في سوريا.. المطلوب للعدالة طليق على الشاشات
![](https://sharqakhbar.com/wp-content/uploads/2024/10/Ali-Eid-780x470.jpg)
علي عيد
تلك سابقة لم تعهدها عدالة في التاريخ، أن يخرج مسؤولون كبار في نظام قالت المنظمات الأممية المتخصصة إنها توصلت لأدلة أكثر مما تتوقع عن ضلوعه بجرائم حرب.
ماذا لو كان المسؤول هو محمد الشعار، وهو الضابط الذي شكّل مخلبًا أمنيًا عنيفًا للنظام السوري على مدار سنوات خدمته في شعبة المخابرات العسكرية، فهو “سفاح طرابلس” الذي أدار عملية “باب التبانة” في كانون الأول 1986، والتي ذهب ضحيتها المئات من اللبنانيين.
الشعار هو رئيس فرع الأمن العسكري في طرطوس ثم حلب ثم رئيس فرع المنطقة “227”، وأصبح لاحقًا رئيسًا للشرطة العسكرية.
وفي الفترة الأكثر حرجًا في سوريا، جرى تعيين الشعار وزيرًا للداخلية، بين عامي 2011 و2018، وكان عضوًا في “خلية الأزمة” التي قتل أعضاؤها باستثنائه في تفجير 18 من تموز 2012، ناهيك بكونه مدرجًا على لوائح العقوبات الغربية منذ منتصف عام 2011.
في حالة الشعار، يبدو أن الإعلام استمع إلى المتورط وترك ملايين الضحايا، وسمح لواحد من أقوى الشخصيات وأكثرها انخراطًا في النظام السابق أن يقدم سرديته، معتبرًا أن “خلية الأزمة” التي كان عضوًا فيها هي جهة اقتراح، وأن وزارة الداخلية لم تكن معنية بانتهاكات الأجهزة الأمنية.
لم يظهر في المقابلة من يحاور الشعار ويسأله عن ظروف اعتقال المدنيين في سجون وزارة العدل وبينها سجن “عدرا” الشهير، كما لم يسأله أحد عن دور الوزارة في عهده ومسؤوليتها عن استخدام مراكز الشرطة كمراكز اعتقال وتوقيف، ولا عن دوره “المفترض” في مجزرة “صيدنايا” عام 2008.
صحيح أن الإعلام يجب أن يتجنب مسألة تجريم أو إدانة الشهود أو المتهمين، لكن تركهم يقدمون روايتهم الخاصة لأحداث مروعة كانوا في موقع المسؤولية خلالها، يعتبر خللًا مهنيًا كبيرًا قد يتسبب في إثارة الرأي العام، وتأجيج نزعة الانتقام، أو التأثير في مسار العدالة.
هناك مسؤوليتان إضافيتان في عمل الصحفي، الأولى مهنية تفرض عليه مواجهة المسؤول بشكل شجاع ومباشر فيما يخص أي تهمة أو مسألة أو قرار يمكن أن يكون قد اتخذه، وأي جريمة يتهم بالضلوع فيها، وهو في ذلك يحقق التوازن ويمثل صوت الجمهور الذي لا يمكنه محاورة ذلك المسؤول في تلك اللحظة، والمسؤولية الثانية هي أخلاقية، إذ يجب ألا يندفع الصحفي إلى السبق دون حساب مصلحة العدالة أو حقوق الضحايا أو الضرر الحاصل في فسح المجال أمام شخصيات متورطة أو متهمة، وإلا فإن الصحافة تكون مساهمة في أي جريمة لاحقة تنتج عن أدائها غير المهني، أو عن ضياع الحقوق العامة والخاصة، أو حتى عن اضطرابات على المستوى الوطني تنتج عن ذلك.
وبمناسبة مسار العدالة، كيف يمكن أن يخرج مسؤول سابق بحجم محمد الشعار على الإعلام دون موافقة قضائية، وما الإجراءات القانونية التي اتخذت بالأساس بعد تسليمه لنفسه.
أعود إلى بيان وزارة الإعلام في حكومة دمشق المؤقتة، في 7 من شباط الحالي، بخصوص منع إجراء مقابلات أو نشر تصريحات منسوبة لشخصيات ورموز مرتبطة بالنظام السابق، ومشروعية هذا القرار.
ليس صحيحًا أن الوزارة هي المسؤولة عن مثل هذه القرارات، لأنها تشكل تقييدًا لعمل الإعلام وحريته في الوصول إلى أي شخصية أو معلومة، وإنما تقع المسؤولية على الجهات القضائية التي تنظر في وضع تلك الشخصيات، وحقيقة تورطها من عدمه.
بدا أن القضاء لا يمارس دوره المفترض، خصوصًا أن العدالة الانتقالية تعتبر مسألة بالغة الحساسية والضرورة في هذه الفترة الحرجة، إذ لا يمكن للبلاد العبور إلى السلم الأهلي قبل الاقتصاص من خلال القضاء في مرحلة العدالة الانتقالية، وإلا فإن البلاد مهددة بنزعات انتقامية يمكن أن تقوّض الأمن وتتسبب بمذابح على نطاق واسع.
معظم التشريعات في الدول الغربية، لا تجيز بالأساس تناول القضايا المنظورة أمام القضاء والمحاكم دون موافقة القضاة المسؤولين عن متابعة تلك القضايا، وهذا يشمل التصوير أو التسجيل، كما يشمل الأمر نشر الأسماء الخاصة بالمتهمين.
السؤال الآن، لماذا لم تترك روسيا بشار الأسد يخرج على الإعلام حتى اللحظة ليقدم سرديته حول ما حصل في سوريا، والجواب هو أن موسكو ترى مصلحتها في عدم استفزاز السوريين أو قيادتهم السياسية الحالية، ما قد يتسبب في ضرر لمصالح تفاوض عليها دمشق اليوم، وطالما أن خروج الأسد من موسكو سيكون مستفزًا وضارًا قطعًا، كيف لا يكون مستفزًا خروج واحد من أهم أذرعه ليقدم سرديته من دمشق، ذلك صراع سياسي يجب ألا يكون الإعلام أداة فيه، وألا يختبئ العدل وراءه أو يهرب منه.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي