فنون ومقاومة على قماش خيمة
9 مايو 2024آخر تحديث :
صدى الإعلام _ لا تبدو خيمة أحمد الطلاع كغيرها من الخيام المحيطة بها في دير البلح وسط قطاع غزة، وقد تحوّلت إلى “لوحة فنية” تتزاحم على قماشها الآيات القرآنية والشعارات الوطنية مع أبيات الشعر، التي تعكس جانبًا من صبر وصمود أهالي قطاع غزة الذين يواجهون حربًا ضارية منذ 7 أشهر.
ونزح الطلاع مع أسرته من مخيم النصيرات القريب من مدينة دير البلح، وقد دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزله قبل حوالي أربعة أشهر، غير أنه يبدي قدرًا كبيرًا من الصبر يفرّغه حبرًا على خيمته، التي باتت تلفت انتباه المارة، ويتوقفون أمامها لالتقاط الصور.
يمتلك الطلاع ملكة الخط الجميل، وكان يعمل خطّاطًا قبل اندلاع الحرب التي أعقبت عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي. ويقول لـ “الترا فلسطين” إنه يتعامل مع القلم كسلاح لا يقل أهمية عن السلاح في يد المقاوم الذي يتصدى للعدوان في الميدان.
مقاومة بالقلم والصمود
ويترجم الطلاع إرادة الصمود والتحدي لديه من خلال رسائل يبعث بها إلى العالم بواسطة ما يخطّه بيديه على قماش خيمته، وقد برزت من بين عبارات كثيرة كتبها: “سنعود يومًا إلى غزة”، ويريد من خلال هذه الكلمات البسيطة أن يعبّر عن رفضه وشريحة واسعة من الغزيين لمخططات التهجير، وإصرارهم على التمسّك بالأرض، وعودة النازحين إلى منازلهم ومناطق سكنهم، خاصة في مدينة غزة وشمال القطاع.
وتظهر عبارة أخرى: “أيام شداد ولكن لطف الله أجمل”، وإلى جانبها عبارة يقول فيها “ابتسموا يا رفاق.. نحن لسنا بخير، ولكن نسعى ما حيينا أن نكون بخير”. ويلوم الطلاع على العالم المتفرّج على جرائم القتل والإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين من عقود، باستعارته مقولة للشاعر الراحل محمود درويش، ويستبدل فيها الطلاع الأرض بمدينة غزة، ويكتب: “سلام لمدينة خلقت للسلام ولم ترَ يومًا سلامًا”.
ويشعر الطلاع بفخر كبير عندما يجد معجبين يلتقطون الصور مع خيمته، وآخرين يطلبون منه أن يكتب لهم مثل هذه العبارات التي تحثُّ على الصبر والصمود والتفاؤل على جدران خيامهم.
سنرجع ونعمّرها
وفي خيمة أخرى بمنطقة المواصي غرب مدينة دير البلح المتاخمة لشاطئ البحر أبدع الفنان التشكيلي أيمن الحصري في كتابة عبارات ارتبطت بالحرب، وأخرى تحمل قدرًا كبيرًا من التفاؤل بانتهاء الأزمة والعودة إلى مدينة غزة وشمالها.
واستحضر أيمن عبارة “روح الروح” التي تحوّلت إلى وسم شهير “تريند” في وداع فلسطينيّ لحفيدته الشهيدة وهو يحتضنها بين ذراعيه ويقول تعبيرًا عن مدى حبّه لها وتعلقه بها واصفًا إياها بـ “روح الروح”.
وعلى أحد وجوه الخيمة كتب أيمن: “غزة تجمعنا”، تعبيرًا من هذا الفنان النازح عن شوقه للعودة إلى مدينة غزة، رغم أنه خسر فيها منزله ومرسمه في شارع الجلاء وسط المدينة، جرّاء تدمير قوات الاحتلال له، إلا أن أيمن يقول لـ “الترا فلسطين”: “هذه الحرب ستنتهي وسنعود إلى غزة، وسنرجع ونُعمّرها”.
ونزح أيمن لأوّل مرة بأسرته من مدينة غزة إلى مدينة دير البلح وأقام فيها لشهرين، قبل أن ينزح مرة ثانية ويستقر به المقام منذ خمسة أشهر في مدينة رفح أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر، ولا يدري كما زهاء مليون نازح في هذه المدينة أين سيرحلون مجددًا في ظل تهديدات إسرائيلية لا تتوقف باجتياحها.
ويرى هذا الفنان التشكيلي فيما يكتبه على خيمته وخيام النزوح التي تمثل أكبر شاهد على جريمة التشريد والإبادة الجماعية، بأنه مساهمة في توثيق ما تتعرض له غزة.
فنون ومقاومة
ولظاهرة الكتابة على الخيام تفسيرها لدى أستاذ علم النفس الدكتور درداح الشاعر، ويقول لـ “الترا فلسطين” إن الفلسطيني يرتبط برباط وثيق مع الأرض ويقاوم بقوة كل محاولات ومخططات فصله عن أرضه أو مساعي تهجيره منها، ويعبّر عن ذلك بكل وسيلة متاحة، بما فيها الكتابة على الخيام والجدران.
وهذه الخيمة رغم أنها نتاج نزوح وتشرّد وما تمثله من معاناة إلا أن النازح يتعامل معها كوطن، ويقول الشاعر: “أينما يحل الفلسطيني وفي أي مكان يلجأ إليه إلا أنه دائم الحنين للوطن، وبالكتابة على قماش الخيمة وجدران مراكز الإيواء فإنه يعكس أمله الذي لا ينقطع رغم الظروف القاسية وألم الجراح”.
وبحسب الشاعر فإن لأسلوب الكتابة على الخيام والجدران دلالة نفسية لدى النازح، الذي يريد أن يثبت بالقول والفعل أنه صامد، ولديه القدرة على احتمال الأذى رغم عظم التضحيات، فالألم الذي يعاينه مرتبط دومًا بالأمل، وهو أمر يعكسه اختياره لآيات قرآنية محددة تعلي من قيمة الشهداء والصبر، وكذلك أقوال مأثورة وأبيات شعرية باتت شعارات وطنية تتوارثها الأجيال.
مع دخول العدوان يومه الـ215: عشرات الشهداء والجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة