سيُشكّل العرض العسكري الذي يُحيي الذكرى الـ 250 لتأسيس الجيش الأميركي، والذي يتزامن مع عيد ميلاد دونالد ترمب الـ 79، مشهداً جديداً للعديد من الأميركيين، لكنه لن يكون أول عرض عسكري، بينما يظل أمراً غير معتاد خارج أوقات الحرب، بحسب “أسوشيتد برس”.
ولطالما خطط الجيش للاحتفال بالذكرى المئوية الـ55 لتأسيسه في 14 يونيو، وأراد ترمب ترؤس عرض عسكري ضخم منذ رئاسته الأولى (من 2017 إلى 2021)، وعندما تولى المنصب للمرة الثانية، وجد التقارب المثالي، فحوّل خطط وزارة الدفاع (البنتاجون) إلى عرض عسكري شامل في عيد ميلاده.
ويُصوّر الرئيس، الذي من المتوقع أن يلقي كلمة في واشنطن، هذه المناسبة كوسيلة للاحتفاء بقوة الولايات المتحدة وتضحيات أفراد الجيش، لكن ثمة مخاوف من الحزبين بشأن الكلفة وما إذا كان يُشوّش المفاهيم التقليدية لمعنى أن يكون “قائداً مدنياً أعلى”.
كم تبلغ كلفة الحدث؟
وفقاً لتقديرات شبكة CBS News، يقدر مسؤولو الجيش كلفة الاستعراض العسكري بأكمله بما يتراوح بين 25 و45 مليون دولار.
وعندما سأل أعضاء الكونجرس وزير الجيش دان دريسكول عن مبررات الكلفة، في ظل سعي إدارة ترمب إلى تخفيضات بميزانيات الحكومة الفيدرالية، قال إن الولايات المتحدة لديها “فرصة رائعة” لسرد قصة عن الجيش.
وقال دريسكول للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب: “أعتقد تحديداً أن سرد هذه القصة سيؤدي مباشرةً إلى طفرة في التجنيد لسنوات قادمة”.
ما القوات والمعدات المشاركة؟
من المتوقع أن يشارك في العرض حوالي 6600 جندي يمثلون كل حقبة من تاريخ الجيش الممتد على مدار 250 عاماً، بالإضافة إلى ذلك، يتوقع الجيش مشاركة حوالي 150 مركبة وأكثر من 50 طائرة في الاحتفال.
وسيستعرض العرض العسكري عصوراً مختلفة من تاريخ الجيش، من الحرب الثورية إلى العصر الحديث، وصولاً إلى المستقبل، مع الزي العسكري والمعدات المقابلة.
وقال مسؤولون بالجيش إن من بين المعدات المتضمنة 26 دبابة من طراز “أبرامز إم1 إيه1″، و27 مركبة قتالية من طراز “برادلي”، ودبابتين من طراز “شيرمان” من الحرب العالمية الثانية، ودبابة “رينو” من عصر الحرب العالمية الأولى، وثماني طائرات هليكوبتر من طراز “سي إتش-“47، و16 طائرة “بلاك هوك يو إتش-“60، وأربع طائرات من طراز “بي-51” من عصر الحرب العالمية الثانية.
ما تاريخ الاستعراضات العسكرية؟
بحسب “أسوشيتد برس”، فإن الاستعراضات الاحتفالية، التي كانت تظهر فيها القوات في أبهى حلة وتُجري تدريبات لكبار القادة، تعود إلى ممالك العصور الوسطى وصولاً إلى الإمبراطوريات القديمة لروما وبلاد فارس والصين.
واستمرت هذه الاستعراضات في الجمهورية الأميركية الناشئة، إذ أجرى الرؤساء الأوائل استعراضات عسكرية كجزء من احتفالات الاستقلال في الرابع من يوليو، وانتهى ذلك بتولي جيمس بولك، الذي تولى الرئاسة بين عاميْ 1845 و1849.
وأعاد الرئيس أندرو جونسون إحياء هذا التقليد عام 1865، حيث أقام استعراضاً كبيراً للجيوش لمدة يومين بعد 5 أسابيع من اغتيال الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن.
وجاء ذلك بعد أن أعلن جونسون انتهاء الحرب الأهلية، في استعراض للقوة يهدف إلى إنقاذ أمة منهكة من الحرب، على الرغم من وقوع المزيد من المعارك والإصابات، بحسب أسوشيتد برس.
متى بدأت استعراضات النصر في أميركا؟
كانت الحرب الإسبانية- الأميركية أول صراع دولي كبير تخوضه دولة موحدة منذ الحرب الأهلية.
وانتهت بانتصار أميركي أدى إلى تأسيس إمبراطورية أميركية، إذ تنازلت إسبانيا عن كوبا وبورتوريكو وجوام، واشترت الولايات المتحدة الفلبين مقابل 20 مليون دولار، ولا تزال بورتوريكو وجوام أراضي تابعة للولايات المتحدة.
واستضافت مدينة نيويورك احتفالات متعددة بظهور قوة عالمية جديدة، ففي أغسطس 1898، أبحر أسطول من السفن الحربية، بما في ذلك بروكلين وتكساس وأوريجون، في نهر الشمال، المعروف اليوم باسم “نهر هدسون”.
وصوّر المخترع الأميركي توماس إديسون العرض العائم، وفي سبتمبر التالي، استضافت نيويورك استعراضاً بحرياً وشعبياً للترحيب بعودة الأدميرال جورج ديوي، الذي انضم إلى الرئيس ويليام ماكينلي في منصة المشاهدة.
وبعد بضعة عقود، أقامت العديد من المدن الأميركية استعراضاتٍ لانتصار الحرب العالمية الأولى، لكن لم تكن واشنطن ولا الرئيس وودرو ويلسون محور الاهتمام، ففي بوسطن، احتفل مليون مدني بـ20 ألف جندي عام 1919. وكرمت نيويورك 25 ألف جندي ساروا بزيهم العسكري الكامل ومعداتهم القتالية.
وكانت نيويورك مركزاً للاستعراضات العسكرية مرة أخرى خلال الحرب العالمية الثانية. في 13 يونيو 1942، ومع تسارع وتيرة انخراط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، شكّل حوالي 30 ألف شخص موكباً للتعبئة في مدينة نيويورك.
وضمّ المشاركون أفراداً من الجيش والبحرية، وأعضاءً من خدمات التطوع النسائية الأميركية، وكشافة، وطلاباً من المدارس العسكرية، كما انطلقت عشرات العربات العسكرية.
وبعد أقل من 4 سنوات، قادت الفرقة 82 ودبابات شيرمان موكب نصر في الجادة الخامسة بمانهاتن، وشارك الجنرال دوايت أيزنهاور، قائد قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، في موكب نصر في واشنطن العاصمة.
وفي عام 1952، انضم أيزنهاور إلى جرانت وجورج واشنطن كأبرز قادة زمن الحرب الذين رُقّوا إلى الرئاسة بعد إنجازاتهم العسكرية، كما تم تكريم جنرالات آخرين من الحرب العالمية الثانية في مواكب أخرى للعودة إلى الوطن.
ما سر الفجوة الطويلة في الاستعراضات رغم كثرة الحروب؟
لم تُقم الولايات المتحدة استعراضات عسكرية وطنية أو كبرى في المدن بعد حربيْ كوريا وفيتنام، فقد انتهت كلاهما دون نصر واضح، وأثارت حرب فيتنام، على وجه الخصوص، انقساماً مجتمعياً مريراً، لدرجة أن الرئيس جيرالد فورد اختار عدم المشاركة العسكرية القوية في احتفالات الذكرى المئوية الثانية عام 1976.
وأخيراً، استضافت واشنطن استعراضاً عسكرياً للنصر عام 1991 بعد حرب الخليج الأولى. وضمّ العرض العسكري في شارع الدستور 8 آلاف جندي ودبابة وصواريخ باتريوت وممثلين عن التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، الذي سرعان ما طرد العراق من الكويت.
ويعد جورج بوش الأب، القائد العام، آخر رئيس أميركي شغل منصباً عسكرياً فعلياً، إذ كان طياراً مقاتلاً في الحرب العالمية الثانية ونجا من إسقاط طائرته فوق المحيط الهادئ. ولم يتم تكريم قدامى المحاربين في حربيْ العراق وأفغانستان الثانية اللتين أعقبتا هجمات 11 سبتمبر 2001 في المسيرات الوطنية.
وماذا عن مشاركة الجيش في مراسم التنصيب؟
في مستهل الحرب الباردة، ضمّ موكب أيزنهاور التنصيبي في العام 1953، 22 ألف جندي ومدفعاً نووياً.
وبعد 8 سنوات، شاهد الرئيس جون كينيدي، الضابط البحري في الحرب العالمية الثانية، دبابات مدرعة، وأفراداً من الجيش والبحرية، وعشرات الصواريخ والزوارق البحرية تمر أمام منصة الاستعراض الخاصة به.
وقد شملت مراسم التنصيب الأحدث حرس الشرف، وطلاب الأكاديمية، والفرق الموسيقية العسكرية، وغيرهم من الأفراد، ولكنها لم تشمل عناصر قتالية كبيرة.
والجدير بالذكر أن رؤساء الولايات المتحدة، حتى عند قيادة أو حضور فعاليات عسكرية، يرتدون ملابس مدنية بدلاً من الزي العسكري، وهو معيار وضعه أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن، الذي تجنب مناداته بـ”الجنرال واشنطن” مفضلاً لقب “السيد الرئيس”.
وربما كان الاستثناء الوحيد في عام 2003، عندما ارتدى جورج بوش، الذي كان طياراً في الحرس الوطني، بدلة طيران، عندما هبط على متن حاملة الطائرات الأميركية “أبراهام لينكولن”، معلناً انتهاء العمليات القتالية الرئيسية في العراق، الذي غزته القوات الأميركية قبل ستة أسابيع من ذلك الموعد.
ولم تكن حاملة الطائرات مسرحاً للاستعراض العسكري، لكن الرئيس خرج وسط هتافات حماسية من أفراد الخدمة النظامية، وارتدى بدلة رسمية لإلقاء خطاب متلفز على الصعيد الوطني أمام لافتة كتب عليها “المهمة أُنجزت”، ومع استمرار الحرب نحو نتيجة أقل حسماً، أصبح هذا المشهد وصوره الخالدة عبئاً سياسياً على الرئيس.