
في شتاء غزة، لا يعود الناس إلى بيوتهم ولا يتهيأون للنوم؛ فهنا يسقط المطر كتهديد لا كنعمة. آلاف العائلات تعيش داخل خيام بالية تتسلّل إليها المياه من كل جانب، لتتحول الليالي الباردة إلى معركة صامتة مع الطبيعة، توازي قسوة الحرب نفسها.
المشاهد القادمة من المخيمات تكشف مأساة تتجدد كل ساعة: أمّ غزيّة تقاوم السيل بيديها، تخشى أن يختطف البرد أبناءها قبل أن تفعل القنابل. أطفال يرفعون أفرشتهم فوق رؤوسهم اتقاءً للطوفان، بينما يحاولون إنقاذ ما تبقى من طفولة غمرها الماء والبرد والخوف.
في غياب التدفئة، وشحّ الأغطية، وانعدام أدنى مقومات الإغاثة، يصبح الشتاء خصمًا يوميًا لا يمكن الهروب منه. الخيام تتداعى أمام الرياح، الأرض تتحول إلى طين، والناس يقفون بين خيارين أحلاهما مُرّ: مواجهة المطر داخل الخيام… أو الهروب منه إلى العراء.
هذا الشتاء في غزة ليس طقسًا عابرًا بل قضية تُعرّي ضمير العالم. فكل ليلة ممطرة امتحان جديد لقدرة البشر على التحمل، وصرخة تذكّر بأن هناك شعبًا يخاف الماء كما يخاف الطائرات. إنها دعوة للعالم كي يتذكر شعب الخيام… قبل أن تُطفئ الأمطار آخر ما تبقى من أرواحهم.
