عودة ترامب.. أي استراتيجية تنتظرها سوريا
علي درويش | حسن إبراهيم | هاني كرزي
تنذر عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض دولًا حول العالم بسياسة جديدة قديمة مختلفة عن سلفه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فأوروبا والصين وروسيا ومنطقة الشرق الأوسط وحتى الجارة المكسيك، شهدت تعاملًا وتفاعلًا أمريكيًا أكثر سخونة في عدة ملفات، خلال ولاية ترامب الأولى بين عامي 2016 و2020.
أبرز ما يتذكره السوريون عن ترامب، أنه وجه ضربة عسكرية ضد قوات النظام، ووصف بشار الأسد بـ”الحيوان“، بسبب استخدام النظام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في مدينة خان شيخون جنوبي إدلب، في نيسان 2017.
سياسة ترامب خلال ولايته الأولى انعكست على مستويات مختلفة، نتيجة طريقة تعاطيه مع دول فاعلة في الملف السوري عسكريًا وسياسيًا، على رأسها إيران وتركيا، وأيضًا توقيعه على قانون “قيصر” الأمريكي لحماية المدنيين.
منذ إعلان فوز ترامب بولاية جديدة على حساب منافسته “الديمقراطية” كامالا هاريس، بدأت الدول النافذة في الملف السوري بإعداد سياساتها بناء على تجربتها السابقة مع ترامب خلال فترة رئاسته الأولى، كما يعتزم “اللوبي السوري” في الولايات المتحدة تكثيف جهوده للضغط على النظام.
سياسة ترامب تجاه سوريا والمنطقة تبقى خارج التحليل والتوقعات، فـ”ترامب شخص لا يمكن التخمين بماذا يفكر”، وفق تعبير الدكتور سمير العبد الله، مدير قسم تحليل السياسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”.
وقال العبد الله ل، إنه قياسًا بفترة رئاسة ترامب السابقة، “أعتقد أن الأمر مختلف حاليًا”، فالمنطقة تشهد تصعيدًا كبيرًا وحربًا مستمرة منذ أكثر من سنة، لذلك ستكون استجابته مختلفة هذه المرة، ومن المتوقع أن تكون أشد.
ويمكن تخمين ذلك من خلال الأسماء التي تم الإعلان عنها بأنها ستكون جزءًا من فريقه، ومعظمها لها مواقف متشددة من نظام الأسد وإيران.
مدير البرنامج السوري في “المجلس الأطلنطي” (مؤسسة بحثية أمريكية)، قتيبة إدلبي، رد على سؤال حول تراجع اهتمام بايدن بالملف السوري مقارنة بفترة ترامب السابقة، بأن القائمين على الملف السوري في عهد ترامب كانوا مهتمين به بشكل أكبر بملف سوريا.
لكن ترامب لن يهتم بشكل مختلف بموضوع سوريا، والسؤال الأهم اليوم هو مَن الأشخاص الذين سيشغلون المناصب التي ستدير الملف السوري وملف المنطقة بشكل عام، وبناء على ذلك يمكن لنا معرفة مدى الاهتمام الذي قد ينصب على الملف السوري، “حتى الآن حقيقة هذا الأمر غير واضح”، قال إدلبي.
رشح ترامب ثلاثة أشخاص من فريقه حتى لحظة إعداد الملف، هم تولسي جابرد، لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية، وكانت التقت مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في “مهمة لتقصي الحقائق” في عام 2017.
واختار ترامب المستثمر العقاري ومالك عقارات ومؤسس مجموعة “ويتكوف”، ستيف ويتكوف، مبعوثًا أمريكيًا خاصًا إلى الشرق الأوسط، كما يتطلع ترامب إلى تعيين مايك والتز في منصب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، ويعد من قدامى المحاربين في القوات الخاصة الأمريكية.
ارتباط بالسياسة الأمريكية
أوضح قتيبة إدلبي أن استراتيجية الولايات المتحدة بالنسبة لسوريا فيها استمرارية عمليًا، ومنذ 2015 انتقلت استراتيجية الولايات المتحدة إلى التركيز على العوامل الأساسية في سوريا، وهي:
- الوصول إلى وقف لإطلاق النار.
- مكافحة الحركات “الإرهابية” داخل سوريا.
- احتواء أزمات سوريا، وخاصة أزمة اللاجئين لتجنب تأثيرها على الدول الغربية.
- الانتقال من سياسة تغيير النظام إلى مصالحة بين النظام والمعارضة.
هذه الاستراتيجية لم تتغير منذ 2015، لكن ما تغير خلال فترات مختلفة هو طريقة تنفيذها، ففريق ترامب يركز على الضغط على إيران أو الوصول إلى تحقيق هذه الأمور من خلال حملة “الضغط الأقصى”.
الاستراتيجية عمليًا استمرت نفسها في فترة رئاسة بايدن، الذي قام بمزيد من الدبلوماسية من خلال العمل مع الأطراف في المنطقة (هو رفع الضغط عن النظام)، ومع ترامب سنشهد عودة إلى سياسة الضغط الأقصى على النظام، وبالتالي “أعتقد أن الوضع بالتأكيد لن يكون جيدًا للنظام”، وفق تعبير إدلبي.
المعارضة تحتاج لإعادة ترتيب
استبعد الدكتور سمير العبد الله أن تحظى المعارضة السورية بحالتها الحالية “بأي اعتبار من أمريكا أو غيرها من الدول”، خاصة أنها أصبحت بعيدة عن الشارع المعارض.
لكن بالنسبة لمناطق سيطرة المعارضة، رجح العبد الله استمرار أمريكا بدعم ملف المساعدات الإنسانية، وربما يتم الاتفاق على البدء بجدية بالتفكير بحل سياسي، أو إحراز تقدم بالمسارات السياسية، خاصة إذا توافق ترامب وبوتين على ذلك، ما سينعكس على سوريا كلها.
المعارضة تحتاج إلى أن تعيد ترتيب وتقديم نفسها كي تدخل ضمن حسابات إدارة ترامب، وبالشكل الحالي، “الأطراف الفاعلة غير الدولية ليس لها حظوظ قوية اليوم”، بحسب تعبير إدلبي، سواء في واشنطن مع إدارة ترامب أو أي أماكن أخرى.
ملفات على الطاولة
يرتبط الملف السوري بعدة ملفات إقليمية ودولية، منها الحرب التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة ولبنان وضرباتها داخل سوريا، وأزمة اللاجئين السوريين، وعمليات تهريب المخدرات.
بحسب قتيبة إدلبي، بالنسبة للولايات المتحدة، الملف الأول بشكل أساسي يتعلق بإسرائيل، وكيفية وقف خط الإمداد القادم عبر سوريا إلى “حزب الله”، وهذا أمر جدًا مهم بالنسبة لإسرائيل، “وأعتقد سيتم طرح طريقة التعامل معه خلال الأشهر الأولى كجزء من إدارة ملفات المنطقة وإدارة الفوضى القائمة اليوم”.
الملف الآخر الذي تم الحديث عنه هو الانسحاب من المنطقة الحدودية ما بين سوريا وتركيا، وهو أمر ما زال ترامب وفريقه يتكلم عنه.
ونوه إدلبي إلى أن ترامب عندما يتحدث عن الانسحاب، فهو ليس انسحابًا من سوريا بشكل كامل وإنما من منطقة شمال الـ”M4″ عمليًا، كي لا تكون الولايات المتحدة هي خط دفاع عن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) أمام أي هجمات تركية، “طبعًا سنرى تطورات بشأنه بالتأكيد خلال السنة المقبلة”.
أما الملف الثالث المهم فهو ملف العقوبات، إذ ستشهد سوريا تشديدًا بشكل أكبر بما يتعلق بتنفيذ برامج العقوبات، وخاصة قانون “قيصر”، وستشهد بلا شك تمرير “قانون منع التطبيع”، العام المقبل، في ظل سيطرة “الجمهوريين” على جوانب صنع القرارات التشريعية والتنفيذية.
روسيا.. لا تغيير
في مقابلة مع وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، أعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، استعداد بلاده لاستئناف الحوار مع واشنطن بشأن سوريا، عندما يصل ترامب إلى البيت الأبيض، وإذا كانت هناك مقترحات فإن الجانب الروسي منفتح.
روسيا تمتلك نفوذًا على مختلف المستويات في سوريا بعد تدخلها إلى جانب النظام في أيلول 2015، وهو ما فتح لها مجالًا أوسع في الاقتصاد والسيطرة العسكرية في سوريا.
الخبير في الشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف، استبعد أن يطرأ أي تغيير بخصوص نفوذ وسيطرة روسيا في سوريا بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، و”هذا الأمر لن يكون محل جدال أو مناكفة بين الزعيمين”، وفق تعبيره.
وقال نصر اليوسف ل، إنه في حال أرادت روسيا أن توسع من سيطرتها ونفوذها في سوريا، فإن إيران لن تمثل عائقًا، والوضع الحالي جيد جدًا بالنسبة لروسيا، “أنا على ثقة بأنها تستطيع أن تمرر أي شيء تريده”.
وأشار اليوسف إلى أن النظام وإيران مدينان بشكل تام لروسيا، فإيران لا يمكن أن تنسى أنها كانت عاجزة عن وقف زحف فصائل “الجيش الحر” عام 2015، الأمر الذي دفع الإيرانيين للاستنجاد بروسيا، وهذا على الصعيد المحلي.
أما على الصعيد الدولي فتعتبر روسيا محامية إيران على الساحة الدولية وخاصة في مجلس الأمن، فلا تستطيع ولا ترغب إيران أن تكون عائقًا أمام التوسع الروسي، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، وفق اليوسف، روسيا ليست في وارد التوسع أكثر مما هي عليه في سوريا، فوجودها فيما يسمى بـ”سوريا المفيدة” حاليًا “ممتاز جدًا”، وأيضًا تستطيع روسيا فرض العلاقة التي تريدها في سوريا مع إسرائيل بحكم صداقتهما، رغم تراجع العلاقة بين بوتين ونتنياهو، بحسب ما قاله محللون، لكن مع ذلك “لا يزال الاحترام قائمًا”.
ويوافق قتيبة إدلبي نصر اليوسف من ناحية أن نفوذ روسيا لن يتأثر بعودة ترامب، مشيرًا إلى أن الملف الأول على الأجندة ما بين الولايات المتحدة وروسيا سيكون أوكرانيا، والوصول إلى حل في أوكرانيا سيأخذ بعض الوقت كي يبلغ الشكل الذي يتفق عليه البلدان.
وملف سوريا “جانبي بالنسبة للبلدين”، وقبل الحديث عن سوريا سيتكلم البلدان عن أوكرانيا، والعلاقة مع الصين، وإيران، وكوريا الشمالية، “فلا أعلم حقيقة ما إذا كانت هناك قدرة لدى الإدارتين أصلًا أو وقت كافٍ للوصول إلى الملف السوري في المرحلة المقبلة”، وفق تعبير إدلبي.
تتشابك خيوط وأطراف الملف العسكري في سوريا، من قوات وفصائل وكيانات محلية أو قوات إقليمية ودولية، تتقاطع وتتعارض مصالحها في البلد، فكانت الولايات الأمريكية وما زالت لاعبًا مهمًا في تغيير معالم السيطرة، سواء عبر دعمها فصائل بالأسلحة وتخليها عنها لاحقًا، أو عبر وجود عسكري، أو توافق مصالحها مع قوى ثانية، أو منح الضوء الأخضر لعمليات وضربات لجهات أخرى.
نيات لانسحاب أمريكي من سوريا
دخلت القوات الأمريكية شمال شرقي سوريا لأول مرة عام 2014، بمهمة محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، مع دعمها لـ”وحدات حماية الشعب” (قسد حاليًا) والتنسيق معها في ذلك.
حتى اليوم، لا تزال تحتفظ الولايات المتحدة بنحو 900 جندي في سوريا، في قواعد عسكرية مثل حقل “العمر” النفطي و”الشدادي” و”التنف”، رغم نيات سحب عديدة، أبرزها كانت نهاية عام 2023، حين رفض مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ساحقة مشروع قرار يطالب إدارة الرئيس جو بايدن بسحبها.
وخلال ولايته الأولى، أعلن ترامب في 2018 أنه سيسحب قواته من كل الأراضي السورية، معتبرًا أنها حققت هدفها القاضي بإلحاق “الهزيمة” بتنظيم “الدولة الإسلامية”.
مع عودته إلى الرئاسة مجددًا، سرعان ما تحرّك هذا الملف، وقال روبرت كينيدي جونيور، أحد الحلفاء المقربين من ترامب، إن الأخير أعرب عن نياته بشأن سحب قواته من شمال شرقي سوريا في أثناء رحلة بالطائرة، وإن القوات الأمريكية لن تكون “وقودًا للمدافع” في حال اندلاع قتال بين الأطراف المتصارعة في سوريا.
الباحث السويدي المتخصص بالشأن السوري في مركز “Century International” آرون لوند، يرى أن جميع الاحتمالات مفتوحة، ومن المرجح أن يتم سحب القوات، لكن يمكن أن يحدث ذلك بطرق مختلفة عديدة.
ويعتقد لوند أن فوز ترامب في الانتخابات زاد من فرصة الانسحاب الأمريكي من سوريا، مقارنة بما كان ليحدث لو فازت هاريس، لكن كان هناك احتمال أن تنسحب هاريس أيضًا، وهناك احتمال أن يحتفظ ترامب بقوات في سوريا.
تركيا ستعتمد على العلاقات بين أردوغان وترامب لأن بينهما “ربما علاقة جيدة”، وترامب من الطبيعي أن يتعامل مع قيادات قوية نافذة لا أحزاب أو دول ضعيفة، بحسب المحلل التركي فراس رضوان أوغلو.
وأوضح فراس رضوان أوغلو ل، أن تركيا تفكر بتقوية علاقتها مع ترامب لإظهار قضية الانفصال الكردي في الشمال السوري، بأنها أمر خطير ولا يناسب الحليف العسكري التركي، وأن تركيا ربما تضطر إلى أن تغير سياستها مع الوقت إذا بقيت هكذا.
في المقابل، إسرائيل تسعى لاستغلال الكرد، وهي على خلاف مع تركيا الآن بسبب غزة، وهو ما سيخلف صراعًا بين الطرفين.
أيضًا روسيا لاعب مهم في سوريا، ولذلك سيكون هناك تنافس تركي- روسي- إسرائيلي بشكل كبير في سوريا أو في الشمال السوري بشكل أو بآخر، ما يضيف تعقيدًا للصراع، وترامب كونه شخصية قوية قد يتخذ قرارات فجائية تؤثر على الوضع، وفق رضوان أوغلو.
عوامل معقدة
كان من المرجح أن تستمر هاريس في سياسة بايدن، التي كانت في الأساس تدور حول محاولة ضمان الاستقرار وعدم التسبب في أي شكل من أشكال الاضطراب. وتضمن ذلك الاحتفاظ بالقوات في سوريا، ببساطة لأنه لم يكن هناك خيار أفضل على الطاولة.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن إدارة بايدن تفاوضت على اتفاق مع العراق لسحب القوات من ذلك البلد على مدى العامين المقبلين. الآن، أعتقد أن الاتفاقية الأمريكية- العراقية ربما تكون غامضة بما يكفي لتمكين شكل من أشكال استمرار الدور الأمريكي، وخاصة في شمال العراق. ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يعني ذلك نهاية الانتشار في سوريا أيضًا. ومن غير المرجح للغاية أن تحتفظ الولايات المتحدة بهذا العدد من الأفراد في سوريا دون وجود طريق لوجستي آمن عبر العراق. ولن نعرف أبدًا كيف كانت هذه العملية لتتم تحت رئاسة هاريس.
أشار ترامب مرارًا وتكرارًا إلى رغبته في سحب القوات من سوريا. وحاول القيام بذلك عدة مرات خلال رئاسته الأولى. وقد أحبطت كل هذه المحاولات بسبب سوء تخطيط ترامب والجمود البيروقراطي والعسكري، فضلًا عن حقيقة بسيطة مفادها أن الانسحاب من المرجح أن يخلف آثارًا سياسية قبيحة وغير شعبية لم يكن يريد تحملها.
لم يضع ترامب سياسة واضحة بشأن سوريا لفترة ولايته الثانية، والأرجح أنه لا يملك خطة على الإطلاق. وإذا حكمنا من خلال تصريحات روبرت كينيدي جونيور، فإنه لا يزال يريد خروج القوات. وإذا كان هذا سيترجم إلى انسحاب فعلي كامل النطاق، فمتى وكيف؟ هذا ما زال يتعين علينا أن نرى.
ومع ذلك، هناك الكثير من العوامل المعقدة، فالشرق الأوسط في أزمة، وقد يُنصح ترامب بإبقاء القوات هناك حتى لا يتسبب في اضطرابات جديدة بينما يحاول حل المشكلات في أماكن أخرى. كما أنه من المحتمل أن يكون حذرًا من الظهور بمظهر الضعيف أو تقديم تنازلات مجانية لإيران، وسيخبره الناس أن مغادرة سوريا سيكون لها هذا التأثير.
كما أن كارثة بايدن في أفغانستان قد تحذره من الانسحاب المتسرع.
ينتمي العديد من الأشخاص الذين من المرجح أن يكون لهم تأثير على سياسة الشرق الأوسط في ولايته الثانية إلى اتجاه متشدد مؤيد لإسرائيل ومعادٍ لإيران في السياسة الأمريكية، ومن المؤكد أنهم يريدون بقاء القوات كوسيلة ضغط ضد إيران. ولكن هناك بعض الاستثناءات البارزة، مثل اختياره لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية، تولسي جابارد، ونائب الرئيس، جيه دي فانس. كما نعلم أن تركيا من المرجح أن تدفع ترامب إلى الانسحاب، كما حدث في المرة الأخيرة. على أي حال، الأمر متروك في النهاية لترامب. يمنح الدستور الأمريكي الرئاسة مثل هذه الصلاحيات التي ستكون في الواقع قرارًا فرديًا.
هل توقف واشنطن دعم “قسد”؟
مع وصول ترامب، بدا الاهتمام التركي واضحًا بتعزيز العلاقات مع واشنطن، خاصة بالملف السوري الذي لا يشهد توافقًا تامًا بينهما منذ سنوات، إذ تدعم أمريكا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتعتبرها شريكة لها في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما تعتبر أنقرة أن “قسد” إرهابية وامتداد لحزب “العمال الكردستاني”.
عودة ترامب حركت مطالب تركيا من واشنطن، لتتصدر الواجهة مجددًا، خاصة بعد حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن اتصاله بترامب والرغبة بتجديد التعاون بين الطرفين، وتركزت المطالب التركية حول وقف دعم أمريكا لـ”وحدات حماية الشعب” العماد العسكري لـ”قسد”، ومناقشة انسحاب محتمل للقوات الأمريكية من سوريا.
وفي 8 و10 من تشرين الثاني الحالي، توعد أردوغان باستكمال إنشاء “الحزام الأمني” على حدود تركيا الجنوبية بطول 30 إلى 40 كيلومترًا، في إشارة إلى الحدود السورية- التركية حيث تسيطر” قسد” على أجزاء منها.
الدعم الأمريكي لـ”قسد” لم يمنع أنقرة من شن عمليات عسكرية لها في الشمال السوري، وكان بعضها بضوء أخضر من واشنطن، ونفذت تركيا ثلاث عمليات بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري” هي “درع الفرات” 2016، وغصن “الزيتون” 2018، و”نبع السلام” في 2019، وتلوّح بين فترة وأخرى بشن عمليات أخرى.
على سبيل المثال، بعد تحذيرات واشنطن من تداعيات عملية “نبع السلام” (شملت تل أبيض ورأس العين)، وقولها إن العملية تخاطر بمكافحة تنظيم “الدولة”، وتُعرض المدنيين وأمن المنطقة للخطر، اتفقت أنقرة وواشنطن على وقف إطلاق نار مؤقت في شمال شرقي سوريا، ريثما تنسحب “وحدات حماية الشعب” (الكردية) من المنطقة حينها.
وحمل البيان المشترك (التركي- الأمريكي) 13 بندًا، ألغت واشنطن بموجبها العقوبات التي كانت ستفرضها على تركيا على خلفية العملية العسكرية.
الخبير التركي في السياسات الخارجية والأمنية عمر أوزكيزيلجيك، قال ل، إنه في ظل الوضع الجديد، يتزامن هدف تركيا في محاربة “الإرهاب” مع رغبة الولايات المتحدة في الحد من نفوذ إيران في سوريا، وفي هذا السياق، يبدو الاتفاق بين ترامب وأردوغان ممكنًا.
وذكر أوزكيزيلجيك أنه بالتوازي مع الوجود العسكري الأمريكي، هناك ميليشيات شيعية مدعومة من إيران و”الحرس الثوري الإيراني” إلى الجنوب الغربي من نهر الفرات وإلى الجنوب والشرق عبر العراق. وفي اللحظة التي تنسحب فيها الولايات المتحدة من سوريا، ستملأ إيران هذه الفجوة، وبسبب هذه الحقيقة “الواضحة والبسيطة”، فإن لدى ترامب ثلاثة خيارات هي:
- الاستمرار بالبقاء في سوريا.
- الانسحاب من سوريا وترك المنطقة لإيران، ما يعرض أمن إسرائيل للخطر.
- التوصل إلى اتفاق مع تركيا، والسماح أولًا للقوات التركية بدخول المنطقة ثم سحب القوات الأمريكية من سوريا.
وعن العوامل التي تجعل أمريكا تستجيب أو ترفض المطالب التركية (عدم دعم وحدات حماية الشعب، الانسحاب من سوريا)، يرى أوزكيزيلجيك أن الأمر يعتمد على ما إذا كانت تركيا والولايات المتحدة ستجدان طريقًا لتعاون أكبر، وقدرة ترامب على اتخاذ القرارات وتنفيذها، مشيرًا إلى أن خطة ترامب للانسحاب من سوريا لم تتحقق سابقًا بالشكل الذي أراده.
وفق تقرير عام 2023، لمركز الأبحاث الأمريكي “Hudson Institute” أعده أوزكيزيلجيك مع الزميل في المركز مايكل دوران، وهو مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، تضمن خطوات للنجاح في توحيد مجالات النفوذ التركية والأمريكية في سوريا، وإعادة تنشيط الشراكة في العلاقات بينهما.
الخطوات كانت: إخلاء “الوحدات” من مناطق دير الزور شمال شرقي سوريا، من خلال فصل “مجلس دير الزور العسكري” عن “قسد”، وإخلاء “الوحدات” من محافظة الحسكة، وإشراك روسيا وتجنب المواجهة معها، وقطع ممر الإمداد الإيراني، و”تطهير” إدلب من خلال عمل أنقرة وواشنطن على حل “هيئة تحرير الشام”.
“قسد” تنتظر سياسة مختلفة
عقب إعلان فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، أصدرت “الإدارة الذاتية” المظلة السياسية لـ”قسد” بيانًا هنأت فيها ترامب، وقالت إنها تتطلع إلى “دور ريادي يسهم في تحقيق الاستقرار، ويعزز جهود مكافحة الإرهاب، ويحد من مساعي تهديد الأمن الإقليمي والدولي”.
الرئيس المشترك في “الإدارة الذاتية“، حمدان العبد، قال إن “الإدارة” لديها حلفاء آخرون على غرار روسيا ودول أوروبية أخرى، معتبرًا أن الانسحاب الأمريكي من شمال شرقي سوريا يترك لاتساع الدور الإيراني والروسي في المنطقة.
الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا بمركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي، يرى أن عودة ترامب الذي تعتبره “الإدارة الذاتية” صاحب تاريخ سيئ معها، دون وجود شخص مثل بريت ماكغورك فيها (كان مهندس العلاقة بين “الإدارة الذاتية” والإدارات الامريكية)، قد تعتبره “الإدارة” مشكلة ستواجهها مستقبلًا.
وقال شيخ علي إن جميع الفاعلين في المنطقة يدركون أن ترامب هو “رجل صفقات”، أي أنه لا يريد أن يخرج خاسرًا أو يقدم شيئًا دون مقابل، ما يجعل من حالة القلق من عودته غير محصورة فقط في “الإدارة الذاتية”، إنما يمكن اعتبار جميع الأطراف قلقة من هذه العودة.
“أكثر ميلًا للرد بقوة على إيران”
خلال فترته الرئاسية الأولى، اتبع ترامب سياسة “الضغط الأقصى” تجاه إيران، إذ انسحب من الاتفاق النووي مع طهران، وأعاد فرض عقوبات مشددة عليها، وأمر بقتل قائد “فيلق القدس” الإيراني، قاسم سليماني (كانون الثاني 2020).
كما أبدى خلال حملته الانتخابية الاستعداد لتصعيد التوتر مع طهران، خاصة بعد اتهامات أمريكية لها بالتورط في محاولة اغتيال شخصيات أمريكية، قوبلت بنفي إيراني رسمي للضلوع في مخططات الاغتيال، ما أعاد الحديث والتساؤلات عن تعامله الجديد مع إيران وأذرعها في سوريا.
الباحثة المساعدة في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” صبا عبد اللطيف، قالت، إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض “لن يكون له أثر إيجابي بالطبع” على نفوذ إيران في سوريا، باعتبار سياسة ترامب تجاه إيران واضحة نوعًا ما، نسبة لدورته السابقة وآلية تعامله مع إيران بشكل سلبي.
وأضافت عبد اللطيف ل، أن إيران كانت أحد أهم الملفات لدى ترامب، وعمل على تحجيمها وتحجيم دورها، وفي حال اتبع الآلية ذاتها في دورته الحالية وخاصة مع التغيرات الإقليمية، فلن تكون إيران بموضع جيد على الصعيد الدولي والمحلي، خاصة بعد خسارتها أهم ادواتها في الشرق الأوسط “حزب الله” اللبناني.
وإيران تحتاج إلى وقت لإعادة ترميم البيت الداخلي للتنظيمات التابعة لها، وهذا سيأخذ وقتًا كبيرًا، وترامب لن يعطيها هذا الوقت، باعتبار إمكانية فتح جبهات جديدة على المستوى الدبلوماسي وأيضًا من المحتمل على الصعيد العسكري في سوريا.
وأكدت عبد اللطيف أن عودة ترامب ستكون مهددًا أساسيًا للوجود الإيراني في سوريا، باعتبارها الجبهة المحتملة مستقبلًا، ومن ناحية أخرى، هي آخر المعاقل التي تحتوي قوى إيرانية شاملة وواسعة.
وقد يختلف شكل الضغط على إيران، إذ يمكن أن يكون سياسيًا دبلوماسيًا أو عقوبات أو تحالفات جديدة أو عملية عسكرية ودعمًا عسكريًا، و”عدم استغلال ترامب للوضع الهزيل الإيراني في المنطقة حاليًا هو أمر مستبعد”، وفق تعبير صبا عبد اللطيف.
في الساحة السورية، تضطلع القواعد الأمريكية بمهام متعددة، ومن أبرز أهداف وجودها منع إيران من إنشاء خط تواصل بري عبر الأراضي العراقية أو أكثر (من إيران إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا ولبنان)، لحرمانها من خط الإمداد لمجموعات مسلحة، يمكن أن تشكل تهديدًا مزدوجًا لكل من حليفي الولايات المتحدة الأردن وإسرائيل.
وحتى منتصف عام 2024، بلغ عدد المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا 529 موقعًا، وتعتبر صاحبة الانتشار الأكبر بين القوات الأجنبية في سوريا.
ومنذ عام، تكررت الاستهدافات للقواعد الأمريكية من قبل ميليشيات مدعومة من إيران، تعتبرها واشنطن محاولة لإجبارها على سحب قواتها من المنطقة، حيث شكلت هذه القواعد خط دفاع أول عن إسرائيل.
في المقابل، ترد القوات الأمريكية على تلك الاستهدافات، أحدثها كان في 11 من تشرين الثاني الحالي، حين أغارت طائرات حربية أمريكية على مواقع لمجموعات مدعومة من إيران في محافظة دير الزور شرقي سوريا.
الباحث آرون لوند يعتقد أن ترامب سيكون أكثر ميلًا للرد بقوة على الهجمات على القوات الأمريكية من قبل الميليشيات الموالية لإيران وغيرها، وقد يؤدي ذلك إلى تحريك ديناميكياته الخاصة، مع تأثيرات غير متوقعة على سياسة سوريا.
وذكر الباحث مثالًا أنه من المحتمل أن يكون ترامب أقل رغبة في الانسحاب إذا بدا الأمر وكأن الولايات المتحدة طُردت كقوة مهزومة، ومن ناحية أخرى، فإن المضايقة المستمرة للقوات الأمريكية قد تعيد إشعال إحباط ترامب تجاه سوريا، التي وصفها سابقًا بأنها مكان “الرمال والموت”، وتقنعه بأنه لا فائدة من البقاء.
ووفق تصور الدكتور سمير العبد الله، فإن ترامب رجل مال واقتصاد، ولن تكون الحرب الشاملة مع إيران خياره، لكن في حال ارتكاب إيران أو نظام الأسد أي خطأ، فلن يكون ترامب متسامحًا هذه المرة، لأنه ندم سابقًا لعدم ضربه نظام الأسد، وحاليًا فريقه متشدد تجاه هذا الملف.
تضغط المنظمات السورية في أمريكا على الإدارة الأمريكية الجديدة بغية تمرير قوانين واتخاذ قرارات فعالة حيال الملف السوري، وبدأ هذا العمل قبل أشهر من الانتخابات عبر لقاءات مع حملات المرشحين للرئاسة، ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
يوجد في أمريكا “لوبي سوري” واسع، يضم منظمات مجتمع مدني ورجال أعمال وقادة رأي وسياسيين سوريين حاصلين على الجنسية الأمريكية، إذ يطرحون بشكل مستمر في الكونجرس قضايا تخص سوريا.
عقب إعلان فوز ترامب رسميًا برئاسة أمريكا، أصبح تركيز “اللوبي السوري الأمريكي” منصبًا على التواصل مع دونالد وفريقه المتوقع أن يدير الملف السوري، ووضعت المنظمات السورية في أمريكا قائمة من الأجندات التي تسعى لمتابعتها بغية تمريرها بشكل رسمي بما يخدم مصلحة الشعب السوري.
لقاء سوري مباشر مع ترامب
قبيل أسابيع من الانتخابات الأمريكية التي جرت في 5 من تشرين الثاني الحالي، التقى رئيس “منظمة مواطنون من أجل أمريكا آمنة”، جورج اسطيفو، وعدد من أعضاء المنظمة مع ترامب، وبحثوا معه في قضايا مرتبطة بالملف السوري.
وحول تفاصيل هذا اللقاء، قال عضو “مواطنون من أجل أمريكا آمنة” بكر غبيس، إن الاجتماع استمر لأكثر من ساعة، جرى فيه تذكير ترامب بأبرز مواقفه في سوريا خلال فترته الرئاسية الأولى، مشيرًا إلى أنهم طالبوا ترامب بالاستمرار على ذات النهج في ولايته الثانية تجاه سوريا.
أبرز مواقف ترامب مساهمته بإيقاف الهجوم المحتمل للنظام على إدلب، وقتله قاسم سليماني، وقصفه مطار “الشعيرات” بحمص كعقاب للأسد على استهدافه مدينة خان شيخون بالكيماوي، وتوقيعه قانون “قيصر”.
كما شددت المنظمة خلال لقائها مع ترامب على أهمية تسهيل التواصل المباشر بين الفاعلين السوريين في أمريكا وفريقه الانتقالي والفريق المختص بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط.
وأضاف غبيس ل، أن ترامب عاد للتأكيد على أن الأسد “حيوان ومجرم لأنه قتل السوريين”، وشدد على أنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي عاقب الأسد على تجاوزه الخط الأحمر، وبأن سياسة جو بايدن تجاه سوريا والمنطقة العربية أسهمت في تطبيع الدول علاقاتها مع الأسد.
أربعة ملفات في سلة “اللوبي”
يرى الدكتور بكر غبيس، أن المنظمات السورية في أمريكا لديها أربع أولويات تسعى للعمل عليها مع الإدارة الامريكية الجديدة، أولاها الدفع باتجاه أن يكون الملف السوري من الملفات التي لها أولوية في سياسة ترامب بمنطقة الشرق الأوسط.
الملف الثاني، العمل على إيقاف مسار التطبيع مع النظام السوري، عبر محاولة تمرير قانون “مناهضة التطبيع”، الذي عرقله بايدن في نيسان الماضي، إضافة إلى العمل على ضمان تمديد قانون “قيصر” لأطول فترة ممكنة.
الملف الثالث، الضغط على الإدارة الأمريكية، من أجل إنهاء الوجود الإيراني بشكل كامل في سوريا، بكل أشكاله: العسكري والديموغرافي والاجتماعي، وهو ما يقود إلى إنهاء هيمنة “حزب الله” اللبناني.
الملف الرابع، تأمين الدعم الاقتصادي والإنساني للسوريين في الشمال السوري لمساعدتهم على الاستقرار وبناء الدولة والمجتمع، وتجفيف أسباب الهجرة، عبر إقامة مشاريع تساعد في تأمين فرص عمل وتحسين الوضع الاقتصادي والخدمي، بحسب غبيس.
تشديد الخناق عبر “قيصر”
المدير التنفيذي لـ”المنظمة السورية للطوارئ”، معاذ مصطفى، قال إن “اللوبي السوري” في أمريكا يواصل المفاوضات مع “الكونجرس”، عبر لقاءات مع نواب “ديمقراطيين” و”جمهوريين”، إضافة إلى التواصل مع مكتب السيناتور الديمقراطي بن كاردن الذي عرقل قانون “مناهضة التطبيع”، من أجل تمرير أكبر عدد ممكن من القوانين لسوريا وعلى رأسها قانون “قيصر”، الذي أصبح على بعد خطوة من التمديد.
وأضاف مصطفى ل، “كنا نسعى هذا العام لإدراج موضوع سحب الاعتراف الأمريكي بالنظام السوري ضمن حزمة القوانين التي سيصوّت عليها الكونجرس، لكننا فشلنا في ذلك بسبب قيام السيناتور كاردن بإدخال تعديلات على قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، وحذف مواد أخرى أدت إلى إضعافه”.
وأشار مصطفى إلى أن “اللوبي السوري” سيضغط مجددًا العام المقبل، لتمرير بند سحب الاعتراف الأمريكي بالنظام، الذي ستكون له تبعات كبيرة على الأسد.
اقرأ أيضًا: ما هو “قانون قيصر”؟
وفي تأكيد على أهمية قانون “قيصر” على الأرض، فرضت إدارة ترامب عقوبات على 113 وسيطًا للنظام في الأشهر الستة التي تلت دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ في حزيران 2020.
ويرى الناشط السياسي السوري في واشنطن محمد غانم، أن بعض الدول تضغط لعرقلة تجديد قانون “قيصر”، “لكننا نسعى لتجديد القانون لست سنوات بدل أربع، وبنفس الوقت ننتظر لنرى من هو الفريق الذي سيكون معنيًا بشؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية، وهل سيعين مبعوثًا خاصًا بالشأن السوري، لأنه في عهد بايدن ألغي هذا المنصب، بغية العمل على قوانين أخرى لمصلحة الشعب السوري.
في السياق ذاته، قال الإعلامي والسياسي السوري- الأمريكي أيمن عبد النور، ل، إن قانون “قيصر” حقق أهدافًا كثيرة، فلو افترضنا عدم وجود القانون، لكانت دول خليجية وضعت إيداعات مالية في المصرف المركزي السوري بقيمة خمسة مليارات دولار على سبيل المثال، كما فعلت مع تركيا ومصر، ما يسهم في إعادة إنعاش اقتصاد النظام المنهار، ولوجدنا الدول الأوروبية تعيد افتتاح سفاراتها مع النظام وتفتح أبواب التبادل التجاري معه.
وأضاف عبد النور أن وجود قانون “قيصر” منع النظام من تقوية قدراته العسكرية بالذخائر والأسلحة، وبالتالي بقي جيشه ضعيفًا وعاجزًا عن فتح أي معركة في شمال شرقي أو شمال غربي سوريا، مشيرًا إلى أنه رغم المفاعيل القوية للقانون، فإنه كان بحاجة لتطوير، لذلك طُرح قانون “مناهضة التطبيع”.
اقرأ أيضًا: بضغط من “اللوبي” السوري- الأمريكي قانون “قيصر” على بعد خطوة من التمديد
تفاؤل حذر
عقب فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية، سادت حالة تفاؤل لدى “اللوبي السوري” في أمريكا، بأنه قد يسعى لفرض أجندة جديدة في سوريا مغايرة لما فعله سلفه بايدن الذي أسهم في تعزيز نفوذ الأسد وإيران، لكن بعض السوريين لم يخفوا قلقهم من بعض العقبات التي قد تحصل في ولاية ترامب الثانية تجاه سوريا.
وفي هذا السياق قال محمد غانم، إن فوز ترامب سيساعد على إقرار مشروع قانون “مناهضة التطبيع”، ولا سيما أن الراعي الأصلي لمشروع القانون، السيناتور “الجمهوري” جيم ريش، سيصبح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بدل السيناتور “الديمقراطي” بين كاردين، الذي كان له دور كبير في عرقلة قانون “مناهضة التطبيع” مع الأسد.
السيناتور جيم ريش لديه عداء قوي تجاه الأسد وإيران، فعقب عودة النظام للجامعة العربية في أيار 2023، قال ريش، “يجب إدانة عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية. السوريون يستحقون أن يحاسب الأسد لا أن تلتقط معه الصور”.
وفي 13 من تشرين الثاني الحالي، قال ريش، إن الحزب “الجمهوري” الأمريكي سيعيد إيران إلى مكانتها المنبوذة.
وأضاف غانم أن تعيين السيناتور ماركو رابيو وزيرًا للخارجية كان خبرًا جيدًا بالنسبة السوريين، “لأنه الراعي الثاني لقانون مناهضة التطبيع مع الأسد، وعملنا معه لزمن طويل ولديه موقف متشدد ضد الأسد”، وبالتالي فرص إقرار القانون في زمن ترامب ستتحسن، ولا سيما بعد أن سيطر “الجمهوريون” على “الكونجرس” بشقيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
لا تخلو من مخاطر
في الوقت التي ظهرت فيه بعض المؤشرات التي تدعو للتفاؤل فيما يخص الملف السوري بعد فوز ترامب، ففي المقابل هناك بعض التحديات التي قد يكون لها أثر سلبي على المشهد في سوريا بما يصب في مصلحة نظام الأسد.
وقال غانم إن بعض الشخصيات المقربة من ترامب قد تلعب دورًا في عرقلة قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”، منهم تولسي غابارد التي أصبحت مديرة الاستخبارات الوطنية، حيث التقت الأسد في دمشق عام 2017، قبيل أيام من تسلم ترامب ولايته الأولى، وانتقدت المعارضة السورية، ورفضت الاعتراف بأن النظام السوري استخدم الكيماوي، مشيرًا إلى أن بعض المسؤولين حول ترامب لا يريدون أن تتدخل أمريكا كثيرًا في سوريا.
في عام 2019، قالت غابارد إن الأسد “ليس عدوًا للولايات المتحدة”، وأرجعت السبب بأن سوريا لا تشكل “تهديدًا مباشرًا” للولايات المتحدة، ورفضت حينها وصف بشار الأسد بـ”مجرم حرب”، على نقيض حديثها في أوقات لاحقة بأنه “دكتاتور”.
ولفت غانم إلى أن بعض الدول التي طبّعت مع النظام تسعى للضغط على واشنطن والتأثير على قرارها، وبنفس الوقت فإن هناك مفاوضات أخرى تقوم بها عدة دول (لم يسمِّها) لإقناع أمريكا بمكافأة بشار الأسد الذي نأى بنفسه عن الصراع الذي يجري في المنطقة مع إسرائيل، مضيفًا، “هناك أمور لمصلحة السوريين وأمور ضدهم فيما يخص الموقف الأمريكي، فالحرب سجال”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي