خالد المطلق

منذ عام مضى أغلقت صفحة دموية ومؤلمة من تاريخ سوريا الحديث بسقوط نظام بشار الأسد منهيةً حقبة استمرت عقودًا من الحكم الاستبدادي لعائلة الأسد المجرمة، وبعد مرور عام على هذا التحول التاريخي تجد سوريا نفسها في مرحلة انتقالية معقدة، حيث تتصارع آمال التغيير مع تحديات الواقع البالغ التعقيد.

لقد كان الحدث في حد ذاته تتويجًا لثورة شعب ضحى بأغلى ما يملك “دماء شبابه وتهجيره ومعاناته ومعتقليه” بدأت قبل سنوات طويلة وتكلل بإزاحة رمز الاستبداد وتمثل “حصاد السقوط” الأولي في النقاط التالية:

  • التحرر السياسي والرمزي:

شعور عام بالانفراج والتحرر من قبضة الأمن والتخويف التي طالت السوريين لعقود.

  • عودة اللاجئين (الجزئية):

حيث شهدت الأشهر الأولى عودة محدودة لبعض اللاجئين والنازحين مدفوعين بالأمل رغم أن العودة الكبرى لا تزال مرهونة باستقرار الظروف.

  • بدء مسار المحاسبة:

إطلاق لجان تحقيق وفتح ملفات الفساد والانتهاكات على الرغم من كونها مازالت خجولة في تحركاتها وفراراتها الا انها تعتبر خطوة أولى نحو تحقيق العدالة الانتقالية التي يطالب بها السوريون.

  • الاعتراف الدولي:

شهدت الحكومة الانتقالية الجديدة اعترافًا دوليًا واسعًا وغير مسبوق بغض النظر عن الدوافع الحقيقية لهذا الدعم ما فتح الباب أمام دعم إنساني واقتصادي محتمل.

وعلى الرغم من الفرحة فإن الواقع على الأرض بعد عام من السقوط يشي بتعقيدات لا تقل صعوبة عن سنوات الحرب أهم هذه التعقيدات:

  • تحدي الأمن والفصائل المسلحة

تعد السيطرة على سلاح الفصائل وتوحيد القوات الأمنية تحت قيادة مركزية واحدة هو التحدي الأمني الأكبر إذ لا تزال هناك جيوب فصائلية مختلفة وهو ما يهدد بحدوث صراعات داخلية جديدة في المستقبل.

  • الكارثة الاقتصادية وإعادة الإعمار

اقتصاد سوريا مدمر بالكامل والبنية التحتية محطمة والتضخم والفقر المدقع لا يزالان السمة السائدة، ومن الواضح أن الجهود الحالية تتركز على تأمين المساعدات الأساسية لكن عملية إعادة الإعمار الكبرى تتطلب مئات المليارات من الدولارات وتنسيقًا دوليًا وإقليميًا غير مسبوق وهذا يخضع لمعادلات معقدة جدًا.

  • تشظي الدولة وبناء المؤسسات

لقد خلف النظام البائد مؤسسات ضعيفة ومخترقة تتطلب المرحلة الانتقالية صياغة دستور جديد وتأسيس نظام قضائي مستقل وإجراء انتخابات حرة وشفافة وهي مهام تستنزف الوقت والجهد وتتطلب توافقًا وطنيًا صعب المنال حاليًا.

  • ملف الوجود الأجنبي

لا يزال الوجود العسكري الأجنبي (إقليمي ودولي) مؤثرًا في المشهد السوري وانسحاب أو إعادة انتشار هذه القوات يتوقف على التوازنات الإقليمية والدولية المعقدة وهذا يشكل نقطة ضغط على سيادة الدولة الجديدة.

إن تطلعات السوريين في المستقبل تتوقف على نجاح الحكومة الانتقالية في تنفيذ خطوات محددة أهمها:

  • تحقيق العدالة والمصالحة:

لا يمكن بناء سوريا المستقرة دون إغلاق ملف الانتهاكات عبر العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الشاملة التي تضمن حقوق الضحايا وتُعيد دمج أطياف المجتمع.

  • اللامركزية الإدارية:

إن الحل المستقبلي يكمن في اعتماد صيغة حكم تضمن توزيع السلطة والموارد على الأقاليم المختلفة مع الحفاظ على وحدة التراب السوري.

  • الاستثمار في الشباب:

يجب أن يكون الاستثمار في التعليم والتدريب المهني للجيل الذي عانى سنوات الحرب أولوية قصوى لضمان عدم وجود “جيل ضائع” قادر على قيادة مرحلة الإعمار.

  • الحياد الإيجابي:

يجب تبني سياسة خارجية متوازنة تضمن لسوريا الانفتاح على الجميع دون الانزلاق إلى محور إقليمي أو دولي على حساب مصالحها الوطنية.

  • الانفتاح السياسي والمهني:

يجب اشراك الكفاءات من كل مكونات الشعب السوري وتغليب مصلحة سوريا على مصلحة فئة محددة لا تملك الامكانيات لايصال سوريا الى بر الأمان، وهذا سيجنب البلاد كثير من العقبات وبنفس الوقت يختصر الطريق نحو استقرار سوريا أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا.

خلاصة القول بعد عام من السقوط تقف سوريا على مفترق طرق تاريخي حيث انتصر السوريون في معركة إنهاء الاستبداد لكنهم يواجهون الآن معركة بناء الدولة التي لم تكن أبدًا سهلة، والرهان اليوم هو على قدرة النخبة الجديدة والمجتمع المدني على تجاوز الخلافات وتوحيد الرؤى ووضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار لضمان أن يكون هذا السقوط بداية حقيقية لسوريا حرة ومستقرة وليست مجرد تحول نحو شكل جديد من الفوضى والاستبداد.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.