اخر الاخبار

فلول الأسد يتسلحون بالتضليل الإعلامي لنشر الفتنة 

 – هاني كرزي

انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية الكثير من الفيديوهات المضللة التي تسببت في انتشار الفوضى والفلتان الأمني في عدة مناطق سورية، ولا سيما في الساحل السوري، حيث استغلت فلول نظام الأسد السابق، التضليل الإعلامي كسلاح لنشر الفتنة، وخلخلة الوضع الأمني بعد إسقاط النظام.

الفوضى اشتعلت بشكل كبير على خلفية انتشار مقطع فيديو، في 25 من كانون الأول 2024، زعم ناشروه أنه صُوّر حديثًا، وبأن مسلحين دخلوا إلى مقام “أبو عبد الله حسين الخصيبي” الذي يحمل رمزية كبيرة لأتباع الطائفة العلوية، وقاموا بحرق المقام وقتل الأشخاص الذين يحرسونه.

الفيديو انتشر خلال فترة وجيزة على نطاق واسع، ليتسبب بخروج مظاهرات في مدن اللاذقية وطرطوس وحمص وجبلة والقرداحة، اعتراضًا على مزاعم الاعتداء على مقام الشيخ “الخصيبي” في حلب.

وحمل المتظاهرون رايات ورددوا شعارات طائفية، ما تسبب بفوضى وقلق من صدامات على خلفية تحريض طائفي، تحاول السلطة الجديدة تجنبه، وفق خطاباتها المعلنة.

منصة “تأكد” المتخصصة بالتحقق من صحة الأخبار، حاولت التحري عن صحة الفيديو، حيث تبين أنه صحيح لكنه قديم وجرى تصويره مطلع كانون الأول 2024، خلال المعارك التي كانت جارية في مدينة حلب.

وذكرت منصة “تأكد” نقلًا عن مصادر محلية في حلب، أن المقام يقع في منطقة مغلقة لا يسمح بدخولها إلا بموجب تصريح من “القيادة العامة”، التي اتخذت من عدة مبانٍ محيطة مقار أمنية وعسكرية لها، مثل “ثكنة هنانو” التي يفصلها عن حرم المقام جدار واحد فقط.

وأكدت المصادر أن عناصر “إدارة العمليات العسكرية” يوجدون داخل المقام وتعهدوا بمحاسبة المعتدين، وأوضحوا أن القتلى الذين ظهروا في التسجيل يتبعون لقوات النظام، التي كانت تشتبك مع فصائل المعارضة من داخل المقام، وأنهم ليسوا حراس المقام كما قيل على منصات التواصل الاجتماعي.

دوافع لنشر الفتنة

الفيديوهات المضللة لم تقتصر على فيديو حرق المقام في حلب، بل انتشرت كذلك كثير من المقاطع الأخرى التي تزعم القيام بقتل أشخاص من الطائفة العلوية، لكن تبين أنها فيديوهات قديمة مأخوذة من إصدارات تنظيم “الدولة الإسلامية”.

كما انتشر مقطع فيديو يزعم متداولوه أنه يوثّق تجمعًا لمدنيين من الطائفة العلوية تمهيدًا لقتلهم، لكن تبيّن بعد التحقق أن الفيديو يعود لجنود سوريين متجمعين على الحدود العراقية استعدادًا لعودتهم الى سوريا.

وقالت منصة “تأكد”، إن أحد الموظفين في شركة “ميتا” (مالكة “فيس بوك”) أخبرها أن إحدى الصفحات التي نشرت فيديو حرق المقام بحلب، تم إنشاؤها من قبل حساب يدعى “رعد الأسد”، والذي يظهر عبر معلومات الـ”IP” أنه نشط في دمشق.

كما تبيّن أن هذا الحساب مرتبط بشبكة كبيرة تدير صفحات أخرى تعمل على نشر الفيديوهات بشكل مضلل وبأهداف واضحة.

ويرى الكاتب السوري حافظ قرقوط، أن إيران وعملاءها من “حزب الله” اللبناني، قد يكونون وراء تلك الفيديوهات الجديدة بغية زعزعة الاستقرار في سوريا، فمنذ بداية الثورة السورية قدمت طهران مساعدات للنظام في كيفية مراقبة الهواتف والإنترنت، وقدمت فريقًا تقنيًا لبث الإشاعات والتحريض الطائفي بما يخدم مصالحها.

وأضاف قرقوط ل، أن فلول النظام السابق لديهم خبرات كذلك في التضليل الإعلامي، وبالتالي فإن من مصلحتهم خلق فتنة وحرب طائفية، لكي يصبحوا بعيدين عن المحاسبة أو إفشال قيام دولة يمكن أن تحاكمهم، خاصة من شارك في القتل والتعذيب والفساد وتجارة المخدرات.

كان وزير الخارجية في حكومة دمشق المؤقتة، أسعد حسن الشيباني، حذر إيران من نشر الفوضى في سوريا، وحملها مسؤولية تداعيات تصريحاتها بشأن سوريا.

يأتي ذلك بعد تصريحات لوزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قال فيها إنه لا يمكن الحكم على التطورات في سوريا، إذ إن هناك العديد من العوامل التي تؤثر في مستقبل البلاد، وإنه ستكون هناك العديد من التطورات، و”من المبكر إصدار حكم بهذا الخصوص”.

وحذرت جامعة الدول العربية، في 28 من كانون الأول 2024، من “إشعال فتنة” في سوريا، وقالت إنها “تتابع بقلق الأحداث التي تشهدها عدة مدن ومناطق سورية بهدف إشعال فتيل فتنة في البلاد”.

وأعربت عن ثقتها في تمكن أبناء الشعب السوري بكل مكوناته وقياداته، ومن خلال التحلي بالحكمة، من الحفاظ على السلم الأهلي واللحمة الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة، بحيث تخرج سوريا من هذه المحنة الطويلة أقوى مما كانت، وتستعيد دورها الفاعل في محيطها العربي والإقليمي والدولي.

تحرك لمكافحة التضليل

عقب تزايد انتشار الفيديوهات والمعلومات المضللة خلال الأيام الماضية، والتي أسهمت في خلق نوع من الفوضى، خاصة في مناطق الساحل السوري، بدأت التحركات تتسارع للوقوف في وجه التضليل الإعلامي.

ولضمان الحصول على المعلومات والفيديوهات والصور من مصادر موثوقة منعًا للتضليل الإعلامي، نشرت الوكالة السورية للأنباء (سانا) روابط المعرفات الرسمية الخاصة بجميع الوزارات ومجالس المحافظات التابعة لحكومة دمشق المؤقتة.

كما أصدرت وزارة الإعلام بيانًا، قالت فيه إنه يُمنع منعًا باتًا تداول أي محتوى إعلامي أو نشره، أو محتوى خبري ذي طابع طائفي، يهدف إلى بث الفرقة والتمييز بين مكونات الشعب السوري، مع التشديد على أن أي مخالفة لأحكام هذا القرار ستُعرّض أصحابها للمحاسبة القانونية.

في السياق ذاته، أصدرت منصة “تأكد” بيانًا، قالت فيه إنها تواصلت مع شركة “ميتا” من أجل مطالبتها بحذف الفيديوهات المضللة التي أثارت الفتنة في الساحل السوري خلال الأيام الماضية، حيث نصحهم موظف لديها بضرورة إبلاغ وزارة الخارجية في حكومة دمشق المؤقتة لمراسلة مقر شركة “ميتا” في الإمارات، ومطالبتهم بإغلاق تلك الصفحات.

وقال مدير منصة “تأكد”، أحمد بريمو، ل، إنه بعد إصدار البيان تواصل مصدر دبلوماسي من وزارة الخارجية السورية مع منصة “تأكد”، وأبلغ القائمين عليها بأنه سيتم إصدار بيان والتواصل بشكل رسمي مع “ميتا” من أجل إغلاق الصفحات المضللة.

وأشار بريمو إلى أن مدير السياسات العامة لشركة “ميتا” في منطقة بلاد الشام، أرسل لهم وسائل تواصل مباشرة معه، من أجل الإبلاغ بشكل مباشر عن أي صفحات وفيديوهات مضللة، مضيفًا، “عقب التواصل المباشر مع (ميتا) بدأنا نلمس تحركًا مباشرًا من الشركة عبر حذف أي فيديوهات أو منشورات تحرض على العنف، بناء على بلاغات نقدمها بشكل دوري”.

لكن بريمو قال، إن حذف فيديوهات مضللة من قبل إدارة “فيس بوك” غير كافٍ، بسبب عدم إغلاق تلك الصفحات، كما أن الأمر بحاجة لتفكيك شبكة واسعة تعمل على نشر الفتنة من خلال تكثيفها المحتوى المضلل والشائعات والمنشورات الطائفية.

الوعي سلاح مواجهة الفتنة

تمتلك بعض المنصات والمؤسسات الإعلامية قناة تواصل مباشرة مع موظفين في شركة “ميتا” ضمن برنامج الشركاء الموثوقين، حيث يمكن من خلال هذه القناة تقديم بلاغات عن المحتوى المضلل أو الذي يحض على الكراهية والعنف بشكل مباشر إلى “ميتا”.

أما المستخدم العادي، حين يبلغ شركة “ميتا” عن محتوى مضلل أو عنيف أو فيه تشويه سمعة، فإن البلاغ يمر بعدة مراحل وبرمجيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ووفق معايير معينة تعمل على تقييم خطورة تلك البلاغات، قبل أن تصل إلى موظفي “ميتا”، وبالتالي فإن الأمر يستغرق وقتًا قبل التعامل معه.

ويرى أحمد بريمو أن هناك حملات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل صحفيين وناشطين، تدعو للتبليغ عن تلك الصفحات، وهذا الشيء مهم جدًا، لأن “فيس بوك” أو “ميتا” عندما تتلقى عددًا كبيرًا من البلاغات على صفحات تحرّض على العنف والطائفية، فإنه سيكون هناك تحرك أسرع من قبلها لحذف تلك الفيديوهات أو ربما إغلاق الصفحات المضللة.

وشدد بريمو على أهمية الوعي لدى مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، عبر قيامهم بالتحري عن مصدر أي معلومة وتحليلها بعقلانية، والتأكد هل المصدر معروف ويتحلى بالمصداقية والنزاهة، أي أن تكون تلك الصفحة معروفة بأنها لا تنشر في العادة معلومات مضللة أو أخبار كاذبة.

وأكد بريمو أن إعلان حكومة دمشق المؤقتة عن المعرفات الرسمية التابعة لها، خطوة مهمة جدًا تم اتخاذها في الوقت المناسب، وتسهم في مساعدة المستخدمين على الحصول على المعلومات من مصادر موثوقة، مطالبًا الحكومة بأهمية التعامل السريع مع أي تجاوزات فردية وإصدار بيانات متابعة رسمية، وفتح الأبواب المغلقة أمام الصحفيين لتوثيق الأحداث بحرية.

من جهته، نصح الأستاذ الجامعي محمد الأحمد، أحد مؤسسي تجمع الساحل، في حديثه ل، جميع السوريين بالتهدئة وتوخي روح الوحدة الوطنية، قائلًا، “أعرف حجم الانتهاكات التي ارتكبها الأسد بحق الشعب السوري، لكن علينا التصرف بمنطق الدولة التي تريد أن تبني استقرارًا وطنيًا لخير الجميع”.

السويداء تجربة ناجحة

اتبع النظام السوري السابق سياسة “التضليل الإعلامي”، خاصة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 وارتفاع حدة الاحتجاجات، حين أنشأ جيوشًا إلكترونية لدعمه إعلاميًا والمبالغة في تمجيده، واستهداف مواقع معارضة له، واختراقها وإسكات ناشطي الداخل.

أبرز هذه الصفحات كانت “الجيش السوري الإلكتروني”، وهي مجموعة افتراضية استهدفت بعملياتها المواقع المعارضة للنظام السابق، ونُسب إليها اختراق موقع تابع لمشاة البحرية الأمريكية عام 2013.

ويرى حافظ قرطوط أن للمجتمع المحلي المدني دورًا كبيرًا في التوعية والتصدي للتحريض الطائفي، وذلك عبر وجهاء الساحل وبقية المدن، بحيث يستنفرون بكل طاقاتهم لأجل سد كل الثغرات الممكنة، “لكي نثبت للعالم أننا قادرون على خلق بيئة ملائمة والسيطرة على أي بؤرة قد تخلق إشكالًا طائفيًا”.

ولفت قرقوط إلى أن للنظام السابق تجارب كثيرة في محاولة خلف الفتنة، والسويداء خير مثال على ذلك، حيث حاول النظام خلق فتنة بين الدروز والسنة، وبين الدروز والعشائر، وبين السويداء ودرعا، وسخّر أجهزته المخابراتية واستعان بشخصيات معينة، منها وئام وهاب وطلال أرسلان وسمير قنطار لنشر التحريض الطائفي.

وشدد قرقوط على أن النظام فشل في نشر الفتنة في السويداء، بسبب دور وجهاء المناطق والوعي لدى أهلها، لذلك يجب على باقي مناطق سوريا اليوم أن يتعلموا من تجربة السويداء في مواجهة الحالة الطائفية التي غذاها النظام لسنوات قبل انتصار الثورة، عبر الادعاء أن هناك متطرفين يريدون أن يحكموا سوريا وينكلوا بالأقليات، لكن الواقع على الأرض أثبت “كذب” بشار الأسد المخلوع.

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *