اخر الاخبار

عوامل دفعت نتنياهو لقبول اتفاق لبنان

 ساهمت عدة عوامل في قبول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، رغم إصراره على التصعيد في وقت سابق، من بينها إرهاق الجيش الإسرائيلي، واستنزاف مخزونات الذخيرة نتيجة القتال على جبهتين في لبنان وغزة، فضلاً عن المعارضة السياسية الداخلية في إسرائيل، ورغبة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في إنهاء الحرب، حسبما ترى صحيفة “فاينانشيال تايمز”.

وقالت الصحيفة البريطانية، إن القرار جاء نتيجة عدة عوامل، من بينها “الإنجازات العسكرية الإسرائيلية” التي ألحقت خسائر فادحة بجماعة “حزب الله”، والإرهاق الذي أصاب قوات الاحتياط الإسرائيلية بسبب القتال المستمر، وتناقص مخزون الأسلحة.

وعلى الرغم من التصعيد، كانت أهداف نتنياهو في لبنان أقل طموحاً من السعي إلى “النصر الكامل” الذي يطمح لتحقيقه في غزة.

وفي ظل تصاعد الانتقادات الداخلية من وزراء اليمين المتطرف، ورؤساء بلديات شمال إسرائيل، وقادة المعارضة، قرر نتنياهو قبول اتفاق وقف إطلاق النار، معتبراً أن أهدافه قد تحققت إلى حد كبير، وسط ازدادت مخاطر استمرار الحرب.

صعوبة حرب لبنان

يعقوب عميدرور، مستشار نتنياهو السابق للأمن القومي، والباحث بمعهد JINSA في واشنطن، أشار إلى أن “حزب الله” ليس حركة “حماس”، و”لا يمكن تدميره بالكامل. هذا لم يكن مطروحاً”، مضيفاً أن “لبنان أكبر من أن يكون ساحة حرب سهلة، و(حزب الله) أقوى من أن يُهزم سريعاً”.

وذكر أن “الاتفاق ليس الحلم الذي راود الكثير من الإسرائيليين، ولكنه جاء في وقت شهدت فيه إسرائيل استنزافاً في مخزون الذخيرة، وزيادة الضغط على قوات الاحتياط”، لافتاً إلى أن “إسرائيل لا تستطيع تحمل سنة أخرى من الحرب بنفس الوتيرة الحالية في الشمال”.

وقال المسؤولون الإسرائيليون، إن الهدف الرئيسي للعملية، كان ضمان عودة عشرات الآلاف من سكان شمال البلاد الذين تم إجلاؤهم بعد هجمات “حزب الله”.

وأضاف المسؤولون، أن هدفهم من العملية العسكرية كان دفع مقاتلي “حزب الله” بعيداً عن الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وتغيير “الواقع الأمني” على الحدود.

وبعد أشهر من التبادل المحدود لإطلاق النار عبر الحدود مع “حزب الله”، صعّدت إسرائيل من وتيرة هجماتها في سبتمبر الماضي، من خلال عملية سرية جريئة شملت تفجير الآلاف من أجهزة “البيجر” والهواتف اللاسلكية، وشن سلسلة من الغارات الجوية على لبنان، وبدأت عملية برية “قاسية” في شمال لبنان هي الأولى من نوعها منذ قرابة العقدين.

وخلال أسابيع قليلة، تم القضاء على معظم قادة “حزب الله” ومنهم أمينه العام حسن نصر الله، كما جرى تدمير جزء كبير من ترسانة الجماعة من الصواريخ والقذائف.

وشنت الطائرات الحربية الإسرائيلية كذلك غارات على العاصمة بيروت دون قيود، في حين كانت القوات البرية تتنقل عبر جنوب لبنان.

ويرى تامير هايمان، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ورئيس معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، أن “النجاح العسكري كان استثنائياً”.

وأردف: “الحملة البرية الإسرائيلية أسفرت عن تدمير منهجي لمواقع (حزب الله) من مخازن أسلحة ومراكز إطلاق في منطقة الحدود، مما جعل العودة إلى المنازل أكثر أمناً للإسرائيليين، وهو ما جعل اتفاق وقف إطلاق النار خياراً قابلاً للتنفيذ”.

لكن هذه الهجمات أسفرت عن تكلفة مدمرة للبنان، فقد دُمرت مساحات واسعة من جنوب لبنان وشرقه نتيجة القصف الإسرائيلي. كما بلغ عدد الضحايا في لبنان أكثر من 3700 شخص، بينهم عدد غير معروف من المقاتلين، وكان معظمهم منذ سبتمبر، في حين تم تهجير أكثر من مليون شخص من منازلهم.

وفي المقابل، بلغ عدد القتلى الإسرائيليين، من مدنيين وعسكريين، أكثر من 140 شخصاً، فيما تم تهجير 60 ألفاً من شمال إسرائيل.

ويعتمد اتفاق وقف إطلاق النار على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أنهى الحرب السابقة بين إسرائيل و”حزب الله” في 2006، لكنه لم يُنفذ بالكامل.

“نسخة مشددة” من اتفاق قديم

ووصف تامير هايمان، الاتفاق الجديد بأنه “نسخة مشددة من الاتفاق القديم”.

ووفقاً للاتفاق، من المقرر أن يسحب كل من الجيش الإسرائيلي ومقاتلو “حزب الله” قواتهم من جنوب لبنان، ليحل محلهم الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

كما سيتم تعزيز آلية مراقبة دولية بقيادة الولايات المتحدة لرفع مستوى الإنذارات في حال حدوث أي انتهاكات.

وشدد المسؤولون الإسرائيليون، على أنهم لن يترددوا في اتخاذ إجراءات عسكرية ضد “حزب الله” داخل لبنان، في حال قام بخرق اتفاق وقف إطلاق النار.

وتضمن الاتفاق كذلك “رسالة جانبية” من الولايات المتحدة لإسرائيل، تتيح لها القيام بعمليات عسكرية في لبنان إذا دعت الحاجة، وذلك دون الحاجة للتشاور أو الانتظار لموافقة إضافية، بحسب ما نقلته “فايننشيال تايمز” عن شخص مطلع على الأمر.

ترتيبات سياسية جديدة في لبنان

ومع ذلك، يرى المسؤولون الإسرائيليون، أن “الجائزة الاستراتيجية الحقيقية” في وقف إطلاق النار قد تكمن في إمكانية حدوث “إعادة ترتيب سياسي” في لبنان.

وقال تامير هايمان: “كان حزب الله في الماضي أقوى من دولة لبنان، لكنه الآن أصبح ضعيفاً للغاية”، معتبراً أن “هذه فرصة كبيرة للدولة لإعادة توازن القوى بين الفصائل والطوائف الداخلية، وكسر سيطرة إيران وحزب الله على الدولة”.

وفقاً لمصدرين مطلعين على مشاورات الحكومة الإسرائيلية، لعبت السياسة الداخلية الأميركية دوراً حاسماً في توقيت ومضامين الاتفاق.

وذكر مصدر مطلع، أن “الحرب لم تكن لتستمر إلى الأبد. ترمب أراد إنهاءها، ونتنياهو كان مدركاً لذلك”.

وتغطي المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار التي تستمر 60 يوماً، الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس جو بايدن حتى يوم تنصيب ترمب في 20 يناير المقبل.

وذكر نتنياهو، الثلاثاء الماضي، دون أن يوجه اللوم بشكل صريح إلى إدارة بايدن، أنه “ليس سراً أن هناك تأخيرات كبيرة في تسليم الأسلحة والذخائر”، لكنه توقع أن يتم حل هذه المشكلة “قريباً”.

وأشار مصدر للصحيفة البريطانية، إلى أن “نتنياهو كان مدركاً أنه بدون اتفاق، قد تلجأ إدارة بايدن لبعض الخطوات غير الشعبية ضد إسرائيل، بما في ذلك في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.

معارضة داخلية

ولعبت السياسة الداخلية في إسرائيل أيضاً، دوراً رئيسياً في استعداد رئيس الوزراء للتوصل إلى اتفاق.

ورغم استمرار معارضتهم، لم يهدد حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف بإسقاط الحكومة بسبب وقف إطلاق النار في لبنان، على عكس تعهداتهم العام الماضي بالقيام بذلك إذا توصل إلى اتفاق مع “حماس” في غزة.

وبخلاف الوضع مع “حزب الله”، فإن التوصل إلى اتفاق مع “حماس” ربما يتطلب الإفراج عن مئات من الأسرى الفلسطينيين، وإنهاء الحلم اليهودي القومي المتطرف في إنشاء مستوطنات في غزة، بحسب “فايننشيال تايمز”.

وقال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأميركي السابق، والباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إنه “يمكن لنتنياهو أن يبرم هذا الاتفاق للأسباب نفسها التي تجعله غير قادر على إبرام اتفاق مع (حماس)”.

وبالنسبة للاستراتيجيين الإسرائيليين، ربما يكون الجانب الأكثر أهمية في الاتفاق هو أن “حزب الله”، بموافقته على وقف القتال، قد قطع الرابط المباشر الذي كان قد أنشأه مع “حماس” في بداية الحرب عندما بدأ في إطلاق النار “تضامناً” مع الحركة التي تتواجد في غزة، وتعهد بالاستمرار في القتال حتى ينتهي النزاع في القطاع.

وقال عميدرور، المقرب من نتنياهو، إن “محور المقاومة الإقليمي لإيران قد تدمر الآن، ولا يوجد الآن أي اتصال بين الجبهتين، ومن وجهة نظر إسرائيل، فهذا يعتبر نجاحاً مهماً”.

وأضاف أنه “مع حل ما يُسمى بالجبهة الشمالية، يمكن لإسرائيل الآن تحويل معظم قواتها البرية ومواردها العسكرية الأخرى إلى الجنوب نحو غزة في محاولة أخيرة لتحطيم حماس”.

وذكر مسؤولون إسرائيليون مقربون من نتنياهو، أنه في ظل غياب دعم “حزب الله”، قد تكون “حماس” أكثر احتمالاً للقبول بشروط إسرائيل للوصول إلى اتفاق أكثر تفضيلاً. ومع ذلك، يظل المسؤولون الدفاعيون الإسرائيليون والدبلوماسيون الأجانب والمحللون الغربيون مشككين في ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *