهرباء بالحد الأدنى تسمح بتشغيل “ليدات” إنارة بسيطة لتأمين إضاءة المنزل ليلًا، وذلك بعد ما عرض جار العائلة على عمار مد كابل كهربائي مؤقتًا دون مقابل مادي.

عائلة عمار ليست الوحيدة التي تعاني من هذا الوضع، بل رصدت عشرات العائلات في مدينة القصير، ممن يقيمون وسط ركام منازلهم ويغطون مخارجها ومداخلها بشكل مؤقت.

بعض العائلات جاءت بخيامها وأقامتها من جديد على ركام منازلها حيث لا أسقف أو حيطان فيها، بل كل ما بقي فيها الأرض وجزء من الركام.

تجلس هذه العائلات وكلها شعور بالأمان رغم عدم جاهزية منازلها وعدم تناسبها مع معايير الأمان العامة، إلا أنها في أرضها ومنزلها حيث كبرت وحرمت منه قسرًا لسنوات طويلة.

لا تزال التحركات الدولية والحكومية غير واضحة في ملف إعادة إعمار المنازل، ما يجبر هذه العائلات على الاعتماد على نفسها وترميم منازلها بشكل جزئي وعلى فترات طويلة.

مئات العائلات السورية تعود إلى مدينة القصير وتفترش ركام منازلها بسبب غياب قدرتها على إعادة ترميمها- 4 من نيسان 2025 (/ جنى العيسى)

مئات العائلات السورية تعود إلى مدينة القصير وتفترش ركام منازلها بسبب غياب قدرتها على إعادة ترميمها- 4 من نيسان 2025 (/ جنى العيسى)

دمار منذ سنوات

تقع مدينة القصير في الريف الغربي لمحافظة حمص وسط سوريا، وتتبع لها أكثر من 80 قرية، وهي مدينة متعددة الطوائف، وتضم سكانًا من الشيعة والعلويين والمسيحيين، لكن السنة هم الأغلبية فيها.

عقب اندلاع المعارك والاشتباكات في المدينة بين جيش النظام السابق وفصائل المعارضة عقب عام 2011، وبعد سيطرة النظام و”حزب الله” على القصير، في حزيران 2013، تعرض معظم سكان المدينة للتهجير، وتوجه معظم النازحين إلى الشمال السوري ومخيمات “عرسال” اللبنانية ومركز مدينة حمص، وبعض مدن القلمون المجاورة للمدينة.

كما تعرضت المدينة حينها لدمار شبه كلي، لا تزال آثاره ماثلة حتى الآن في أجزائها الشمالية والغربية التي كانت تسيطر فصائل المعارضة عليها، في حين تعرض القسم الشرقي من المدينة والذي بقي تحت سيطرة النظام لضرر أقل.

بحسب إحصائيات سورية رسمية عام 2011، بلغ عدد سكان المدينة والقرى التابعة لها نحو 112 ألفًا، بينما تغيب الإحصائيات الحديثة عن أعداد القاطنين في المدينة حاليًا، أو أعداد العائلات التي عادت مؤخرًا عقب سقوط النظام المخلوع.

الدولة تخطط دون موعد معلن

جراء سنوات الحرب، يعاني الكثير من السوريين من فقدان منازلهم وممتلكاتهم، لذلك فهم ينظرون إلى إعادة الإعمار من منظور فردي، حيث تصبح الحاجة إلى السكن أولوية قصوى بالنسبة لهم.

كما أن معظم المواطنين لا يدركون أن إعادة الإعمار هي عملية اقتصادية شاملة تشمل البنية التحتية، والقطاعات الإنتاجية، والخدمات العامة، وليس فقط إعادة بناء المنازل، لذلك غالبًا ما يكون هناك تصور مغلوط لدى كثير من السوريين بأن أموال إعادة الإعمار ستركز على ترميم منازلهم المتضررة.

ولن تستطيع المنظمات الدولية والحكومة في المرحلة المقبلة مساعدة من تضررت منازلهم بسبب القصف والحرب خلال 14 عامًا الماضية، لأن الأولوية هي لقطاعات البنى التحتية المتهالكة بشدة.

حول ملف إعادة الإعمار، قالت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة دمشق المؤقتة، إنها وضعت خططًا لإحصاء حجم الدمار في سوريا، تمهيدًا للبدء بعملية إعادة إعمار المنازل المهدمة بسبب قصف النظام السوري السابق وحلفائه.

وقال وزير الإدارة المحلية والبيئة السابق، محمد مسلم، في 2 من كانون الثاني الماضي، إنه جرى تسجيل حجم دمار هائل في جميع المحافظات السورية، سواء في المدن أو القرى والأرياف، من خلال المسح الجوي الأولي لعدد من المناطق المدمرة.

وأضاف مسلم لوكالة الأنباء السورية (سانا)، “ما زلنا في مرحلة الإحصاء لجميع القطاعات التي تحتاج لإعادة إعمار، علمًا أن النظام السابق لم يقم بأي عملية إحصاء دقيقة للمحافظات سابقًا”.

وأوضح أن الوزارة ستعتمد فرقًا متخصصة محترفة بعمليات الإحصاء، وستضمها إلى ورشات عمل تطبيقية لتباشر الإحصاء الدقيق في المحافظات كافة لمختلف المرافق المتضررة التي تحتاج إلى إعادة إعمار.

وأكدت وزارة الإدارة المحلية عزمها تأسيس قاعدة بيانات واضحة عن حجم الدمار، ووضع خطط وأهداف تتناسب معها للمرحلة المقبلة، بغية توفير عودة آمنة للمهجرين.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *