رفض البرلمان الفرنسي، مساء الجمعة، بالإجماع، مشروع قانون الموازنة لسنة 2026، وذلك بعد نقاشات مطوّلة بشأن الضرائب وإجراءات تمويل السياسات العامة، في مؤشر على اتساع الهوة بين الحكومة ومعارضيها، بحسب صحيفة “لوموند”.
وصوت 404 نواب (من أصل 577) ضد مشروع قانون الموازنة، فيما امتنع 84 نائباً عن التصويت، وصوت نائب واحد لصالحه، ما أدى تلقائياً إلى إسقاط مشروع القانون بأكمله وإحالته إلى مجلس الشيوخ مرة أخرى، الذي سيتولى دراسته الأسبوع المقبل.
وصوّتت مجموعات اليسار والتجمع الوطني (RN) اليميني المتطرف ضد المشروع، بينما انقسمت كتلة الحكومة بين الرفض والامتناع.
وكان هارولد هوار، نائب المعسكر الحكومي في البرلمان، الوحيد الذي صوّت لصالح المشروع.
وقال قبل التصويت: “أريد ميزانية لفرنسا. لا أفهم بأي منطق تجدون أغلبية لكل مادة على حدة، ثم تُجمعون على رفض النص بأكمله. (…) إنه أمر غير مسبوق. ولحسن الحظ أن السخرية لا تقتل، وإلا لكنا نأسف على وفاة 577 نائباً”.
من جانبه اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو، أن “المعارضة المتطرفة أفسدت مشروع الميزانية”، وفق ما نقلته شبكة BFMTV عن مشاركين في اجتماع عقده بعد جلسة التصويت.
وقال لوكورنو إن مشروع الموازنة تم “تشويهه وإفراغه من مضمونه إلى درجة لا تستطيع حتى تلك المعارضات نفسها التصويت له”.
وسبق للجمعية الوطنية أن رفضت ميزانية الدولة في عام 2024، في حدث غير مسبوق في ظل الجمهورية الخامسة. لكنّ رفضها بهذه الحدة وبهذه الأغلبية يُعدّ سابقة، وفق “لوموند”.
“سلوك المتطرفين”
سرّع النواب وتيرة المناقشات طوال يوم الجمعة لتجنب الجلسات الليلية في نهاية الأسبوع. ورغم أن وزيرة الحسابات العامة، أميلي دو مونشالان، رأت في “أطول نقاش بشأن الميزانية” في الجمهورية الخامسة “عملاً مفيداً”، فإنها أعربت عن أسفها لوجود “عدد من الإجراءات غير الدستورية أو غير الواقعية أو غير القابلة للتطبيق”.
وندّدت الوزيرة الفرنسية في منشور على “إكس”، بما سمته “السلوك الساخر” لـ”المتطرفين”، قائلة إنها ما تزال “مقتنعة” بإمكانية التوصل إلى تسوية.
من جهته، برّر المعسكر الحكومي موقفه بالقول إن المعارضة مرّرت “إجراءات كارثية اقتصادياً”، على حد وصف النائب من حزب “النهضة” بول ميدي. أما رئيس الوزراء سِباستيان لوكورنو فاتّهم “تكتيكات المتطرفين” بجعل النص “غير صادق”.
مع ذلك، لا يزال لوكورنو متفائلاً بإقرار الميزانية في عام 2025. وصرح قائلاً: “جميع المشاركين يرغبون في التوصل إلى حل وسط بشأن ميزانية يُصوَّت عليها بنهاية العام. يجب أن تنجح. علينا أن نتجاوز مناورات المتطرفين التكتيكية التي تجعل العملية برمتها تبدو غير صادقة”.
واتهمت الحكومة المعارضة بمحاولة فرض زيادات ضريبية عديدة، منها “ضريبة عالمية” على الشركات متعددة الجنسيات يُفترض أن تدرّ 26 مليار يورو، وزيادة على ضريبة إعادة شراء الأسهم، وضريبة على الأرباح الموزعة.
وقالت دو مونشالان إنه مع هذه الإجراءات سيصل العجز إلى 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي (مقابل 4.7% في النص الأصلي)، بينما سيبلغ “5.3%” بدونها، معتبرة هذه الإجراءات “هشّة”.
ورفض رئيس لجنة المالية إريك كوكريل (فرنسا الأبية) هذا التبرير، معتبراً النص الأصلي “مقدّماً من حكومة تتصرف وكأنها تملك أغلبية”، ومصيره أن “يُغضِب الجميع”.
وقال رئيس حزب “الحركة الديمقراطية” (موديم) الوسطي مارك فيزنو: “هذا النص ليس نصّ أحد بالكامل، لكن على كل طرف أن يتحمّل نصيبه”.
أما النائب اليميني المتطرف جان-فيليب تانجي فاعتبر أن الحكومة ستمضي في نهاية المطاف بتمرير نصّها الأصلي عبر مراسيم أو باستخدام المادة 49.3، التي تتيح تمرير القانون دون تصويت.
ماذا يتضمن مشروع الميزانية؟
يهدف مشروع الميزانية الذي كشف عنه رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو في أواخر شهر أكتوبر، إلى خفض العجز العام إلى 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتضمّن المشروع فرض ضرائب جديدة، وزيادة بعض الضرائب القائمة، إضافةً إلى بعض التخفيضات الضريبية. ومن بين الإجراءات، قد يتم مضاعفة الحوافز المقدمة للتبرعات لصالح الفئات الأكثر فقراً، وفق “لوموند”.
وأوضح لوكورنو أن الهدف المعلن للعجز العام، (4.7% من الناتج المحلي الإجمالي) يمكن أن يتم تعديله ليقترب من 5%، ما سيسمح مثلاً بامتصاص الأثر المالي لتعليق إصلاح نظام التقاعد، والذي يُقدَّر ببضع مئات من ملايين اليورو في السنة الأولى.
