قال وزيرة الخارجية التركي، حقان فيدان، إن زيارة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع إلى روسيا خطوة إيجابية في مسار الحوار بين الأطراف السورية وروسيا، معتبرًا أن اللقاء يعكس نضجًا دبلوماسيًا والتزامًا بالمسؤولية في إدارة الملفات الإقليمية.
وأضاف فيدان خلال حديثه في مقابلة مع قناة “أولكه” التركية، في 18 من تشرين الأول، أن الحوار بين الأطراف المختلفة دائمًا أمر محمود، مشيرًا إلى أن قدرة الشخصيات السياسية على الجلوس مع خصومها السابقين والتحدث بصراحة تُعد علامة على النضج السياسي.
وأشاد فيدان بقرار الشرع زيارة روسيا قائلًا، “أرفع القبعة لهذا المستوى من النضج، فهذا ما يميز رجال الدولة الحقيقيين. وأضاف: “نحن أيضًا مررنا بتجارب مشابهة، حيث تشاجرنا مع أشخاص ثم جلسنا وتحدثنا معهم، بل حتى أثناء الخلاف كنا نتواصل”.
وأوضح فيدان أن الرئيس الشرع كان في السابق جزءًا من المعسكر المقاتل لروسيا التي دعمت نظام الأسد المخلوع والميليشيات الإيرانية، لكنه تبنى موقفًا واقعيًا بعد ذلك، قائلًا “لنجلس ونتحدث”، وهو ما اعتبره فيدان تصرفًا مسؤولًا يدل على وعي دبلوماسي.
وأشار فيدان إلى أن هذه الخطوة تعبر عن إدراك الطرفين لأهمية الحوار، حتى في حال وجود اختلافات جوهرية، موضحًا، “هل سيتفقان في كل القضايا؟ بالتأكيد لا، لكن المهم هو أن يجلس الطرفان بنية التفاهم ويفتحا باب الحوار، وهذا بحد ذاته أمر ثمين”.
تواصل دائم ومؤسساتية عالية
وعن مستويات التواصل بين سوريا وتركيا قال فيدان إن تركيا تدير الملف السوري بطريقة منهجية ومنظمة، مع تواصل مستمر مع المؤسسات السورية كافة، موضحًا أن مستوى الاتصال بين الطرفين لم يعد يُقاس بالتواصل العادي، بل أصبح حالة دائمة.
وقال فيدان إن الاجتماعات بين المسؤولين السوريين والأتراك تجري بشكل متكرر ومنتظم، مشيرًا إلى أن وزير الخارجية السوري زار أنقرة مرتين في أسبوع واحد، والتقى خلالها وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات الأتراك في جلسات طويلة ومكثفة.
وأضاف أن هذه الاجتماعات لا تقتصر على كبار المسؤولين، بل تشمل وزارات التجارة والطاقة ووزارة الداخلية، وعددًا كبيرًا من الهيئات الحكومية، لضمان متابعة دقيقة للملفات الأساسية.
وأشار فيدان إلى أن إدارة تركيا للملف السوري تعتمد على هيكل مؤسسي متكامل، يبدأ بمجلس استراتيجي أعلى برئاسة نائب الرئيس جودت بك، يضم الوزارات المعنية ويعمل على تنسيق ملفات اللاجئين، والطاقة، والتجارة، والمعابر الحدودية، والمساعدات الإنسانية. ويُتابع تنفيذ القرارات على الأرض من خلال لجنة تقنية تحت إشراف وزارة الخارجية.
ورغم التنظيم الكبير من الجانب التركي، أقر فيدان بوجود تحديات من الجانب السوري، مشيرًا إلى أن المؤسسات ما زالت في طور إعادة البناء، وأن القدرات المؤسسية محدودة، ما يستدعي أحيانًا أن تتحمل تركيا جزءًا من العبء لضمان استمرارية العمل.
وأشار فيدان إلى أن العلاقات التركية- السورية، وكذلك علاقات تركيا مع الدول الأخرى في القضايا المرتبطة بسوريا، تسير بطريقة منظمة ومخططة للغاية.
التحذير من إسرائيل
يرى حقان فيدان أن أكبر خطر يواجه المنطقة حاليًا هو “استمرار التوسع الإسرائيلي عبر الأراضي السورية”، محذرًا من أن البحث عن عناصر متعاونة داخل سوريا ومحاولات بناء أمنٍ على أساس إضعاف الجيران قد يجر المنطقة إلى مزيد من الانقسام والفوضى.
وقال فيدان إن أنقرة تجري مشاورات مستمرة حول هذا الملف، سواء داخل الدوائر التركية أو مع شركاء دوليين، بمن فيهم الأمريكيون، لأنّ ما يجري في سوريا يرتبط مباشرة بأمن دول الجوار ووحدة أراضيها.
وكشف فيدان عن التخطيط لعقد اجتماع ثلاثي قريبًا بين تركيا والولايات المتحدة وسوريا لبحث هذه المسائل.
وأضاف، “إسرائيل تبحث في الداخل السوري عن عناصر متعاونة معها، عن أطراف موالية تسعى لدعمها”، مؤكدًا أن الرسالة التي تُحاول أنقرة إيصالها إلى إسرائيل، مباشرة أو غير مباشرة، واضحة: “بناء أمنك عبر إضعاف وتقسيم جيرانك استراتيجية شديدة الخطورة”.
وأشار فيدان إلى أن هذه السياسة طبقت تاريخيًا في أماكن أخرى، مصر والأردن ولبنان، وأن النتائج لم تكن مفيدة، معتبرًا أن تركيا كانت تتابع تلك الملفات بمنظور استراتيجي دون أن تكون طرفًا مباشرًا فيها.
لكن القضية السورية، بحسب فيدان، مسألة أمن قومي من “الدرجة الأولى” لدى أنقرة، لا مسألة عاطفية، لأن كل ما يحدث في سوريا مرتبط بأمن المواطنين الأرواح والممتلكات في تركيا.
وأضاف أن المواقف التركية تتشكل وفق منهجية منظمة تستند إلى هذا الفهم، وأن الرسالة التركية واضحة: لا تريد أن ترى سوريا منقسمة. ولا تريد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل، أن يشكل تهديدًا لسوريا أو لجيرانها، وعلى الجميع احترام الحدود والامتناع عن التدخّل في شؤون الآخرين.
وحذر فيدان من خطاب أمني يبرر إضعاف مجموعات واسعة بذريعة مخاطر مستقبلية، واصفًا هذه السياسة بأنها “شديدة الخطورة” لما لها من تداعيات إقليمية تمتد إلى الأردن ولبنان وتركيا والعراق.
ولفت إلى أن توجيه الاهتمام والجهود نحو الأزمات المفتعلة يفتح المجال لعودة التنظيمات المتطرفة في المناطق الصحراوية البعيدة مثل تنظيم “الدولة”.
تركيا تخطط لنشر معدات عسكرية
وتعتزم تركيا تزويد سوريا بمعدات عسكرية تشمل سيارات مصفحة وطائرات مسيرة ومدفعية وصواريخ وأنظمة دفاع جوي خلال الأسابيع المقبلة، وفق ما نقلت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية عن مسؤولين أتراك، في 17 من تشرين الأول.
وقال المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم بسبب حساسية الموضوع، إن المعدات ستُنشر في شمالي سوريا لتجنّب أي توتر مع إسرائيل في الجنوب الغربي، مشيرين إلى أن الخطوة تأتي ضمن تفاهمات أوسع مع الحكومة السورية بقيادة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، لدعم جهوده في إعادة بناء الجيش السوري بعد الدمار الذي لحق بالترسانة العسكرية خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
وبحسب الوكالة، تهدف الشحنات التركية إلى دعم الرئيس السوري أحمد الشرع، وتوحيد البلاد تحت قيادته.
وتخشى أنقرة، وفق التقرير، من تصاعد نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال شرقي سوريا، حيث تسيطر على مناطق حدودية مدعومة من الولايات المتحدة، وتضمّ ضمن صفوفها وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) التي تعتبرها تركيا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK).
مرتبط
المصدر: عنب بلدي