اخر الاخبار

عودة “سوريا” إلى الساحة المالية الدولية

– مارينا مرهج

بعد غياب دام أكثر من عقدين عن الساحة المالية الدولية، تعود سوريا من خلال وفد رسمي ضم كلًا من وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، وحاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، للمشاركة في “اجتماعات الربيع” المشتركة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وعقدت هذه الاجتماعات في العاصمة الأمريكية واشنطن بين 21 و26 من نيسان الحالي، بمشاركة أكثر من عشرة آلاف شخصية من وزراء ومحافظي بنوك مركزية وخبراء اقتصاديين، إضافة إلى ممثلين عن منظمات دولية ومؤسسات مالية وإعلاميين.

وقال وزير المالية السوري، في تصريحات صحفية عقب انتهاء أحد أبرز الاجتماعات حول سوريا، إن الاجتماع كان ناجحًا للغاية، وشارك فيه عدد كبير من وزراء من مجموعة السبع (G7) ومن المنطقة العربية، بحضور رؤساء ومديري مؤسسات إقليمية ودولية ومن الاتحاد الأوروبي.

وحملت كلمات المشاركين دعمًا كبيرًا وحرصًا “غير مسبوق” على المساهمة في إعادة بناء سوريا واستقرارها وازدهارها، بحسب الوزير السوري.

وإثر الاجتماع، جرى تعيين رون فان رودن رئيسًا لبعثة صندوق النقد الدولي إلى سوريا، وبحسب برنية، يعتبر هذا التعيين خطوة مهمة تُمهد لحوار بنّاء بين الصندوق وسوريا، بهدف دفع عجلة التعافي الاقتصادي وتحسين ظروف معيشة الشعب السوري.

أهداف مرتقبة من المشاركة

تسعى الحكومة الحالية من خلال مشاركتها في “اجتماعات الربيع”، المشتركة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى إعادة ربط سوريا بالمؤسسات المالية الدولية بعد سنوات من العزلة، فرضها سلوك النظام السابق، ما يشير إلى محاولة جادة لإعادة بناء العلاقات الاقتصادية الدولية، وفق ما يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب” الدكتور حسن حزوري.

وأوضح حزوري، في حديث ل، أن الأهداف المرتقبة من خلال هذه المشاركة الدولية، تتلخص في عدة نقاط أساسية تتعلق بما يلي:

  • كسر العزلة الاقتصادية والدبلوماسية جزئيًا.
  • الحصول على دعم تقني أو استشاري.
  • محاولة إقناع المؤسسات الدولية بـ”إعادة تقييم” الوضع الاقتصادي السوري.
  • التنسيق مع دول صديقة داخل تلك الاجتماعات.
  • محاولة التفاوض على استثناءات إنسانية أو قنوات تمويل مشروطة.

ومع استمرار العقوبات الأمريكية على سوريا، لا يمكن للبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي منح تمويل أو مساعدات بشكل مباشر، من دون موافقة الدول الكبرى المؤثرة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، أي أن النتائج قد تكون محدودة ما لم تتغير البيئة السياسية أو يتم التواصل إلى تفاهمات دولية أكثر اتساعًا.

عقبات الحصول على دعم دولي

تتعدد العقبات التي تمنع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من تقديم دعم مباشر إلى سوريا، منها ما يصل إلى درجة التعقيد، وفق ما قاله الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب” حسن حزوري، إذ تجمع بين الاعتبارات السياسية والقانونية والاقتصادية، ويمكن حصرها ببعض النقاط منها:

  • العقوبات الدولية على سوريا، وخاصة قانون “قيصر”، التي تمنع المؤسسات الدولية من تمويل أو دعم أي جهة حكومية سورية، ويعرض أي جهة دولية تريد تقديم المساعدة لمخاطر قانونية وسياسية
  • غياب اعتراف دولي موحد بالحكومة السورية الجديدة كجهة شرعية للحصول على التمويل، فبالرغم من أن سوريا لا تزال عضوًا في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فإن بعض الدول المؤثرة (مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي)، لا تعتبر الحكومة السورية الحالية “شريكًا شرعيًا” لتلقي التمويل دون شروط سياسية واضحة.
  • غياب بيئة آمنة وشفافة لإيصال الدعم، إذ يطلب كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ضمانات عالية للحوكمة والشفافية.
  • عدم توفر إحصاءات وبيانات اقتصادية موثوقة، إذ يعتمد صندوق النقد الدولي على وجود شفافية في البيانات الاقتصادية مثل الناتج المحلي والدين العام والموازنة العامة للدول، وهذه البيانات غير دقيقة أو متاحة حاليًا في سوريا، ما يجعل تقييم الوضع المالي صعبًا.
  • الحاجة إلى توافق سياسي دولي، فتقديم دعم رسمي يتطلب توافقًا من الدول المساهمة في إدارة الصندوقين، إلا أن الانقسام السياسي حول ما يحصل في سوريا يجعل من الصعب الاتفاق على تقديم أي دعم مباشر.
  • عدم وجود خطة إصلاح اقتصادي واضحة أو قابلة للتنفيذ، في حين تطلب المؤسسات الدولية “برنامج إصلاح اقتصادي”، قبل تقديم التمويل، وحتى الآن لا توجد في سوريا خطة كاملة وشفافة تلبي معايير الصندوق أو البنك.

إمكانية الاستفادة ومخاطرها

يرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور أيهم أسد، أنه من الممكن الاستفادة من مساعدات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من خلال عنصر المنح المالية غير المشروطة وغير المسددة لاحقًا، والتي لا تفرض على الحكومة السورية أي اشتراطات سياسية او اقتصادية مستقبلية، وهذه المنح قد تشمل دعم الجهاز الإحصائي وتدريب وتطوير الكوادر الإدارية ودعم الأنظمة المالية المصرفية.

ومن خلال اللقاءات الثنائية بين وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، وكل من مديرة العمليات في البنك الدولي، آنا بيردي، ونائب رئيس البنك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عثمان ديون، تم الاتفاق على وضع برنامج عمل شامل وهيكلي لدعم سوريا، يغطي عامي 2025 و2026، يشمل محاور رئيسة، أبرزها إطلاق برنامج مدعوم بمنحة لإصلاح قطاع الكهرباء خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

أما في حال توجهت سوريا للاقتراض من المؤسستين الدوليتين، فستكون القروض مقيدة بشروط اقتصادية مباشرة وواضحة، تقود الاقتصاد السوري إلى مزيد من الليبرالية الاقتصادية، قد لا يحتملها الاقتصاد السوري بوضعه الحالي مثل تحرير سعر الصرف، والخصخصة، وإلغاء الدعم وتحرير التجارة الخارجية، بحسب رؤية الخبير أيهم أسد.

وأضاف الخبير الاقتصادي أنه ربما ترتبط شروط الاقتراض بسياسات سياسية واقتصادية غير معلنة ترتبط بأجندات الولايات لمتحدة الأمريكية، ورغبتها في التحكم أكثر بالاقتصاد السوري وموارده.

وفي هذه الحالة، قد يغرق الاقتصاد السوري بمزيد من الديون الدولية ويدخل في دائرة سياسات الصندوق والبنك الليبرالية، بالتزامن مع عدم تطوير إدارة وطنية جيدة للموارد الاقتصادية وضعف منظومة الحماية الاجتماعية، ما يعمق الأزمات الاقتصادية والمالية في سوريا.

وتبلغ حقوق السحب الخاصة التي تملكها سوريا لدى صندوق النقد الدولي 563 مليون دولار، بحسب ما ذكرته وكالة “رويترز”، إلا أن استخدام هذه الأموال يتطلب موافقة أعضاء بالصندوق يملكون 85% من إجمالي الأصوات، ويمنح الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض الفعلي لامتلاكها 16.5%.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *