– وسيم العدوي | محمد كاخي
كانت دمشق عام 2010، أي قبل انطلاق الثورة السورية بسنة واحدة، من أغلى مدن العالم في أسعار العقارات.
وذكرت دراسة لمؤسسة “كوشمان وويكفيلد” المتخصصة بمتابعة أسعار العقارات حول العالم، أن العاصمة السورية دمشق احتلت المرتبة الثامنة من بين أغلى عشر مدن في العالم بمؤشرات أسعار المكاتب والعقارات.
واليوم، بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، لا تزال دمشق واحدة من أغلى مدن العالم في أسعار العقارات، بحسب ما رصدته.
وتبدو الأسعار متناقضة بشكل لافت عند مقارنتها بالدول المجاورة والعالم، ففي أحياء مثل المالكي وأبو رمانة والمزة فيلات والميدان والزاهرة، تسجَّل أسعار مرتفعة تفوق القدرة الشرائية لمعظم السكان، رغم أن السوق تعاني من ركود وضعف في الطلب الحقيقي، بحسب الخبيرة العقارية فادية عبد النور.
مثل دبي ومدن أمريكية
تتشابه أسعار بعض العقارات في دمشق بأسعار الشقق السكنية في عواصم أوروبية أو مدن تعرف بنشاط تجارة العقارات الفارهة مثل دبي، بحسب أسعار العقارات التي تتبعتها في موقع شركة “Jones Lang LaSalle Incorporated” العالمية الرائدة في مجال الخدمات العقارية، وإدارة الاستثمارات والعقارات التجارية، وبأسعار عقارات في مدن بعض الولايات الأمريكية، بنفس المساحة المقدّرة للعقار، بحسب منصة “Redfine” المختصة بأسعار العقارات.
ورغم ظروف الحرب وتراجع الاقتصاد، ما زالت سوق العقارات في مدن مثل دمشق وحلب تضاهي أغلى الأسواق العقارية قياسًا بالدخل المحلي.
خبراء يوضحون
أدى تراجع الاقتصاد السوري بشكل كبير خلال السنوات الماضية إلى ضعف القوة الشرائية وهبوط الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وبالتالي إلى تضخم أسعار العقارات بالليرة السورية، وخصوصًا في المناطق الآمنة التي زاد الطلب عليها.
أستاذ التمويل والاقتصاد في جامعة “اسطنبول صباح الدين زعيم”، ورئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي (إيفي)، الدكتور أشرف دوابة، قال إن تدمير النظام المخلوع لكثير من الأحياء والمساكن خلق طلبًا مرتفعًا في سوق العقارات على معروض قليل، ما أثر سلبًا على الأسعار وأدى إلى ارتفاعها.
بدروها، ترى الخبيرة العقارية فادية عبد النور، أن الأمر الذي أسهم جزئيًا في ارتفاع أسعار العقارات هو غلاء أسعار مواد البناء والإكساء لأن معظمها كان مستوردًا.
ومن الطبيعي أن تكون أسعار العقارات في سوريا خلال السنوات الماضية أعلى من أسعار العقارات ببعض دول الجوار، مثل تركيا، لأن الأخيرة دولة كبيرة وقوية اقتصاديًا ومستقرة سياسيًا، وفيها معامل لإنتاج مواد البناء مثل الحديد والأسمنت وغيرهما.
وبالرغم من ارتفاع سعر الليرة السورية مقابل الدولار بعد سقوط النظام السوري السابق في 8 من كانون الأول 2024، فإن انعكاس ذلك على قيمة مواد البناء الرئيسة محدود لا يتجاوز نسبة 15% من التغير الكلي الطارئ على سعر الدولار، مع الإشارة إلى وجود عوامل أخرى تؤثر على تكلفة البناء، وفق الخبيرة العقارية فادية عبد النور.
وتابعت الخبيرة أنه بالرغم من الانخفاض الذي طرأ على سعر مادة الأسمنت، فإنه بالمقابل طرأ ارتفاع كبير على أسعار اليد العاملة الفنية التخصصية وعلى تكلفة نقل المواد وتحميلها، وبذلك يمكن القول إن قيمة مواد البناء ليست العامل الحاسم في تقدير قيمة العقارات.
العامل الأساسي الذي يثقّل وزن قيمة العقارات، وفق عبد النور، هو الموقع الجغرافي وقيمة الأراضي، حيث يوجد سقف لأسعار العقارات بكل منطقة في سوريا عمومًا وفي دمشق خصوصًا، وقد يتغير هذا السقف بنسب بسيطة صعودًا أو هبوطًا، ولكن يبقى هو الأساس في تقييم العقار، وأن استخدام مواد بنوعية ممتازة لبناء وإكساء عقار موجود في موقع جغرافي ضعيف نسبيًا لا يرفع من قيمة العقار بما يتوازى مع تكلفة البناء والإكساء الكبيرة.
كما تدخل نوعية الملكية كمؤشر في تثقيل قيمة العقارات، فقيمة العقارات المسجلة بمديرية المصالح العقارية أو السجل المؤقت (وسط دمشق) تختلف عن قيمة العقارات الواقعة بأطراف المدينة والمسجلة لدى جهات أخرى (مثل مؤسسة الإسكان العسكرية، تنفيذ الإنشاءات، حكم محكمة، الكاتب العدل)، ما يؤكد أن الموقع الجغرافي هو الأساس والعامل الحاسم في تحديد قيمة العقارات.
“المالية” تعد أصحاب الدخل المحدود
قال حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، في منشور عبر “فيسبوك“، في 12 من تموز الماضي، إنه في إطار العمل على تلبية تطلعات الشباب السوري، للحصول على سكن لائق في سن مبكرة، “أُسهم في وضع القانون (39) الذي تضمّن نظامًا متكاملًا للتمويل العقاري، ويراعي احتياجات الواقع، ويضع أسسًا عملية ومستدامة لهذا القطاع الحيوي”.
ويتضمن النظام، بحسب حصرية، إحداث هيئة التمويل العقاري كجهة ناظمة، تُعنى بتنظيم وتمكين القطاع، وصندوق للضمان وتطوير مهنة التقييم العقاري، إلى جانب إطلاق مؤسسة وطنية للتمويل العقاري، وتمكين شركات تمويل خاصة تعمل ضمن ضوابط واضحة.
المديرة العامة لهيئة الإشراف على التمويل العقاري، انتصار ياسين، قالت ل، إن الأسعار المرتفعة للعقارات في دمشق تعزى لأنها العاصمة ومركز سوريا الاقتصادي والاجتماعي، ولأن المشاريع السكنية قليلة، وبالتالي السوق العقارية تخضع لقانون العرض والطلب، وهذا بدوره يؤثر على أسعار العقارات، ويحرم أصحاب الدخول المنخفضة من العاملين أو أصحاب المهن من اقتناء منزل ضمن مدينة دمشق.
ويأتي دور هيئة الإشراف على التمويل العقاري بالعمل على تنظيم قطاع التمويل العقاري، والإشراف عليه لتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني، والعمل على تنظيم سوق التمويل العقاري وتنمية المدخرات فيه، بالإضافة إلى إلزام الجهات التي تقوم بالتمويل العقاري بقواعد ممارسة المهنة لتقديم خدمات أفضل للمستفيدين من التمويل العقاري، بحسب ياسين.
ياسين قالت، في حديثها إلى، إن من أهم أهداف الهيئة توفير التمويل لمختلف فئات المجتمع وفقًا لحاجاتها وإمكاناتها المالية، مع مراعاة أصحاب الدخول المحدودة ومتوسطة الدخل والأسر الجديدة، وذلك بالعمل على تخفيض تكلفة الإقراض وتوفير قنوات الادخار والاستثمار.
وبحسب حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، فقد تم الاستناد إلى التجربة الدنماركية والكندية في بناء نموذج متقدم للتمويل العقاري في سوريا.
وأوضحت مديرة “الهيئة”، انتصار ياسين، أن التجربة الكندية تميزت بنجاحها في إنشاء سوق عقارية محلية متخصصة بالإسكان، وكان من أبرز ملامحها تنوع خيارات التمويل والتركيز على الإسكان ميسور التكلفة والمدعوم، وهذا الأمر أحد الأهداف الأساسية لإحداث هيئة الإشراف على التمويل العقاري في سوريا، وهو العمل على توفير التمويل لأصحاب الدخول المنخفضة عبر أدوات تمويلية متعددة، ووفق شروط محددة، يمكن توفرها من خلال صندوق دعم التمويل العقاري الذي يمكن إحداثه لاحقًا.
وتابعت ياسين أن الخطوات التكميلية لخطوة إنشاء “الهيئة” كإصدار صندوق الضمان العقاري، وإحداث المؤسسة الوطنية للتمويل العقاري، وصندوق دعم التمويل العقاري، قد يساعد أصحاب الدخول المنخفضة بالحصول على التمويل لشراء منزل بفوائد مخفضة عبر أدوات تمويلية متعددة منها “الإجارة المنتهية بالتمليك”.
حركة “جامدة” واستثمارات مرتقبة
شهدت سوق العقارات في دمشق وضواحيها جمودًا في عمليات بيع وشراء الشقق السكنية، خصوصًا بعد سقوط نظام الأسد، وتوقف الدوائر الحكومية التي تجري معاملات التسجيل والفراغ العقاري ونقل الملكية، منذ 8 من كانون الأول 2024 وحتى تموز الماضي.
وأثّرت قلة السيولة النقدية بين أيدي الناس وتذبذب سعر صرف الدولار على أسعار العقارات منذ التحرير باعتبار أن القيمة المادية لأي عقار تحدد به.
الخبيرة العقارية فادية عبد النور، قالت ل، إن أسعار العقارات حاليًا ترتبط بالمسار الأمني والسياسي والاقتصادي، والتي أدت جميعها إلى جمود في حركة بيع وشراء العقارات في سوريا، إلا أن هذا الجمود لم يؤثر بشكل مباشر وكبير على قيمة العقارات التي بقيت ثابتة نوعًا ما بالدولار الأمريكي، وتُستثنى من ذلك بعض البيوع الخاضعة لظروف اضطرارية واستثنائية لا يمكن الاعتداد بها.
وبالتالي، يمكن القول إن الأسعار الحالية للعقارات هي حقيقية وليست مجرد تضخم وهمي، وإن بقيت الأمور على حالها لن يتغير شيء، وإن تحسنت الأوضاع سترتفع قيمتها حكمًا، بحسب عبد النور.
كثير من المناطق تبقى مستهدفة من قبل شرائح معينة من المواطنين المعتادين على العيش فيها، وفق عبد النور، فعلى سبيل المثال، هناك علاقة وثيقة بين حي الميدان بدمشق وبين سكانه، وكذلك الأمر بالنسبة لحي المالكي، وحي اليرموك، وحي القصاع، الأمر الذي يؤدي إلى الاستمرار في الطلب على العقارات فيها، وبالتالي إلى ثبات سعرها.
وتقرأ عبد النور مشهد الاستثمارات السكنية الكثيرة التي تم الإعلان عنها في المؤتمرات الاستثمارية بدمشق، وأثرها على أسعار العقارات، من خلال التفريق بين نوعين من الأبراج السكنية المعلن عنها:
- الأبراج السكنية الشعبية التي تمس احتياجات أغلبية الأسر للسكن: باعتبار أن هذه الأبراج ستنفذ لحل مشكلة السكن للشريحة التي لا تملك الإمكانيات المادية الكبيرة والتي تحتاج إلى الإيواء، فلن تكون أسعارها منافسة لأسعار سوق العقارات، وبالتالي لن تؤثر على قيمة العقارات.
- الأبراج السكنية التي تستهدف شريحة معينة من السوق: في حال كانت هذه الأبراج تمتلك ميزات فنية تنظيمية جيدة (خدمات، وجائب، مرائب، حدائق، ملاعب…)، وكانت أسعارها منافسة لأسعار العقارات الواقعة بمناطق مماثلة، فإن من المتوقع أن يؤدي دخول هذه الأبراج مرحلة التنفيذ الفعلي إلى رفع أسعار العقارات الواقعة بأطراف المدينة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي