أثار الفوز المفاجئ لزهران ممداني، الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 33 عاماً، على أندرو كومو في الانتخابات التمهيدية لمنصب عمدة مدينة نيويورك، حالة من القلق في أوساط المال والأعمال بالمدينة.
وعلّق الملياردير ومدير صندوق التحوط دان لوب على منصة X قائلاً: “إنه رسمياً صيف الشيوعيين الساخن”، في إشارة ساخرة إلى الزخم الكبير الذي يحظى به ممداني.
ورغم الطابع الساخر للتعليق، إلا أنه يعكس مخاوف جدية بين النخب الاقتصادية من أن يؤدي فوز ممداني في الانتخابات العامة المقبلة إلى فرض ضرائب أعلى على الأثرياء، ودفع العديد منهم إلى التفكير في مغادرة المدينة، وفقا لـ”بلومبرغ”.
وقالت كاثي وايلد، الشخصية البارزة التي تربط كبار رجال المال والعقارات والإعلام بصناع القرار في المدينة منذ عقود، إن ممداني يمثل مصدر إلهام لجيل الشباب، لكن نهجه الأيديولوجي “يرعب دافعي الضرائب وأرباب العمل”.
رغم ذلك، وجد ممداني دعماً واسعاً من ناخبين من خلفيات عرقية واقتصادية متنوعة. وأكد في خطاب فجر الأربعاء، أن “الحياة بكرامة يجب ألا تكون امتيازاً لقلة محظوظة”.
وأضاف: “لا أستطيع أن أعدكم بأننا سنكون دائماً متفقين، لكنني أعدكم بأنني لن أخفي شيئاً عنكم”.
حملة رقمية شعبوية
يعزى نجاح ممداني بشكل كبير إلى حملته القوية على وسائل التواصل الاجتماعي، التي جمعت بين شعارات اقتصادية شعبوية وأفكار تقدمية قدمت في مقاطع فيديو جذابة وسريعة الانتشار.
وظهر ممداني عشية الانتخابات في مقطع على إنستجرام مع العارضة والممثلة إميلي راتاجكوسكي، التي ترتدي قميصاً كتب عليه “Hot Girls for Zohran” وتحث متابعيها الذين يزيد عددهم عن 29 مليوناً على التصويت له.
نجحت هذه الحملات في تجنيد عشرات الآلاف من المتطوعين الذين طرقوا الأبواب، ووقفوا في الشوارع، وغمروا وسائل التواصل للترويج لبرنامجه الذي يتضمن، رعاية أطفال مجانية وتخفيض أسعار المواد الغذائية في متاجر حكومية ومواصلات عامة مجانية، وتجميد الإيجارات، وكلها تمول من خلال ضرائب أعلى على الأثرياء.
وما لم يذكره ممداني في حملته، بحسب “بلومبرغ”، هو أن رفع الضرائب يتطلب موافقة حاكمة ولاية نيويورك، كاثي هوشول، التي أعربت سابقاً عن معارضتها للفكرة. كما يقترح ممداني إصدار ديون بقيمة 70 مليار دولار، وهي خطوة تبدو فرص نجاحها ضئيلة للغاية.
حالة ذعر في”وول ستريت”
مع ذلك، تنتشر حالة من الذعر في الأوساط المالية في مانهاتن عقب فوز ممداني. وقال مايكل نيلسون، أحد كبار مسؤولي التوظيف في وول ستريت، إن المزاج بين عملائه الأثرياء “قاتم للغاية”.
وأضاف: “ردة فعلهم هي: هذا سيكون نهاية مدينة نيويورك كما نعرفها”.
وانعكس هذا القلق في تراجع أسهم شركات العقارات المرتبطة بنيويورك، إذ انخفض سهم Flagstar Financial، المقرض لقطاع الشقق، بنسبة 6.7% قبل أن يقلص خسائره إلى 5%.
كما تراجعت أسهم شركات Empire State Realty Trust وSL Green Realty وVornado Realty Trust.
دعم الأثرياء لكومو لم ينقذه
كانت نخبة المدينة قد أجمعت على دعم كومو، السياسي المخضرم البالغ من العمر 67 عاماً، والذي طرح نفسه كخيار معتدل قادر على التعامل مع مشكلات نيويورك، من الجريمة في المترو إلى أزمة غلاء المعيشة.
وحُظي بدعم مليارديرات مثل مايكل بلومبرغ وبيل آكمان ودان لوب وستيفن روث. وجمع صندوقه السياسي Fix the City نحو 25 مليون دولار، وهو مبلغ غير مسبوق في سباق تمهيدي لمنصب العمدة.
لكن معظم حملته الإعلامية ركزت على الهجوم ضد ممداني أكثر من تقديم رؤية واضحة لحل مشكلات المدينة.
كومو، الذي استقال من منصب حاكم نيويورك على خلفية اتهامات بالتحرش الجنسي ينفيها، حُظي أيضاً بدعم شخصيات بارزة في المؤسسة الديمقراطية، مثل الرئيس الأسبق بيل كلينتون.
في المقابل، كان ممداني مدعوماً من شخصيات تقدمية مثل النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز والسيناتور بيرني ساندرز.
هل تتغير مواقف “وول ستريت”؟
هناك مؤشرات على أن بعض أوساط “وول ستريت” بدأت تنظر إلى ممداني بشكل أكثر براغماتية. وقال رالف شلوسستاين، الرئيس السابق لشركة Evercore، والديمقراطي المخضرم: “رغم اختلافنا معه في بعض القضايا، ينبغي أن نأمل بأن يتمكن ممداني، إذا أصبح عمدة، من توحيد المدينة للتعامل مع تحدياتها الكبرى في التعليم والأمن والإسكان والتنمية الاقتصادية”.
لكن هذا الرأي لا يزال محدوداً، إذ هاجم بيل آكمان، ممداني، واعتبر أن سياساته ستدفع نيويورك إلى الإفلاس، لكنه لم يعلق على نتائج الانتخابات.
وقال ريتش فارلي، المحامي المخضرم في “وول ستريت”، إن الأثرياء في المدينة يرون أن انتخابات نوفمبر ستكون لحظة فاصلة، مضيفاً: “إذا فاز ممداني، فالكثيرون ممن يمكنهم بسهولة نقل أعمالهم وحياتهم إلى مكان آخر سيفكرون بذلك بجدية”.
خيارات ما بعد “الصدمة”
وفيما يفكر بعض كبار الممولين في كيفية مواجهة ممداني، يلمّح كومو إلى إمكانية الترشح كمستقل خارج النظام الحزبي. وسيتنافس في هذه الحالة مع المرشح الجمهوري كيرتس سيلوا، ومع العمدة الحالي إريك آدامز الذي يخوض السباق أيضاً كمستقل بعد فضيحة فساد.
لكن آخرين يفكرون في خيار أكثر تطرفاً هو “المغادرة”.
وقال إريك روزن، المدير التنفيذي السابق في جيه بي مورجان ومدير صندوق تحوط: “تحدثت بالفعل إلى مديري صناديق تحوط أخبروني أن لديهم قدماً واحدة خارج نيويورك”.
وأضاف: “تركت نيويورك قبل 8 سنوات لأنني لم أكن راضياً عن الطريقة التي تُدار بها المدينة. بعت شقتي في بارك أفينيو وقد انخفض سعرها بنسبة 25%، بينما ارتفع سعر منزلي في فلوريدا بنسبة 250%. السوق قال كلمته”.